الساعة تشير الى السادسة مساء، والجو لازال حارا يبتلع رطوبة المساء المنعشة، فالفصل اذن كان صيفا .. قدمت راجلا من وسط المدينة قاصدا مسكني بحي المعسكر القديم ، وبالقرب من المسكن امتد بصري الى ثلة من الفتيان يصل عددهم خمسة ، لازالت أعمارهم تندرج في ظلال ميعة الشباب وفتوته ، ولاحظت وانا أقترب منهم أنهم منهمكون في معالجة وتلفيف سجائر بكميات من مخدر الشيرة وأخرى من المخدرات القوية على شكل مسحوق أبيض لا أجزم ان كان من صنف الكوكايين أو الهيروين ، فكيفما كان الأمر، فكلاهما مضر ومحظور ، فانتبهوا فجأة الى وجودي ، فدنوت منهم أكثر لأنهم كانوا بمحاذاة عتبة الدار ، فجعلوا أيْدِيَهم خلف ظهورهم لاخفاء تلك المواد وما يعملون ، وارتسمت على محيا كل واحد منهم بشاشة سخيفة مفتعلة اصطبغت بحس من التهكم والاستهتار ، فلم أنفعل بل كظمت غيظي وحبست غضبي واصطنعت الرضى وبادرت الى القول موجها اليهم بلين ولطف:" أنا أعرف ما تفعلون، انكم تستهلكون المخدرات وتشربون سجائرها ، هي سموم أعراضها خطيرة عليكم نفسيا واجتماعيا ، اني لا اريد ان ابلغ عنكم " -رددت بيني وبين نفسي وانا أخاطبهم ساعتها أن السجن مدرسة احتراف لمن هو هاوٍ او مبتدئ ، لم يعد مؤسسة اصلاح – وزدت لهم قائلا؛" لكن أطلب منكم انتظاري لغاية خروجي من مسكني لتدركوا ان ما تعملونه وما تستهلكونه تقتلون به انفسكم وتطمسون به آمالكم وآتِيَكم في ظلمات المجهول ودياجير اليأس وتُحْيُون به عصبة من ذوي انعدام الضمير هي طوائف لا تُعَدُّ ولا تحصى نائمة عن الإنسانية ، عصابات إجرامية يضلون الشباب بأكواب من مسحوق المجون يطمسون بصائرهم وأنوار قلوبهم ، لا تحفل بالقيم النبيلة ، ولا بسعادة الوطن ، عصابات تركض مع تيار المادة الى حيث النهم والشره ، ينعدم فيهم الضمير الحي النقي ، يجعلون شبابنا يضطجعون جماعات او فرادى في ظلال التخدير والجهالة والخمول . هذه العصابات سأريكم أيها الشباب كيف تمارس ظروفها المعيشية وكيف ينتهي بها المآل " نعم ، لم أُِردْ ان أبلغ عنهم لدى السلطة المحلية ، وما اريد لهم الا الاصلاح ، فمعالجة السلطة لهذه الظاهرة ظاهرة التخدير والمجون محدودة ومشوبة بالتقصير بدليل ان جرائم المخدرات عرفت ارتفاعا ملحوظا تعكسه حالة الاكتظاظ التي تعرفها أجنحة المدمنين على المخدرات بمختلف سجون المملكة ، إذ ان نسبة هذه الجرائم التي يتورط في ارتكابها شبابنا ولا سيما القاصرون تزداد ارتفاعا في ظل غياب أي معالجة صارمة وشادة من المصالح الأمنية لهذه الظاهرة الاجتماعية. دخلت منزلي وقصدت مكتبتي التي تضم رفوفا تحوي أشكال القرارات ، كل رف يضم نوعا خاصا من القضايا ، فسحبت من الرف الذي يضم القرارات المتعلقة بجرائم المخدرات قرارا يعالج قضية تتعلق بظروف شبكة منظمة لتوزيع المخدرات والاتجار فيها وما آلت اليه هذه الشبكة في نهاية المطاف . فخرجت بنسخة من هذا القرار الى الفتية الذين كانوا ينتظرونني ليطلعوا على ظروف القضية عسى أن يعتبروا ويتخلصوا مما هم فيه من ادمان ربما ، وما يكون أجري الا على الله سبحانه . وبسطت نسخة القرار امامي وشرعت أتلو عليهم : اتفق سلمان وخليلته عشوشة مع الطيب على اللقاء في دار سلمان عند هبوط الظلام ليسلم الأولان للطيب كمية من المخدرات – الشيرة -لا يستهان بها مقابل مبلغ مالي متفق عليه بين الاطراف يجلبه لهما الطيب ، وفي الوقت المحدد اقبل هذا الأخير وبيده حقيبة تضم مبلغا ماليا ، فاستقبله الاثنان ، وكلا الطرفين كشف للآخر عن محتوى الحقيبة ، فتحركت عشوشة نحو الحقيبة تريد عد المبلغ قائلة للطيب ؛" دعني اعد المبلغ " فرد عليها ؛" لا داعي ،ان مقدار المبلغ مهم كما تعرفين وأن عده يأخذ منا الوقت الكثير وأنا في عجلة من أمري" فاستشاطت غضبا فردت عليه:" أفي عقلك مس؟ اني اريد التحقق من مقدار المبلغ" فتدخل سلمان وقال:" إنها على حق، خاصة ونحن نسلمك الكمية بالقدر المتفق عليه"، فتقدمت عشوشة ونزعت الحقيبة من يد الطيب إلا ان هذا الأخير أمسك بيدها كما يمسك مخلب الصقر بالحمامة ودفعها بعيدا فلم تجد عشوشة بدا من الذهاب الى المطبخ وتأخذ سكينا ثم تقصد الطيب وتطعنه على جنبه الأيسر من جسمه ، فتدخل سلمان لفض النزاع لكن الطيب ثار في وجهه فدخلا في شباك ، ولما أدرك سلمان هيمنة الطيب عليه ، ولئن كان هذا الاخير مصابا كما ذكر، سلمت عشوشة لسلمان نفس الأداة التي طعنت بها الطيب ، فطعنه بها سلمان من جديد بطعنة أخرى على مستوى نفس الجنب ليسقط الطيب ارضا ويعاوده سلمان بطعنة أخرى على بطنه والضحية ينزف دما ، وإثر ذلك قام سلمان وعشوشة بسحب الطيب الى غرفة ووضعاه على سرير ملقى على بطنه مثخنا بالدماء لتعمد عشوشة الى نزع سرواله وإيلاج عصا طويلة في دبره في وقت كان الضحية الطيب يئن انينا رهيفا ضعيفا يلفظ به أنفاسه الأخيرة. كأن شيئا لم يكن ، ولا تأثير له في نفسيهما، فاتجها الى قنينة خمر منصوبة على الطاولة ، وملآ جوفهما ببضعة أقداح ثم استوليا على حقيبة المال – ما أفظعهما – وخرجا هاربين ليصطدما بجارة سلمان المرأة السعدية ثم تابعا الطريق، غير ان المرأة السعدية ساورها شك في الأمر – تَدَخُّل مشيئة الله سبحانه – فدخلت المرأة المنزل حيث كانت الباب غير موصدة تركت على هذا الحال سهوا نظرا لحالة الاستعجال التي كانا عليها، وكان نور خافت ينسل من اسفل الباب ، فلما دخلت السعدية كما قلت زعقت من حدة المفاجأة ، وارتعش جسمها رهبة وذعرا حين شاهدت الطيب الضحية ملقى على بطنه فوق السرير وهو فارق الحياة ، غارق في كتلة من الدماء ، فارتدت مسرعة الى الخارج قاصدة مخفر الشرطة قصد الاخبار. حضرت عناصر الشرطة ، وأثناء التحريات التي قامت بها عاينت جثة الهالك وعليها آثار جرحين غائرين على مستوى الجنب الأيسر من الجثة وجرح آخر على البطن وبقع دم كثيفة بأرضية المنزل وأداة تنظيف على شكل عصا علقت بها آثار الدم على طول ست سنتيمترات تقريبا ، وتم نقل الضحية الى مستودع الأموات بالمستشفى المدني للتشريح ولبيان أسباب الوفاة ، ومصاحبة المرأة السعدية للاستماع اليها فيما شاهدته، وكل ذلك بعد إخبار ديمومة النيابة العامة بظروف القضية والتلقي منها التعليمات المستلزمة تبعا لطبيعة الحادثة . استمعت الضابطة القضائية الى المصرحة المرأة السعدية فعرفت منها انها عند وصولها الى منزلها المجاور لمنزل سلمان شاهدت هذا الأخير وبمعيته عشوشة يخرجان من منزل الأول مسرعين وبيد سلمان حقيبة ،وعند دخولها للمنزل فوجئت بالضحية ملقى على بطنه فارق الحياة وهو مثخن بالدماء . فعملت الضابطة القضائية على البحث عن الجانيين ، وترصدت لهما بكل وسائلها الخاصة وألقت القبض عليهما وقيدا الى مركز الشرطة ، وعند الاستماع اليهما تمهيديا أكدا معا في تصريحاتهما الوقائع المشار اليها أعلاه ، ليقفل الضابط المتحري محضر البحث وليحيله على النيابة العامة رفقة المتهمين سلمان وعشوشة في حالة اعتقال . وبدورها أحالت النيابة العامة المتهمين المذكورين على السيد قاضي التحقيق بمقتضى مطالبتها الكتابية التمست فيها متابعتهما من أجل جناية القتل العمد مع سبق الاصرار المصحوب بالتعذيب بارتكاب أعمال وحشية أثناء تنفيذ جناية ومن أجل هتك العرض بعنف والسرقة الموصوفة بالتعدد وظرف الليل ومن اجل جنحة حيازة واستهلاك المخدرات والسكر العلني . فتابع السيد قاضي التحقيق المتهمين بالجرائم اعلاه وفق ما جاء في المطالبة الكتابية للنيابة العامة ، وأحيلت القضية على غرفة الجنايات الابتدائية للمحاكمة . وهنا توقفتُ عن تلاوة القرار عند نهاية معرض سرد وقائع القضية ، ولاحظتُ الفتيةَ مشدوهين مأخوذين متأثرين ، اشمأزت نفوسهم مما انتهى اليه سمعهم ومما تضمنت الوقائع من تلك الادوار الشريرة الوحشية التي اقدم عليها المتهمان ، فتوصلت بذلك من داخل نفسي ان الواقعة صنعت أثرامحسوسا وملموسا في نفوس الفتية ، وبصوت ارتعشت له اوصال أحدهم تدخل قائلا:" هؤلاء متمردون ، شريرون ، جزرة ، دخلوا الى حظيرة عالمنا لافسادنا ، يريدوننا نحن الشباب أن نعيش تائهين شاردين عالة على مجتمعنا ، اننا لا نعود الى شرب هذه السموم بل نعود نافعين لمجتمعنا". انبسطت أساريري ، لاني وصلت الى عمل رضيت به نفسي، واقتنع به غيري ، وما أجري الا على الله رب العالمين. والتفت اليهم قائلا :" فلأترككم الحكم على هؤلاء النذلاء ويقتضي منكم ان تفرزوا اعمالهم فرزا دقيقا على ضوء ما سمعتموه مني ، إما ان تساندوهم لتخربوا عالمكم وإما ان تناهضوهم لتفيدوا مستقبلكم بالعمل المفيد والكدح المجدي . فانصرفوا وانا مقتنع ان قراري فعل في نفوسهم أشياء. وأعود الى معرض مناقشة وقائع القضية من الناحية القانونية . فغرفة الجنايات الابتدائية ذهبت الى غير ما ذهب اليه أمر السيد قاضي التحقيق حيث قضت على المتهمين من اجل جناية الضرب والجرح العمديين بالسلاح المفضيين الى الموت دون نية القتل طبقا للفقرة الثانية من الفصل 403 من القانون الجنائي بعد اعادة تكييفها من جناية القتل العمد مع سبق الاصرار المصحوب بالتعذيب بارتكاب اعمال وحشية اثناء تنفيذ جناية واقرار الباقي ماعدا السكر العلني التصريح بعدم مؤاخذتهما به وهو ما اقرته غرفة الجنايات الاستئنافية متبنية علل وأسباب القرار الابتدائي المستخلصة منها ان المحكمة لم تستنبط من معطيات القضية عناصر القتل العمد لخلوالقصد الجنائي أو قيام الدليل عليه ، وزادت غرفة الجنايات الابتدائية معللة أن إدخال جزء من العصا في مؤخرة الضحية وإن كان يتسم بالوحشية الا انه لم يكن القصد من ارتكابه تنفيذ فعل آخر يعد جناية ، لان الاعتداء كان سابقا عن الفعل الوحشي. إلا أن محكمة النقض كان لها رأي آخر نقضت به القرار الجنائي الاستئنافي حين عللت قرارها بما يلي: لكن ، حيث ان المحكمة عندما عللت قرارها على النحو المذكور أعلاه لم تستوف في تسبيب قرارها وبما فيه الكفاية ما يصلح للتدليل على استظهار حقيقة وجود القصد الجنائي لدى المطلوبين في النقض(المتهمين) أو من عدمه ولا ما يصلح للتدليل على انتفاء عناصر جناية التعذيب أعمارهم تندرج في ظلال ميعة الشباب وفتوته ، ولاحظت وانا أقترب منهم أنهم منهمكون في معالجة وتلفيف سجائر بكميات من مخدر الشيرة وأخرى من المخدرات القوية على شكل مسحوق أبيض لا أجزم ان كان من صنف الكوكايين أو الهيروين ، فكيفما كان الأمر، فكلاهما مضر ومحظور ، فانتبهوا فجأة الى وجودي ، فدنوت منهم أكثر لأنهم كانوا بمحاذاة عتبة الدار ، فجعلوا أيْدِيَهم خلف ظهورهم لاخفاء تلك المواد وما يعملون ، وارتسمت على محيا كل واحد منهم بشاشة سخيفة مفتعلة اصطبغت بحس من التهكم والاستهتار ، فلم أنفعل بل كظمت غيظي وحبست غضبي واصطنعت الرضى وبادرت الى القول موجها اليهم بلين ولطف:" أنا أعرف ما تفعلون، انكم تستهلكون المخدرات وتشربون سجائرها ، هي سموم أعراضها خطيرة عليكم نفسيا واجتماعيا ، اني لا اريد ان ابلغ عنكم " -رددت بيني وبين نفسي وانا أخاطبهم ساعتها أن السجن مدرسة احتراف لمن هو هاوٍ او مبتدئ ، لم يعد مؤسسة اصلاح – وزدت لهم قائلا؛" لكن أطلب منكم انتظاري لغاية خروجي من مسكني لتدركوا ان ما تعملونه وما تستهلكونه تقتلون به انفسكم وتطمسون به آمالكم وآتِيَكم في ظلمات المجهول ودياجير اليأس وتُحْيُون به عصبة من ذوي انعدام الضمير هي طوائف لا تُعَدُّ ولا تحصى نائمة عن الإنسانية ، عصابات إجرامية يضلون الشباب بأكواب من مسحوق المجون يطمسون بصائرهم وأنوار قلوبهم ، لا تحفل بالقيم النبيلة ، ولا بسعادة الوطن ، عصابات تركض مع تيار المادة الى حيث النهم والشره ، ينعدم فيهم الضمير الحي النقي ، يجعلون شبابنا يضطجعون جماعات او فرادى في ظلال التخدير والجهالة والخمول . هذه العصابات سأريكم أيها الشباب كيف تمارس ظروفها المعيشية وكيف ينتهي بها المآل " نعم ، لم أُِردْ ان أبلغ عنهم لدى السلطة المحلية ، وما اريد لهم الا الاصلاح ، فمعالجة السلطة لهذه الظاهرة ظاهرة التخدير والمجون محدودة ومشوبة بالتقصير بدليل ان جرائم المخدرات عرفت ارتفاعا ملحوظا تعكسه حالة الاكتظاظ التي تعرفها أجنحة المدمنين على المخدرات بمختلف سجون المملكة ، إذ ان نسبة هذه الجرائم التي يتورط في ارتكابها شبابنا ولا سيما القاصرون تزداد ارتفاعا في ظل غياب أي معالجة صارمة وشادة من المصالح الأمنية لهذه الظاهرة الاجتماعية. دخلت منزلي وقصدت مكتبتي التي تضم رفوفا تحوي أشكال القرارات ، كل رف يضم نوعا خاصا من القضايا ، فسحبت من الرف الذي يضم القرارات المتعلقة بجرائم المخدرات قرارا يعالج قضية تتعلق بظروف شبكة منظمة لتوزيع المخدرات والاتجار فيها وما آلت اليه هذه الشبكة في نهاية المطاف . فخرجت بنسخة من هذا القرار الى الفتية الذين كانوا ينتظرونني ليطلعوا على ظروف القضية عسى أن يعتبروا ويتخلصوا مما هم فيه من ادمان ربما ، وما يكون أجري الا على الله سبحانه . وبسطت نسخة القرار امامي وشرعت أتلو عليهم : اتفق سلمان وخليلته عشوشة مع الطيب على اللقاء في دار سلمان عند هبوط الظلام ليسلم الأولان للطيب كمية من المخدرات – الشيرة -لا يستهان بها مقابل مبلغ مالي متفق عليه بين الاطراف يجلبه لهما الطيب ، وفي الوقت المحدد اقبل هذا الأخير وبيده حقيبة تضم مبلغا ماليا ، فاستقبله الاثنان ، وكلا الطرفين كشف للآخر عن محتوى الحقيبة ، فتحركت عشوشة نحو الحقيبة تريد عد المبلغ قائلة للطيب ؛" دعني اعد المبلغ " فرد عليها ؛" لا داعي ،ان مقدار المبلغ مهم كما تعرفين وأن عده يأخذ منا الوقت الكثير وأنا في عجلة من أمري" فاستشاطت غضبا فردت عليه:" أفي عقلك مس؟ اني اريد التحقق من مقدار المبلغ" فتدخل سلمان وقال:" إنها على حق، خاصة ونحن نسلمك الكمية بالقدر المتفق عليه"، فتقدمت عشوشة ونزعت الحقيبة من يد الطيب إلا ان هذا الأخير أمسك بيدها كما يمسك مخلب الصقر بالحمامة ودفعها بعيدا فلم تجد عشوشة بدا من الذهاب الى المطبخ وتأخذ سكينا ثم تقصد الطيب وتطعنه على جنبه الأيسر من جسمه ، فتدخل سلمان لفض النزاع لكن الطيب ثار في وجهه فدخلا في شباك ، ولما أدرك سلمان هيمنة الطيب عليه ، ولئن كان هذا الاخير مصابا كما ذكر، سلمت عشوشة لسلمان نفس الأداة التي طعنت بها الطيب ، فطعنه بها سلمان من جديد بطعنة أخرى على مستوى نفس الجنب ليسقط الطيب ارضا ويعاوده سلمان بطعنة أخرى على بطنه والضحية ينزف دما ، وإثر ذلك قام سلمان وعشوشة بسحب الطيب الى غرفة ووضعاه على سرير ملقى على بطنه مثخنا بالدماء لتعمد عشوشة الى نزع سرواله وإيلاج عصا طويلة في دبره في وقت كان الضحية الطيب يئن انينا رهيفا ضعيفا يلفظ به أنفاسه الأخيرة. كأن شيئا لم يكن ، ولا تأثير له في نفسيهما، فاتجها الى قنينة خمر منصوبة على الطاولة ، وملآ جوفهما ببضعة أقداح ثم استوليا على حقيبة المال – ما أفظعهما – وخرجا هاربين ليصطدما بجارة سلمان المرأة السعدية ثم تابعا الطريق، غير ان المرأة السعدية ساورها شك في الأمر – تَدَخُّل مشيئة الله سبحانه – فدخلت المرأة المنزل حيث كانت الباب غير موصدة تركت على هذا الحال سهوا نظرا لحالة الاستعجال التي كانا عليها، وكان نور خافت ينسل من اسفل الباب ، فلما دخلت السعدية كما قلت زعقت من حدة المفاجأة ، وارتعش جسمها رهبة وذعرا حين شاهدت الطيب الضحية ملقى على بطنه فوق السرير وهو فارق الحياة ، غارق في كتلة من الدماء ، فارتدت مسرعة الى الخارج قاصدة مخفر الشرطة قصد الاخبار. حضرت عناصر الشرطة ، وأثناء التحريات التي قامت بها عاينت جثة الهالك وعليها آثار جرحين غائرين على مستوى الجنب الأيسر من الجثة وجرح آخر على البطن وبقع دم كثيفة بأرضية المنزل وأداة تنظيف على شكل عصا علقت بها آثار الدم على طول ست سنتيمترات تقريبا ، وتم نقل الضحية الى مستودع الأموات بالمستشفى المدني للتشريح ولبيان أسباب الوفاة ، ومصاحبة المرأة السعدية للاستماع اليها فيما شاهدته، وكل ذلك بعد إخبار ديمومة النيابة العامة بظروف القضية والتلقي منها التعليمات المستلزمة تبعا لطبيعة الحادثة . استمعت الضابطة القضائية الى المصرحة المرأة السعدية فعرفت منها انها عند وصولها الى منزلها المجاور لمنزل سلمان شاهدت هذا الأخير وبمعيته عشوشة يخرجان من منزل الأول مسرعين وبيد سلمان حقيبة ،وعند دخولها للمنزل فوجئت بالضحية ملقى على بطنه فارق الحياة وهو مثخن بالدماء . فعملت الضابطة القضائية على البحث عن الجانيين ، وترصدت لهما بكل وسائلها الخاصة وألقت القبض عليهما وقيدا الى مركز الشرطة ، وعند الاستماع اليهما تمهيديا أكدا معا في تصريحاتهما الوقائع المشار اليها أعلاه ، ليقفل الضابط المتحري محضر البحث وليحيله على النيابة العامة رفقة المتهمين سلمان وعشوشة في حالة اعتقال . وبدورها أحالت النيابة العامة المتهمين المذكورين على السيد قاضي التحقيق بمقتضى مطالبتها الكتابية التمست فيها متابعتهما من أجل جناية القتل العمد مع سبق الاصرار المصحوب بالتعذيب بارتكاب أعمال وحشية أثناء تنفيذ جناية ومن أجل هتك العرض بعنف والسرقة الموصوفة بالتعدد وظرف الليل ومن اجل جنحة حيازة واستهلاك المخدرات والسكر العلني . فتابع السيد قاضي التحقيق المتهمين بالجرائم اعلاه وفق ما جاء في المطالبة الكتابية للنيابة العامة ، وأحيلت القضية على غرفة الجنايات الابتدائية للمحاكمة . وهنا توقفتُ عن تلاوة القرار عند نهاية معرض سرد وقائع القضية ، ولاحظتُ الفتيةَ مشدوهين مأخوذين متأثرين ، اشمأزت نفوسهم مما انتهى اليه سمعهم ومما تضمنت الوقائع من تلك الادوار الشريرة الوحشية التي اقدم عليها المتهمان ، فتوصلت بذلك من داخل نفسي ان الواقعة صنعت أثرامحسوسا وملموسا في نفوس الفتية ، وبصوت ارتعشت له اوصال أحدهم تدخل قائلا:" هؤلاء متمردون ، شريرون ، جزرة ، دخلوا الى حظيرة عالمنا لافسادنا ، يريدوننا نحن الشباب أن نعيش تائهين شاردين عالة على مجتمعنا ، اننا لا نعود الى شرب هذه السموم بل نعود نافعين لمجتمعنا". انبسطت أساريري ، لاني وصلت الى عمل رضيت به نفسي، واقتنع به غيري ، وما أجري الا على الله رب العالمين. والتفت اليهم قائلا :" فلأترككم الحكم على هؤلاء النذلاء ويقتضي منكم ان تفرزوا اعمالهم فرزا دقيقا على ضوء ما سمعتموه مني ، إما ان تساندوهم لتخربوا عالمكم وإما ان تناهضوهم لتفيدوا مستقبلكم بالعمل المفيد والكدح المجدي . فانصرفوا وانا مقتنع ان قراري فعل في نفوسهم أشياء. وأعود الى معرض مناقشة وقائع القضية من الناحية القانونية . فغرفة الجنايات الابتدائية ذهبت الى غير ما ذهب اليه أمر السيد قاضي التحقيق حيث قضت على المتهمين من اجل جناية الضرب والجرح العمديين بالسلاح المفضيين الى الموت دون نية القتل طبقا للفقرة الثانية من الفصل 403 من القانون الجنائي بعد اعادة تكييفها من جناية القتل العمد مع سبق الاصرار المصحوب بالتعذيب بارتكاب اعمال وحشية اثناء تنفيذ جناية واقرار الباقي ماعدا السكر العلني التصريح بعدم مؤاخذتهما به وهو ما اقرته غرفة الجنايات الاستئنافية متبنية علل وأسباب القرار الابتدائي المستخلصة منها ان المحكمة لم تستنبط من معطيات القضية عناصر القتل العمد لخلوالقصد الجنائي أو قيام الدليل عليه ، وزادت غرفة الجنايات الابتدائية معللة أن إدخال جزء من العصا في مؤخرة الضحية وإن كان يتسم بالوحشية الا انه لم يكن القصد من ارتكابه تنفيذ فعل آخر يعد جناية ، لان الاعتداء كان سابقا عن الفعل الوحشي. إلا أن محكمة النقض كان لها رأي آخر نقضت به القرار الجنائي الاستئنافي حين عللت قرارها بما يلي: لكن ، حيث ان المحكمة عندما عللت قرارها على النحو المذكور أعلاه لم تستوف في تسبيب قرارها وبما فيه الكفاية ما يصلح للتدليل على استظهار حقيقة وجود القصد الجنائي لدى المطلوبين في النقض(المتهمين) أو من عدمه ولا ما يصلح للتدليل على انتفاء عناصر جناية التعذيب بارتكاب اعمال وحشية اثناء تنفيذ جناية وذلك عند تقديرها للوقائع المعروضة عليها خاصة وانه بالرجوع الى تنصيصات القرار المطعون فيه وما تضمنته اقوال المتهمة عشوشة في سائر اطوار الدعوى ان الطعنات الثلاث المتكررة من طرف المطلوبين في النقض أصابت في مقتل على مستوى جنب جسم الضحية وبطنه كما أثبتها محضر المعاينة المنجز من طرف الضابطة القضائية والمعول عليه من طرف غرفة الجنايات بدرجتيها، وان عملية ادخال جزء من العصا (وسيلة التعذيب) في دبر الضحية وهو ينزف دما وهو عمل وصفه القرار بكونه عمل وحشي انما مورس أثناء تنفيذ الجناية وقبل ازهاق روح الضحية عكس ماورد في التعليل المشار اليه أعلاه يكون القرار المطعون فيه وهو يتبنى علل وأسباب القرار الجنائي الابتدائي على علاتها ويوردها صراحة في أسبابه وحيثياته قد جاء معللا تعليلا ناقصا ينزل منزلة انعدام التعليل الامر الذي يعرضه للنقض والابطال . وتطبيقا للمادة 553 من قانون المسطرة الجنائية . قضى بنقض وابطال القرار . الاسماء الواردة في هذه القضية مفترضة وكل تطابق في شأنها على أشخاص ما يكون من قبيل المصادفة