عرفت مدينة القصر الكبير تنظيم الأيام الثقافية والمسرحية الثانية من طرف المركز الثقافي البلدي، بشراكة مع جمعية البحث التاريخي والاجتماعي، وجمعية فضاء الطالب للثقافة والتكوين، وجمعية المسار للتنمية والفنون البصرية ، وجمعية القصر نت للإعلام الالكتروني،، وهكذا كان للمثقفين موعد مع حفل تكريم الشاعر القصري القدير الأستاذ مصطفى الشريف الطريبق، من خلال شهادات ، وقراءات شعرية، ومعزوفات على آلةالعود للمبدع عبد العزيز البقالي. ومن خلال شهادات دالة لمؤثرين فاعلين: جمعويا، ثقافيا، فكريا، سواء على الصعيد المحلي والوطني استمع الحاضرون لخمس منها: أولها للأستاذ الباحث محمد العربي العسري صاحب كتاب" أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث" ومن مؤسسي جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالمدينة حيث قال :" يغمرني، في هذه اللحظات فيض من الابتهاج، وأنا أنوب عن إخواني في جمعية البحث التاريخي والاجتماعي، لكي أساهم في هذا الاحتفاء المخصص لأحد الأعضاء المؤسسين لجمعيتنا، وأحد مثقفي هذه المدينة،والمنظم من قبل المركز الثقافي بمدينة القصر الكبير . ومثل هذه المناسبة تعتبر فرصة طيبة، نستحضر من خلالها بعض الأسماء الفاعلة في الحقل الثقافي، والتي ساهمت في خلق مثل هذا الإشعاع الذي امتد نوره إلى أكثر من جهة. والصديق الشريف الشاعر مصطفى الطريبق من هذه الأسماء اللامعة القوية والتي لا يخفى أثرها على كل متتبع للشأن الثقافي بهذه المدينة . إن مجرد التفكير في إقامة مثل هذا الاحتفال الرمزي، هو اعتراف بالقيمة المضافة التي يمثلها المحتفى به، فنحن، سكان هذه المدينة، ومثقفيها على وجه الخصوص ندين له بالشيء الكثير، ولعله الأجدر بهذه الالتفاتة قبل غيره، فلقد ناب عنا أكثر من مرة في التعريف والإشادة برجالات هذه المدينة المعاصرين، متجاوبا دوما وبعمق، مع المدينة مع ما كان يحل بها من أفراح وأتراح، وسجله حافل بالمآثر في هذا المجال، وعديدة هي المرات التي وقف فيها ليؤبن أو يرثي بعض الذين اختارهم الله إلى جواره، يفعل ذلك طوعا وبأريحية وبدافع المحبة الخالصة والاعتراف بذوي الفضل، كما أنه لم يكن يتوانى أو يتقاعس عن المساهمة في حفلات التكريم التي كانت تقيمها بعض المؤسسات لفئة من عناصرها عندما يحالون على المعاش، وما ينشد ويقال في مثل هذه المناسبات وهو ما يعرف بأدب الاخوانيات . ولعله في هذا إنما يستجيب لنداء أبي الطيب المتنبي الذي قال ذات يوم: لا خيل عندك تهديها ولا مال*** فليسعف النطق إن لم يسعف الحال" إلى إن يقول : ومن المؤكد أن تاريخ الأدب المغربي، حينما سيقدر له أن يكتب كتابة علمية موضوعية، فإن اسم الشاعر مصطفى الطريبق سيحتل الصدارة ضمن الشعراء العموديين والذين يمثلون مدرسة لها مقوماتها الأصيلة وعناصرها التي لا تبلى وهو من القلة القليلة التي تشبعت بهذا الاتجاه ودافعت عنه. والشهادة الثانية كانت للشاعرالطيب المحمدي حيث أشار إلى ثلاثية تميز الرجل: أولها هذا النبع الفياض من المشاعر التي ساعد تنوعها في تدفقها وانسيابها ووفرة التعبير عن الحالة الوجدانية الواحدة . وثانيتها الشجاعة في بسط الرأي والدفاع دونه،، الأمر هنا إذن تميز آخر فيه دلالة واضحة على قوة الإيمان بقضية من القضايا ومؤشر على صدق النية والإخلاص للموقف. أما التميز الثالث فهو هذه العاطفة النبيلة التي تعانق ألام الناس وجراحهم حسب تعبير الأستاذ أبو الخير الناصري وهو تميز لا يتسع نطاقه إلا لمن اطلع على قضايا المجتمع وعايشها فأبهجه ما أبهج الناس، وآلمه ما ألمهم ، وحقيقة لمست هذا الجانب المرهف في حسه وهنا القياس جار فما رأيته قط يرثي بقصيدة أحدا إلا وسبق الدمع لسانه وتشبع صوته بغنة حزنه ،حتى يكونا معا عنوان عاطفة صقلها نبل النفس، وعفاف المشاعرفصدق تعبيرا وبيانا . الشهادة الثالثة كانت للأستاذ عمر الديوري وفيها كشف عن ذاك الاهتمام بقضايا مدينة شاعرنا الكبير مصطفى الطريبق سواء كانت اجتماعية أو عمرانية أو تاريخية ، فكان ينبش في المسكوت عنه ...وقد تعرض غير ما مرة لمساءلات من أصحاب القرار عما كان يكتبه في مراسلاته ومقالاته ، لكنه لم يكن ترهبه تلك الممارسات ، لان مصلحة الساكنة والمدينة كانت عنده فوق كل اعتبار . اهتمامه بالمقالة والبحث التاريخي لم يكن عنده اقل من اهتمامه بالقصيدة والقريض، فالشعر عنده شعور وإحساس ، فقد اهتم في قصائده المتنوعة بالجانب الديني والوطني والقومي والاجتماعي ، قصائده متنوعة المشارب ، وقد جمع بعضها في ديوانين الأول صدر سنة 2001 ويحمل عنوان ( إعدام البراءة ) والثاني سنة 2008 ويحمل عنوان ( سنابل وأعاصير) ، وقد وضع لغلاف ديوانه الأول شكل صخرة قبة القدس وبجانبه صورة الفلسطيني الذي قتل الصهاينة ابنه أمامه وهو يستنجد . ومن جملة ما كشف عنه الأستاذ عمر الديوري أن الشاعر مصطفى الطريبق بعث بنسخ من ديوانه ( إعدام البراءة ) إلى سفارة دولة فلسطين بالرباط ، حيث استحسن المسؤولون والعاملون بالسفارة هذا الإصدار الإبداعي الذي ينم عن روح قومية وعربية متدفقة ، وقد كلفه – حينها – سفير دولة فلسطين بالمغرب – آنذاك- السيد أبو مروان بأن يبلغ شاعرنا اصدق عبارات عواطف النبل والأخوة على فعله المتميز هذا . وعن القدرة الإبداعية للمحتفى به يقول الأستاذ عمر الديوري :" لمست قدرة الشاعر الإبداعية على صياغة الوصف ومكملاته بكل إحساس ودقة ، فكأني برسام محترف داخل محرابه ينهمك في إبداعه يمزج الألوان، ويستعين بالريشة ليخرج لوحته الزيتية في شكلها النهائي ، لكني أرى أن الرسام يستطيع أن يمزج من الألوان ما يسمح له باختيار الشكل والفكرة ،وهي أمور ملموسة لديه ، الغاية منها إمتاع البصر بتجليات عمله التشكيلي ، لكن شاعرنا يرسم لك تلك الملامح بالحرف والكلمة والوزن والقافية ليمتع مسامعك حين الإنصات. .وهذي لعمري منتهى الإبداع . شهادة رابعة للشاعرة الأستاذة أمل الطريبق وفيها أشارت إلى أن المعروف عن الأستاذ مصطفى الطريبق أنه غيور على اللغة العربية، ينتفض عند سماعه لخطايا لحن أو عي فأيا كان المتحدث ولو كان صديقا أو قريبا لا يهمه إحراجه في مجمع أو إغضابه ، بقدر ما يهمه الحفاظ عل قواعد اللغة العربية وعلى مقوماتها الفنية والجمالية، فالحديث عن مصطفى الطريبق حديث يتشعب ويدعو إلى الإفاضة والإطالة لأنه متعدد المواهب المسالك ،فكل مسلك يحتاج إلى حديث خاص . وكانت فرصة سانحة لتعلن الأستاذة أمل أن للأستاذ الشاعر كتاب دفع للطبع تحت عنوان معركة استرجاع مدينة العرائش في عهد المولى إسماعيل سنة 1101 هجري موافق 1689 م وله كتاب متميز موسوم بشعراء القصر في معركة النصر، وفيه ذكر لصفوة من شعراء المدينة منهم الشاعر حسن الطريبق ،محمد الخمار الكنوني، محمد الخباز، احمد قدامة ، واحمد السفياني . آخر شهادة في هذه الأمسية الاحتفائية كانت للحقوقي والإعلامي الأستاذ عبدالقادر أحمد بن قدور وفيها قال:" كنت أنتظر - منذ مدة - خلت ،من الجمعيات أن تكرم متحدة الشاعر مصطفى الشريف الطريبق،وإعطائه حقه ،لكن للأسف الشديد لم يحث ذلك. إن المبدع مصطفى الطريبق علامة كبيرة في البحث والتاريخ والشعر والقصة والدراسات اللغوية والأدبية النبيهة والمتدفقة . يأتي هذا التكريم الهام والدال في فترة تاريخية مغربية عربية حديثة والتي تعد علامة بارزة للمركز الثقافي البلدي والتنسيقية الثقافية بهذا الإقليم الفتي،، والتحول الثقافي الكبير حيث بدأت المؤسسات الثقافية والمثقفين يلتفون أكثر، ويعتنون بالثقافة والمثقفين. انه علامة بارزة من النضج في الكتابة القصصية ،والبحوث الأدبية والتاريخية ،والموهبة الشعرية الخلاقة بشعر متين وواضح وشفاف يقطر بجمر الوطنية وحب هذا الوطن بعشق كبير، لمواطنيه، وأناسه الكادحين والضعفاء والفقراء ...يعبر عن ذلك بصدق كبير وبالتفاتة خلاقة ومتطورة ومؤثرة وبإحساس عميق ،ودراية بالعمق النفسي والمجتمعي الذي يختلط بكل فئاته، ويحتوي مشاعر الناس وقضاياهم ويعبر عنها بكل جرأة وشجاعة نادرة ،وذلك على فترة زمنية طويلة ومتواصلة، فهو ذو قيمة إنسانية فريدة وعميقة لها دلالات خصبة ورفيعة . ولابد في الأخير أن أشير إلى انه بمناسبة ذكرى استشهاد الشهيد المرحوم والمناضل الكبير عمر بن جلون صدر عن منشورات "جريدة الاتحاد الاشتراكي" كتاب بعنوان "شهادة الإبداع في لحظة الاستشهاد"، ومن جملة الشعراء الذين أدلوا بقصائدهم في حق الشهيد عمر ، الشاعر مصطفى الطريبق من خلال قصيدة بعنوان " واحسرتاه" اذكر منها بعض الأبيات: إن رأيت الأفق جهما موحشا ****ورأيت الظلم مرفوع لواه ورأيت الأفق جهما موحشا **** ورأيت الجهل قد طال لقاه فتيقن أن ما يتبعه **** وهج نور يحمل السعد ضياه فإذا العيش تآخ وانتصاف **** وإذا الشعب سعيد بمناه يا أخ البذل على درب الفدى **** يا مثال الصبر في أوج علاه هذا وأشير إلى شهادة أساسية وهامة ودالة في حق المبدع مصطفى الطريبق من طرف المناضل الفذ الزعيم الكبير الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في رده عليه لما أهدى له ديوانه (سنابل وأعاصير) قال في رسالة موجهة له منه " الأستاذ الشاعر الموفق مرحبا ب(سنابل وأعاصير) وهي مناسبة لأشيد بإبداعكم وباعتزاز أهل الشمال بشاعرهم العزيز.