سوف لن نتحدث عن التدبير المفوض للمرافق العامة بوجه عام أو باقي تفاصيله الواردة في القانون رقم 54.05، فتلك أمور يعرفها القاصي والداني وبلمسة زر أو تصفح للمناشير والجرائد الرسمية، بل سنكتفي بالحديث عن قطاع النظافة بعد أن وفد هذا الجديد وأصبحت المدن كبيرها وصغيرها تسعى لمنحه دواليب تسيير مرفق تقليدي شكل لفترة طويلة تدخلا أصيلا وتقليديا للجماعات الترابية، غير أن ما أصبح يفرضه الوجه الجديد للمدينة العصرية وما اعترى وضعية النظافة بها من تردي ، جعلها تبحث عن فاعل مهني يقيها هذا الصداع الأزلي ويتكلف بدل مصالحها بجمع النفايات وتنظيف الطرق العامة وإزاحة البلاء عنها، وفي كل هذا ، أين يوجد المواطن المنتج لهذه الثروة العادمة المرمية هنا وهناك، والذي بين عشية وضحاها أجبر على التنظم، والتفاعل مع محيطه وفاعله الجديد، وبضربة معلم من طرف مدبري شأنه، وجد نفسه وجها لوجه مع آليات تفريغ وأوعية موحدة اللون وشاحنات غريبة من جيل جديد تحمل لوغوتيب لم يعهده وعنوان ورقم هاتف حتى، وأعوان بألبسة واقية خاصة يفترض، تخدمه وتقطع حميميته بشكل حرفي، وتكفيه منغصات فضائه ومناطقه السوداء، وتنسيه قطرات المرق السائلة من بيكوات مهترئة ملوثة ومدخنة … غير أن المواطن بحسه وحدسه، يعرف أن الخدمة ليست لوجه الله، بل لا بد وأن الأمر جلل والغلاف سمين، وإلا من أين أتت هذه المهنية وهذه الحداكة كلها تبارك الله ؟ كيف تسير هذه الأمور في وجهها الخفي ؟ وما تتضمنه الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن ؟ وما هي بنودها الظاهرة والخفية ؟ وما معيار الربح والخسارة في تدبير نفاياتنا ؟ وكنانيش التحملات هذه، هل من سبيل لنشرها وتفكيك مضمناتها، حتى نعرف من هو هذا المفوض له، والظاهر والخفي في التزاماته وحقوقه، حقوقنا، وما هي الضمانات الممنوحة لمدبرينا حتى تخلوا بضمير مرتاح عن مرفق مدر للدخل، لو تم التعامل معه بمنطق العصر وأبدعت وحداتنا الترابية شركاتها الخاصة لذلك، قبل أن يأتي النصارى وبنو جلدتنا من اللبنانيين ليحسنوا بنا ويجمعوا بلاءنا من طرقنا وفضاءاتنا العامة، ومن خلفنا وتحت أرجلنا ؟ ما هي الكلفة أو بالأحرى المبلغ الجزافي اليومي الذي نؤديه لأجل ذلك ؟ وما هي الجزاءات التي نملك تطبيقها على هذا الوافد متى تجبر وتحدى وتقاعس عن مهمته أو زنزنت في رأسه و تركنا هكذا بعد أن شبع فلوسا ؟ ثم آلياتنا وحديدنا العتيق والمتآكل الذي تخلينا عليه، وأعواننا وزبالينا الطيبين الذين ألحقناهم ظاهريا بالشركة، ونحن لا زلنا نؤدي أجورهم، هل كل هذا لوجه الله، أم ثمة صيغ تعوضنا وتمنحنا مقابل هذا الكرم الحاتمي المتبدي، تلكم سلسلة من الأسئلة المشروعة التي لاشك تدور في خلد الساكنة القصرية كما في العديد من المدن كل صباح، سنحاول الإجابة عنها من خلال قراءة مبسطة وسريعة في بعض الوثائق المرتبطة بالتدبير المفوض لقطاع النظافة بوجه عام، وهي لا تخرج في الغالب عن اتفاقيات مبرمة في هذا الإطار بين البلديات وشركات النظافة، يشكل كناش التحملات وباقي الملحقات جزء لا يتجزأ منها … إنما و مادام الشيء بالشيء يذكر، فأساس هذا الحديث يجعل كلمة أزبال ونفايات تتردد في مقالي بشكل متكرر وللضرورة، فأعزكم الله، ونبدأ بقانون28.00 الخاص بتدبير النفايات والأزبال وما في حكمها، حيث إن تعريف هذه المواد يكتسي أهمية خاصة في الاتفاقيات المبرمة ويحدد بشكل خاص مجال تدخل الشركة المفوض لها، فهي ملزمة بحكم القانون وكناش التحملات المصادق عليه بالتعامل مع : النفايات المنزلية من بقايا أغذية وشظايا زجاج أو بلاستيك وأتربة ناتجة عن تشطيب ومخلفات موضوعة في حاويات فردية أو جماعية موضوعة أمام المباني والعمارات، والنفايات الشبيهة المتأتية من المؤسسات الصناعية والتجارية والمكاتب والإدارات والفضاءات والحدائق العامة والخاصة الموضوعة في حاويات ، الأزبال الناتجة عن تنظيف الطرق العامة والمنتزهات والمقابر، مخلفات المعارض والأسواق وأماكن الاحتفالات العامة المجمعة بغرض الإزاحة أو الإزالة، النفايات الخضراء الناتجة عن تقليم الشجر والتحوطات وأماكن العشب الموضوعة في حاويات أو على شكل حزمات لا تتعدى المتر حيث يسهل التعامل معها من طرف العمال، النفايات المتخلى عنها في الشارع العام وأركان الأحياء وكذا جثت الحيوانات، مع الإشارة إلى أن بعض النفايات الكبيرة والمعيقة التي لا تتسع في شاحنات جمع الأزبال، من المفروض أن تتعامل معها الشركة في إطار عمليات خاصة حيث تحتسب بالمتر المكعب ووفقا للإتفاق المبرم مع الجهة المفوضة، ولا تدخل في هذا الإطار نفايات من قبيل ما يسمى بالنفايات الجامدة من ردم وحفريات وأنقاض أو مخلفات أتربة كبيرة مترتبة عن أوراش أشغال عمومية أو خاصة، ولا النفايات الطبية والصيدلانية المتأتية من مستشفيات ومصحات لطابعها الخطير أو القابل للإشتعال أو السام والخطير على صحة الأفراد والجماعات، وهو تحديد ليس على سبيل الحصر، كفيل بأن يعطي المواطن صورة واضحة إلى حد ما عن مجال تدخل الشركة، والاتصال بها عبر هاتفها أو مكتبها مباشرة للتعامل مع ما يعكر صفو بيئته، والتدبير يسند للمفوض له أي شركة النظافة بناء على طلب عروض مفتوح كما ينص على ذلك الفصل 5 من القانون السابق الذكر، أو عن طريق الاتفاق المباشر في حالات استثنائية يحددها القانون، والحديث عن الاتفاقية، يجرنا أولا للحديث عن مدتها، وهي عادة 7 سنوات قابلة للتجديد، لا تصبح نافذة إلا بعد مصادقة وزارة الداخلية في شخص الوالي مدير الجماعات المحلية، وبعد عشرة أيام من تبليغ الشركة بمصادقة الجهة الوصية، حيث يجتمع الطرفان لوضع المخطط النهائي للخدمة والتداول في التزامات كل طرف وواقع حال الأعوان والآليات، وبعد مرحلة انتقالية لا تتعدى 3 أشهر، تتوكل الشركة على الله والثناء على محمد صلوات الله عليه وسلم أو اليسوع عيسى عليه السلام بحسب مجالسها الإدارية، والتي هي في الغالب من الفرنسيين والإسبان أو بعض اللبنانيين ممن سبقونا لهذا الميدان، بعد أن يكونوا قد تسلحوا ببوليصات التأمين عن المخاطر للأشخاص والعتاد والمسئولية المدنية التي يفرضها أي إخلال مهني خلال مزاولة مهمته خلال سنوات العقدة، ويتعين على الشركة تقديم نظامها الأساسي الخاص بالأعوان والأطر ودليل الإجراءات والوظائف وهيكلها التنظيمي وكل ما يسهل عملية المراقبة على الجهة المفوضة، إلى جانب أسطولها من العتاد ومواردها من البشر وبيان استثمارها المالي خلال سنوات العقدة، ويعد دور شركة النظافة مزدوج، فهناك جمع النفايات السابق ذكرها، وهناك عملية التنظيف، وتشمل مجموع المدار المحدد في التصاميم المرفقة بالإتفاقية وبالوتيرة المتفق عليها ، وبشكل خاص التشطيب اليدوي للأرصفة والمزاريب والتعشيب اليدوي أو الكيميائي لجنبات الطريق والمجاري في الفترة ما بين 1 أبريل و 30 يونيو، وتنظيف الأوعية والحاويات، جمع مخلفات الحيوانات وتنظيف الأمكنة مباشرة ونقل ما علق بها للمطرح العمومي، تنظيف أمكنة الحفلات الثقافية والفنية والرياضية وخلال التدشينات بمجرد انفضاض الجمهور ومباشرة مهما كان اليوم أو الساعة، تنظيف مجاري المياه وإفراغها تحسبا للفيضانات، إزالة الكرافيتي والكتابات المخلة بالأخلاق العامة من المنقولات والجدار الخارجية للبنايات وتنظيف الأمكنة، إزالة الطين والوحل من الأرصفة وجنبات الطريق خلال موسم الأمطار وكذا إخلائها من الأوراق الميتة تجنبا لتسربها نحو المجاري والبالوعات، وأن تدخلها يكتسي طابعا إجباريا وعلى وجه السرعة متى تطلبت ذلك مصلحة وأمن الأشخاص والممتلكات، وتعتبر الشركة مسئولة عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بشبكة الصرف الصحي وواجهات المنازل والأرصفة والفضاءات الواقعة بين المساكن في مخلف الأحياء والناتجة عن تدخل آلياتها وسواق شاحناتها، وعادة عملية التنظيف وتردداتها في الزمان والمكان يتم ترتيبها مع المصالح التقنية للجهة المفوضة ولا تخرج عن الفترة الممتدة من الساعة 6 صباحا والساعة 14 زوالا، ما عدا الأسواق حيث يتم ذلك عادة ساعتان بعد انصراف التجار والمتسوقين، وبناء على الاتفاقية المبرمة، فإن الشركة ملزمة داخل مدة 3 أشهر بالقضاء على جميع البؤر والمناطق السوداء في المدينة تحت طائلة الجزاء المادي الذي سنفصله لاحقا مع ما يتطلب منها ذلك من مضاعفة الأعوان والعتاد، وتلزم الجهة المفوضة بتسهيل مهمة الشركة المفوض لها وتمكينها من التصاميم والخرائط وتسهيل مهمتها في تطبيق مقتضيات الاتفاقية عن طريق أوامر خدمة ولا يعتد بالمخاطبات الشفوية، مع احتفاظه بحق المراقبة من قبل لجنة للمتابعة وهيئات أخرى يعينها الجانب المفوض، وتنصب المراقبة على الوثائق التي تتوصل بها الجهة المفوضة من محاضر وبيانات مكتوبة عبر الفاكس أو البريد الإلكتروني، كما تكون المراقبة على الأرض، ويتعين على الشركة، لهذا الغرض، مسك سجل لملاحظات الساكنة وشكاياتها، وتتكون ممتلكات الشركة من ممتلكات خاصة وممتلكات تسلمها لها البلدية، أو ما يعرف ب Biens de retour et biens de reprise يتم تقويمها والاتفاق على صيغة أدائها بين الطرفين، فبالنسبة للعتاد الممنوح، تؤديه الشركة عادة مقسطا على 3 سنوات بحيث ينزل ويحتسب في كشوف الأداء وتوضع واجبات تأمينها على كاهل المفوض له، مع إضافة 12 في المائة للقيمة المتبقية للعتاد la valeur résiduelle لفائدة الجهة المقرضة وهي عادة الشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك بالنسبة للكثير من البلديات، و يوضع بعض أعوان البلدية رهن إشارة الشركة لمدة يتم الاتفاق عليها قبل إدماجهم نهائيا، بحيث يستمرون في تلقي أجورهم من الجهة المفوضة على أن تتكلف الشركة بمنحهم تعويضا مكملا لا يتجاوز في الغالب 600 درهم لكل عون، وهي وضعية شادة إذا عرفنا أن مستوى أجور أطر الشركة وأعوانها يعتبر مرتفعا بالمقارنة، يتراوح ما بين 40000 درهم لمدير تقني و 12000 درهم للمسئول عن البارك أو الحضيرة، ونخلص إلى بيت القصيد، وهي كلفة عقدة التدبير المفوض، وبكم يؤديها المواطن ؟ وكيف تحتسب ؟ وما هو المبلغ الجزافي اليومي الذي تأخذه الشركة ؟ وكيف تعد قائمة الأثمان – وتجزيئها التقديري ؟ وكيف تسترد البلدية مقابل أعوانها وعتادها الموضوعين رهن إشارة الشركة ؟ وماذا تربح الدولة من هذه البيعة الشارية على مستوى الضريبة على القيمة المضافة ؟ ثم ما نصيب البلدية من الكعكة التي لا تقل عادة عن 7 ملايين درهم بالنسبة لمدن متوسطة من حجم القصر الكبير؟ وما هي الجزاءات التي تفرضها البلدية نقدا على الشركة وأين يتم تنزيلها إن كانت تنزل أصلا وبالشفافية المطلوبة ؟ ذلك ما سيكون بالتفصيل في الجزء الثاني من هذا الموضوع. فموعدكم مع التشويق …