الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله الأطهار وكافة المرسلين وعباده الصالحين السعيد من عبادك من نظرت اليه يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين تقدست وتباركت وتعاليت وأنت القريب القريب من أولياءك وأحبابك أهل العرفان وبصراء العلم لهم معرفة بكمال رحمة الله ، فصفات الرحمة من انعام المنعم على خلقه الذي تعرف على خلقه بتعرفاته ، ولولا أن تعرف عليهم بصفات انعامه ما عرفوه ، وهو سبحانه الذي تعرف على كل شيء خلقه بعلمه وتدبيره فما جهله شيء وسعته رحمته وعلمه ، ولقد سألت الولية الصالحة رابعة أحبابها يوما سؤالا عميقا وقالت : من يدلنا على حبيبنا ؟ فأجيبها بوركت يا رابعة فانه الحبيب الذي لا يعدله حبيب الذي يتذلل له المتذللون ويتضرع له المتضرعون من عباده وهو الذي تبارك اسمه ، واذا رأيتم العبد يكثر من ذكر ربه فذلك من حبه لربه والله أذن له في ذلك ولم يحجبه عنه وأن هذه المعرفة قدرها عزيز عند الله يلهمها أولياؤه فانظروا الى الكافر فهو عبد أعمى أبى أن يعرف ربه ولا يستسيغ علما ولا يرى قربا لأنه يرى الأشياء بماديتها ، وبصيرته عمياء لا روح فيها ، ولا يرى الا ظاهرا من الحياة الدنيا ، ولا يذكره عبد من عباد الله في نفسه الا ذكره في ملأ من ملائكته ولا يذكره في ملأ الا ذكره في الرفيق الأعلى ، وانما الأشياء برحمة الله يا رابعة فهو قرة العيون ومنية المشتاقين وهو الذي يشوق أحبابه اليه وهو منتهى سرائر القلوب اليه تتحرك الأشواق منعمة بذكره ولا تمل حلاوة ذكره ألسنة الخاشعين ولا تكل من الرغبات مدامع المحبين فتحننه أيقظ أشواقهم لمحبته وهو الذي يقيمهم بصدق المحبة بين يديه ويلبسهم كسوة من صفات رحمته بعطفه وحنانه فتجلت فيهم معاني الحق بخلة الأحباب فان كنت من تهوى عزيزا فتذلل تكسب عزة ، فكم عزة نالها العبد من الذل ومن يرحم الذليل يا رابعة الا العزيز ، فمن رحمته أن ألبس عبده كسوة من صفات رحمته وحنانه فجعله رحمة للمنقطعين وشفاء لمرضى المحبين وجعله مطهرا اذ قدسه في بحر جلاله بزلال وصاله عن غبار الامتحان وحرزا للعصيان ويجعله تقيا معرضا عن غيره مقبلا عليه بنعت الشوق الشديد الممزوج بلهفة الحنين الذي يوجب له الانبساط والدلال ، وأدنى مراتب المحبة هي حب الصورة أو الجسد بينما الحب الغامر الهامس في القلوب هي المحبة المعرفية فالشوق تذكار للقلوب ومن صدق ظفر بمواهب الحق له بالمنن وعلامتها كشف الغطاء واحياء القلب وتحقيق المحبة . والمستغرق هو في شهود وغبطة بالموجود الواجب ولا حال بين العبد والمعبود الا الفرح بالموجود الواجب والحزن على الجائز المفقود ، وكلما غلب المعنى على الحسي كان العبد أقرب الى الوصول ، فالله تعالى أمد عبده بمواهب ليعرف أنه الله ، والعلم كل العلم أنه الله وهو الواجب وغيره الجائز ، فكيف يستدل عليه بما هو في وجوده مفتقر اليه ، أيكون لغيره من الظهور ما ليس له عميت عين لا تراه رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبه نصيبا ولم ينهل من روحه ورحمته ، وأي ران على القلوب مع ظهور أنواره .