لمدينة أكادير نكهتها الخاصة التي تجعل العديد من المثقفين يحبدون زيارتها على امتداد فصول السنة، وأكادير تميزت هذه الأيام بملتقى ثقافي أعادها إلى الواجهة من الموقع الثقافي بدل صورتها السياحية النمطية، ولعل رهان فرسان رابطة أدباء الجنوب على الثقافة بوصفها الأداة الأنسب للاحتفاء بالمكان وبالقيم الإنسانية أثره في نجاح ملتقى أدباء الجنوب في نسخته الأولى، فقد عرفت قاعة محمد جمال الدرة بمدينة أكادير فعاليات هذا الملتقى الأول وذلك يوم السبت 08 يناير 2011. وتميز هذا اليوم بالعديد من الفقرات الثقافية والفنية. وكانت بداية الحفل الصباحي مع كلمة القاص والروائي عبد العزيز الراشدي رئيس رابطة أدباء الجنوب الذي أكد على أهمية هذا الفعل الثقافي من خلال الاحتفاء بالشعر والقصة القصيرة لأنه احتفاء بالأدب المغربي واعتراف بالمكانة المرموقة التي يحتلها في المشهد الثقافي العربي.وهي مناسبة في الوقت نفسه لربط الجسور بين جغرافيات مختلفة وأنماط تعبيرية متعددة الأشكال واللسان يوحدها أرض الإبداع. ومناسبة للإعتراف بالعطاء العلمي والثقافي للمثقفين المغاربة. 1 - سحر الكلام. الجلسات الشعرية الصباحية أدارتها الإعلامية فتيحة المودن، وكان مفتتح هذه الفسحة الإبداعية مع الشاعر عبد اللطيف الوراري الذي حملنا عبر قصيدته نحو المعجم الشعري الصافي،المرتبط بقوة المفردة الشعرية الموحية والحس التعبيري الممزوج بطاقة بلاغية وإيقاعية.وبتمثلات الصورة الشعرية دلاليا وجماليا. وأظهرت قصيدة نادية القاسمي رغبة الصوت النسوي في اكتشاف أرخبيلات الشعرعلى تخوم الشكوى والحنين. وفي الوقت نفسه فقد شيدت قصيدة الشاعر مصطفى الطوبي مسكنها الخاص بالإعتماد على أنسنة الواقع وكشفه عبر متواليات إيقاعية. أما الشاعر حسن مددي فقد ظل وفيا لقوة الصورة الشعرية وقدرتها على البوح ومد جسور التواصل بينها وبين المتلقي. ولم تكن قصائد الشاعر عبد الهادي الروضي منشغلة بالسواد الذي عملت على تبديده عبر الإنزياحات والإستعارات القوية، بقدر ما كانت منشغلة برصد الأحاسيس الإنسانية للكائن الشعري الحالم بأنوار الإبداع الأصيل. وقدم عبد السلام دخان قصيدته الجديدة استمرارا لرؤيته الشعرية المزاوجة بين الفكر والشعريات المفتوحة. وشكلت قصيدة محمد العناز المفعمة بالنثريات المعاصرة مناسبة للإقتراب من التجربة الشعرية لشعراء الألفية الجديدة . وحملت تجارب الشعراء فضيل رضوان وعبد الله مناني ومبارك بولكيد والشاعرة خديجة المسعودي إشراقة البوح الشعري الدفوق الذي اتخد من الشعر العمودي والشعر الحر والشعر المنثور أو قصيدة النثر مجالا للتجلي على نحو جمالي. 2- بساط القصة القصيرة . خصصت الجلسة المسائية لجنس القصة القصيرة. وقد مهد الفاعل التربوي والجمعوي الأستاذ عبد الرحيم أوخراز لهذه الفسحة القصصية بفرش هام حول مكانة القصة القصيرة بالمغرب ومنعطفاتها الأساسية، ليقدم المجموعات المشاركة في الأمسية القصصية واختار عن عمد وسبق إصرار تقسيم المشاركين إلى مجموعات كل مجموعة يوحدها مشترك موضوعاتي أو جمالي، فكانت البداية مع المجموعة الأولى التي تشكلت من عبد السميع بنصابر، محمد كروم، محمد بوشيخة، محمد بنعزيز،ومصطفى أدمين. وهي تشترك حسب الأستاذ عبد الرحيم أوكان في وصفها الدقيق للواقع ولتفاصيل الحياة المتعددة الألوان والإتجاهات. أما المجموعة الثانية المكونة من عبد العزيز الراشدي، عائشة بورجيلة، عبد اللطيف النيلة، عماد الورداني ، لحسن باكور. فتشترك في رصدها للجوانب الحميمية للذات المبدعة في علاقاتها وترابطاتها بالذات وبالعالم.المجموعة الثالثة تكونت من:نادية جلولي، فتيحة المودن، سميرة الورديغي، مونية العرفاوي، ميمون أم العيد، ياسين بولعاقل. وهي مجموعة تولي للمكان المرجعي وللأفق أهمية خاصة واللغة القصصية لديها تضطلع بمهمة الوصف الدقيق لهذا الأفق الذي يزاوج بين الترقب، وبين الحلم مع الإنفتاح على تقنيات تعبيرية متعددة مثل المسرح. وحملت المجموعة الرابعة المكونة من إدريس الجلماطي يوسف البورقادي، شكيب أريج، محمد بقوح ،عادل أوتنين. اهتمام القصاصين بالمنسي والمقصي في الحياة اليومية. أما المجموعة الأخيرة والتي تشكلت من وئام مددي، خديجة كربوب ، عبد الوهاب سمكان، غزلان الهمومي، إدريس خالي فتميزت برصدها لقضايا المجتمع، واللحظات الآنية والنهايات المفجعة. 3- لحظة احترام ووفاء . من أقوى اللحظات التي ميزت هذه الأمسية القصصية، وصول القاص عادل أوتنين إلى المنصة وسط ترحيب كبير من قبل مسير الجلسة الأستاذ عبد الرحيم أوخراز والجمهور الذي وقف ليحيي هذا المبدع الذي لم تمنعه إعاقته من استكمال دراساته العليا بجامعة محمد بن عبد الله بفاس وتحضير رسالة الدكتوراه. وقد تكفل القاص الوديع شكيب أريج في لمسة إنسانية بقراءة نص عادل أوتنين الذي قدم للحضور رؤية سردية غير مألوفة، رؤية تلامس قلقه وطبيعة علاقته بالآخر. 4- أدباء الشمال في ضيافة الرابطة. شكل حضور كل من الشاعرين عبد السلام دخان ومحمد العناز والقاص عماد الورداني فرصة لجمهور أكادير للإقتراب من تجارب إبداعبية لها مرجعياتها الفنية والجمالية التي جعلتها موسومة بالهوية المتوسطية، وهو مايبرر هوس محمد العناز بالأشكال البصرية، وانشغال عبد السلام دخان بالإبستيمي الحداثي، وحرص عماد الورداني على تحقيق متعة السرد عبر المحكي الدقيق المنشغل بالتفاصيل والأحاسيس الإنسانية عبر مرايا الذات والآخر. 5 احتفاء بالسيرة والعطاء . وسط حضور كبير للأدباء والمهتمين بالثقافة ، والطلبة المنتمين لجامعة ابن زهر جرت أشغال الجلسة الاحتفالية بعطاء الدكتور عبد النبي ذاكر وقد أدار أشغال هذه الجلسة الأستاذ عبد الرحيم أوخراز الذي مهد للقاء بنبدةمن سيرة العطاء لصاحب عتبات الكتابة، العين الساخرة، صورة أمريكا في متخيل الرحالين العرب، قضايا ترجمة القرآن، ما الأقصوصة؟، مدارات الترجمة، الواقعي والمتخيل في الرحلة الأوروبية إلى المغرب...وحملت شهادة الناقد والمترجم عبد السلام فيزازي جوانب من حياة عبد النبي ذاكر الحافة بالعطاء العلمي في مختلف فروع المعرفة وهو ما تؤكده- على حد تعبير عبد السلام فيزازي- كثرت الدراسات المنشورة في منابر عربية مختلفة . وعبر في الوقت نفسه المسرحي عبد القادر اعبابو عن انشغال المحتفى به بالكتابة المسرحية وبالعمل الجمعوي من خلال فرع اتحاد كتاب المغرب بأكادير، وحرصه على متابعة المشهد الثقافي بمدينة الإنبعات رغم كثرت انشغالاته الأكاديمية. وأصر عبد النبي ذاكر وهو يتسلم هدية رابطة أدباء الجنوب من قبل عضو المكتب الإداري للرابطة الناقد عبد الرحمان التمارة، على أن يقدم نفس الهدية للمرأة التي تستحقها وهي الأم، المرأة العظيمة التي كرست نفسها من أجل سعادة ابنها عبد النبي ذاكر فكانت هذه اللحظة المفعة بالأحاسيس الصادقة رسالة حب اتجاه الأم المغربية المناضلة والصبورة رمز الشموخ والتحدي. *تصريحات على هامش الملتقى: أ.د:عبد النبي ذاكر: لقد تم تكريمي في مناسبات متعددة لكن تكريم اليوم من قبل رابطة أدباء الجنوب له نكهته الخاصة لأنني بجوار أسرتي وعائلتي التي تشاركني هذه الفرحة ،وبجوار أصدقائي وطلبتي. والإحتفاء بتجربتي هو انصاف للأدب المغربي الغني والمتميز في كل أشكاله وأنواعه. ذ:عبد العزيز الراشدي: الملتقى الأول لرابطة أدباءالجنوب بهذا اللقاء يكون قد أعطى انطلاقة فعلية لمسارثقافي سنعمل جاهدين على أن يكون مساهماً في الثقافة المغربية من باب الإضافة النوعية، ومعرفا بثقافة الجنوب التي تتميز بخصوصيات موضوعاتية وجمالية وفي الوقت نفسه فإننا حريصين على الإنفتاح على كل مكونات الثقافة المغربية" عربية أمازيغية وبكل الللغات"،وحريصين في الوقت نفسه على الإنفتاح على طل الطاقات الفكرية والإبداعية بالمغرب والعالم العربي. ذ:عبد الرحمان التمارة: نجاح الملتقى يبدد تعب شهور من أجل أن يمر هذا اللقاء في أحسن الشروط التنظيمة،ونعتقد أننا أنجزنا الخطوة الأولى لمشروع طموح يتوخى أولا الإهتمام بالثقافة المغربية في بعدها الإنساني والجمالي. ذ: عبد الرحيم أوخراز: يتأكد مرة أخرى أن مدينة الإنبعات هي مدينة الثقافة بامتياز،مدينة الشعراء والقصاصين والروائيين والتشكيليين، وأكادير ومعها مدينتي انزكان وأيت ملول تحفل بالطاقات الإبداعية في مختلف المجالات خاصة في المؤسسات التعليمية ،والرابطة اليوم تؤسس لفعل ثقافي جاد ومسؤول يحمل على عاتقه حلم المساهمة الفاعلة في خارطة الثقافة المغربية لأن الثقافة دعامة أساسية للتنمية المستدامة.