الصراع الشيعي-السني نموذجا بدل أن تَتَّحِدَ الأُمةُ وتجتمع قُوَّةً مَنِيعَةً ضد الأطماع والانتهاكات الصهيو-أمريكية في فلسطين والعراق وبلاد المسلمين في كل مكان؛ تأبى النزعات الصراعية المذهبية المُنْتِنَة إلا أن تستيقظ بعد غفوة، وليطفو على السطح من جديد الصراع المذهبي السني-الشيعي المقيت. وبعد أن اجتذبت الثورة الإيرانية الخمينية عام 1979 تعاطف المسلمين من كل المذاهب -بعيدا عن الخلافات العقدية- كونها أعلنت وتبنت موقف العداء للصهيونية وللاستعلاء الأمريكي مقابل التخاذلات المتوالية وخيانات الحكام والأنظمة العربية وقتئذ. حينها لاحت في الآفاق آمال نشوء دولة إسلامية قوية موحَّدة تتوخى التقريب بين المسلمين سنة وشيعة لرأب ما تَصَدَّع وجَمْعِ ما تَشَتَّت ولَمْلَمَةِ جسد الأمة المتناثر المتناحر. وتناسى "أبناء السنة" الصراعات التاريخية منذ الانكسارات الأولى أملا في غَدٍ لِلْوَحْدَةِ مُشْرِق؛ كما تناسوا آخر الحروب -الضارية- التي خاضها الصفيون الشيعة ضد الدولة العثمانية راعية أهل السنة، كما تناسوا سب الشيعة لأمهات المؤمنين وأبي بكر وعمر وعثمان والصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كما تناسوا شعارات ودعوات "تصدير الثورة" التي أعلنتها إيران صراحة، وليتضح من جديد أن أطماعَها مستمرة، وأن "التقيَّةَ الشيعيَّةَ" المُخادِعةَ حاضرةٌ بقوة، وأن لا مجال للثقة، ولا مجال للانخداع. وامتدت يَدُ التدخل الإيراني المباشر وغير المباشر -أمام أنظار الجميع- في كل من العراق -بسيطرة الشيعة على الحكم-، ولبنان من خلال حزب الله وسيطرته على الجنوب، وسوريا باصطفافه إلى جانب العلويين، ومحاولات اخرى في البحرين والدول المحادية على بحر الخليج. ولئن كانت الثورة السورية ودماء الشهداء الزكية قد كشفت من حقائق، فهي حقيقة "الأطماع الإيرانية" وحقيقة "استمرار الصراعات المذهبية" داخل الأمة. وأنَّ الإراداتِ لم تُوجَّه بعدُ نحو تقدم المسلمين علميا واقتصاديا، ولم توجه ضد العدو الصهيوني والأمريكي، وإنما نحو مزيد من الضعف والتخلف، ونحو تكريس الفرقة والتشرذم. كلمات مختصرة سريعة مقصرة في الكثير من التفاصيل، ممزوجة بحزن وأسى على واقع الأمة الأليم يكاد يبدد أمل الوحدة. لكن موعود الله آتٍ آتٍ أتٍ. والله غالب على أمره. وحسبنا الله ونعم الوكيل