إن تردي الوعي بالدعوات الصالحة التي تريد التقريب بين المسلمين من أبناء هذا الدين العظيم على مختلف مذاهبهم وعرقياتهم وطوائفهم يعكس المدى الواسع من الانغماس في عملية الصراع الدموي الذي لا يترك أحدا، والكل ينكوي بناره الحارقة التي لا تستبعد من أمامها أحدا سواء كان قويا أو ضعيفا، فالقوي يصير ضعيفا إذا كان ظالما، والضعيف يصبح قويا إذا كان مظلوما، وبالتالي فالقاتل والمقتول، والقوي والضعيف في هذه النار. ونتيجة لهذا فإننا في حاجة إلى سماع أهل الدعوة المعتدلين الذين يريدون خيرا بهذه الأمة، فالبعض يركز فقط على الشوائب من هذه الدعوات ويترك لب الموضوع فيها والذي يدعو الى الصبر والتعقل في الرد على كل استفزاز من هذا الطرف أو ذاك، ولكن لا حياة لمن تنادي. إن إعدام الرئيس السابق للعراق "صدام حسين" مثلا، واقعة قد جرت وراءها الكثير من الانتقادات والاتهامات، وكلنا خضنا في هذا الأمر، ولكن بتعقل وطالبنا بأنه كان من الأولى إرجاء محاكمته لأنه كان أسير حرب ولم يكن يحاكم بصفته مجرما اقترف في حق مواطنيه الفظائع، وما زاد الطين بلة هو أن الحكومة التي حاكمته حكومة شيعية، وهو رجل سني، فكانت الشرارة التي أفاضت الكأس ليتحول إعدامه إلى مشجب تعلق عليه عمليات القتل والتدمير والذبح في أهل الشيعة مأخوذين بجريرة حكام طائفيين مائة بالمئة. وأدى هذا الأمر الى نشوب حرب مدمرة أهلية تأججت بفعل إعدامه لتحصد كل يوم عشرات الأبرياء من العراقيين سنة وشيعة. وبالمقابل، فتفجير ضريح الإمام العسكري في سنة 2005 أيضا، ونحن بالمناسبة ندينه أشد الادانة، دفع البعض من أهل الشيعة وميليشياتهم وخاصة "جيش المهدي" التابع "لمقتدى الصدر" و "فيالق بدر" المدعومة إيرانيا إلى مباشرة عمليات القتل والذبح والحرق والتهجير في حق أهل السنة في العراق، ليأخذوا بجريرة البعض منهم والذين لا يقيمون للمشاعر الإنسانية أي حساب، ولا للحرية المذهبية أي حق، وتطرفوا في أفكارهم ليأخذوا الشعب العراقي إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر.. لم يعد بوسعنا وقف التوجه الخطير الذي ينقاذ إليه المسلمون في العالم، فالصراع بين المذاهب قد أخذ منحى خطيرا تصاعد بفعل احتلال سافر من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الذين لا يقيمون للشرعية الدولية أي حدود أو حساب، والأطماع الخارجية الغربية منها والصهيونية تتزايد لتفتيت الأمة الإسلامية.. وتحضرني هنا مقولة مسؤول صهيوني طالب فيها بتقسيم دولة السودان العربية والإسلامية إلى مناطق ثلاث أو أربع لتكون البداية نحو التأثير على وحدة البلدان المجاورة للسودان كليبيا ومصر... وكذلك لا نستبعد الكثير من المواقف الأمريكية والصهيونية التي تدعو في العلن إلى تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق من أجل الخروج من الأزمة التي أصبحوا يتخبطون فيها بعدما صاروا يتلقون الضربات تلو الأخرى على يد المقاومة الإسلامية البطلة.. تعد مهمة الدعاة في التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة من بين المطالب الضرورية التي يمكننا أن ندافع عنها. كما تعد مهمة الكشف عن المتورطين في بعض الفظائع ضد هذا الطرف أو ذاك أيضا من المطالب التي يمكنها أن تحقق لضحاياهم قليلا من الحقوق والاهتمام. فهذه الميليشيات التي تعيث فسادا في أرواح وأجساد المسلمين جميعهم ما هي الا أداة جديدة لبعض الجهات التي تريد الهيمنة على الأمة والسيطرة عليها باسم العديد من العناوين التي خلقتها بنفسها ودافعت عنها وستبقى تدافع عنها إلى أن تستفيق الأمة من غفلتها التي دامت، والدوام لله. وفي حقيقة الأمر فإن السيطرة الموكولة لبعض الميليشيات في العراق مثلا، هي سبب كل المشاكل القائمة هناك. فبينما نرى أن أغلب القوى السنية في بلاد الرافدين قد أخذت على عاتقها مقاومة الاحتلال وإخراجه من بلادها وبلاد المسلمين والعرب، فإننا نجد بالمقابل ميليشيات شيعية تقتل وتحارب السنة وتكفرهم مع مقاومتهم وكأنهم هم والأمريكان سواء في سلة واحدة. إن حديثنا هنا لا يوقظ نعرة أو فتنة خامدة قد تدعو إلى محاربة هذه الميليشيات بقدر ما هي دعوة إلى التعقل في المعاملة معها ودعوتها إلى الوقوف إلى جانب المقاومة السنية لمحاربة العدو الأكبر وهو الاحتلال الذي يكبس على نفوس المسلمين والعراقيين جميعهم دون فرق أو تفريق منه... بل إننا نرى بأعيننا أنه -أي الاحتلال- يستعمل هذه الورقة -ورقة الفتنة المذهبية- لتحقيق مصالحه وأهدافه والخروج من ورطته الكبرى المعروفة للجميع..