مسرحية جديدة يحرك فيها المخزن -اعتراضا على المينورسو- ويشحذ الكراكيز الحزبية والنقابية و الجمعوية وهلم جرا. بنفس الأسلوب البائس يتم تحريك كراكيز متهافتة متسارعة في مشهد من مشاهد "الأشقياء"، يطبع في الأذهان صورة من صور التبعية القطيعية. من التهافت على التبرع بالدم أمام الكاميرات استنانا بالالتفاتة المولوية إلى إصدار البياناتِ التنديديةِ دليلِ المواطنةِ الحَقَّةِ والغيرةِ على الوحدة الوطنية والكرامة الوطنية. والسؤال الطويل العريض الذي لا يجرؤ حزب على طرحه للإجابة عليه بوضوح هو: لماذا طلبت المينورسو هذا التوسيع؟ ولماذا في مجال حقوق الإنسان بالضبط؟ وأين كانت هذه الغيرة حينما كانت الهراوات تنزل على ظهور ورؤوس الطلبة والمعطلين وغيرهم في شتى المدن؟ في نفس الوقت الذي تتغنى فيه الكراكيز بدستور جديد وإصلاحات وتقدم حقوقي؛ يتلقى المخزن صفعةً مؤلمةً على وجهه ووجوه خُدَّامه من الأم أمريكا مفادها أن الوضع الحقوقي المغربي ليس على ما يرام وليس كما يتم الترويج له، وأن الأمر يحتاج إلى مراجعة ومراقبة عاجلة. وهكذا يتعبأ الجميع للتمويه عن الحديث الدائر عن الأزمة الاقتصادية التي توشك أن تَحُطَّ الرِّحالَ بالمغرب، وعن الأموال الطائلة المخصصة لتفاهات موازين، وعن الغلاء و"إفساد صندوق المقاصة" وليس إِصلاحَه، وعن هموم ومطالب المعطلين والشغيلة والطبقات المقهورة والاستعداد لمسيرات فاتح ماي، ليتحول الأمر إلى استعداد لمسيرة "مليونية" تتوحد فيها كل "القوى السياسية والفعاليات المدنية" دفاعا عن المقدسات. و في هذا السياق العجيب: ألا يمكن أن تكون هذه مجرد طبخة أمريكية-مغربية للتغطية كل عن ما سبق ذكره؟ سؤال مشروع في زمن المؤامرات باعتراف الأمريكيين أنفسهم. وإذا سلمنا أن الأم أمريكا قد أدارت ظهرها فعلا للتملق المغربي، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة لرولاند وعشيقته وما قد يكون ترتب عنها من مكاسب خيالية للأم فرنسا قد تعتبر في حكم الخسارة بالنسبة للبراغماتية الأمريكية. ما الذي تستطيع فعله الدبلوماسية المغربية الخارجية غير التملق والتوسل واستعطاف رعاة البقر؟ وما الذي يمكن أن تقوم به الكراكيز الحزبية غير البهرجة والجعجعة؟ إن مما يؤسف حقا هو أن ترى أطرا وشبيبات انطلت عليها حيلة كحيلة "القضية الوحدوية" فانخرطت بسذاجة في التعبئة الفيسبوكية من لا شيء للاشيء. بينما القضايا الجوهرية وعلى رأسها الكرامة الوطنية نراها تنتهك يوميا ليل نهار في السر والجهار. أما الشعب الطيب المسكين فقد تعودنا على استغلال المخزن لعاطفته وغيرته على بلده، وأراد له يبكي فقط من أجل أفيون الكوورة غيرة على البلد وسمعة البلد حتى لا يتنبه ويبكي من أجل وضع البلد التعليمي والسياسي والحقوقي والقائمة طويلة. لا المسيرات ولا التنديدات ستحل المشكل، بل الحصول على ثقة الشعب بالصدق في القول والعمل؛ حين تُصان الكرامة، وتُضمن الحقوق، وتُعَمَّم الخدمات، ويتساوى الجميع أمام القانون وفي المدارس، وحين يُسمع لصوت الشعب المبحوحةِ حناجرهُ مِنْ فَرْطِ القهر، وتُكفل حريته، وحين يمشي المواطن في بلده دون سوط أو هراوة. حينها يمكن أن نتحدث عن التغيير، ويمكن أن يصطف الشعب وراء القيادة، وحينها لن يوجد مسوغ للمينورسو كي تتواجد أصلا في بلدنا وعلى أرضنا. إنه لابد من مناقشة جذرية وصريحة للأسباب الكامنة وراء المشاكل التي يتخبط فيها المغرب، ولابد قبل ذلك من إرادة حقيقة للتغيير، والنخب تتحمل كامل مسؤوليتها فيما يحصل وفي غيابها عن المشهد وعدم امتلاكها للجرأة الكافية في التعبئة وقول الحق وفضح التواطؤ الحزبي، حتى أصبحت القلة القليلة الجريئة نشازا وعرضة للمحاكمات وللتضييق والمنع.