تأخرت عمدا عن الكتابة في موضوع نتائج المؤتمر الإقليمي لحزب العدالة والتنمية المنعقد أخيرا بإقليم العرائش،حتى لا أنقل للمتابع السياسي المحلي انطباعات مزاجية لعضو في حزب العدالة والتنمية، هذا المتابع الذي لا تهمه تلك الانطباعات بقدر ما يبحث في آثار نتائج المؤتمر على وضعية الحزب بالإقليم، هذه الوضعية اتسمت قبل وبعد الانتخابات الماضية بنوع من الإصطفافات مبنية على تباين في مواقف مرحلية، كان ينظر إليها على أنها نوع من الانقسام المنذر بالانشطار التنظيمي. ولعل هذا المتابع تفاجأ بنجاح المؤتمر،بالنظر إلى أن جل التحليلات كانت تذهب إلى أن المؤتمر سيفشل للأسباب تلك، وأنه لن يكون هناك رضا على سير المؤتمر مهما كانت النتائج، وان تلك الإصطفافات أصبحت بنيوية صعب علاجها، هذا التحليل كان يستحضر تجارب عاشتها أحزاب اخرى لم تحتضن بشكل جيد الاختلاف في الآراء،أدى بها لأن تنقسم على ذواتها أو أفول نجمها، إلا أن المفاجأة كانت سارة حيث مر المؤتمر في أجواء غاية في الانضباط وفي أجواء ديمقراطية وشفافة،مع توفر قدر كبير من الحرية في إبداء الآراء والمواقف المختلفة وبجرأة زائدة، بشهادة جل المؤتمرين أثناء انعقاد المؤتمر وبعده،بغض النظر عن مدى الرضا عن نتائج المؤتمر حيث أن هذا أمر عادي ومنتظر، كما ان المؤتمر أفرز روح جديدة لدى المناضلين روح الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، سمعنا ذلك ورأينا آثاره الإيجابية على القلوب والوجوه التي ظهر عليها الارتياح. كما عرف المؤتمر مشهد مؤثر ودرس أخلاقي عندما اعتذر مجموعة من كوادر الحزب عن التنافس على منصب الكاتب الإقليمي، رغم ان حظوظهم كانت متساوية مع باقي المنافسين، كدرس واقعي في الزهد في المسؤولية، كما أن المؤتمرين خرجوا راضين تماما على نجاحه،حيث لم يقدم أي طعن في المؤتمر ولو شكلي. ولعل قائل يقول إن ثمة من عبر عن عدم رضاه على تركيبة الكتابة الإقليمية، إلا أنني أقول أن التباين في هذا أمر صحي حيث لا يمكن تحقيق الإجماع في هذا الأمر،هذا لم يحدث أبدا في التاريخ الإنساني، والرهان الحقيقي الذي ربحه مناضلوا الحزب في الإقليم، هو إنجاح المؤتمر وتمريره في أجواء صحية،عن طريق إعمال قاعدة الديمقراطية الداخلية وسيادة أجواألتسامح والتصالح،وبذلك يكون الحزب قد تجاوز إشكالات التباين في الرؤى والتصورات المرحلية ، أمر لم يكن لنصل إليه لولا قوة الحزب تنظيميا والكفاأت التي يتوفر عليها،والأخلاق الحسنة التي تسود مناضلي الحزب ذو المرجعية الإسلامية. وشكل المؤتمر انعطافة إيجابية على مستوى التداول على المسؤوليات الحزبية، بإفرازه لقيادة جديدة وشابة متمثلة في الأستاذ عبد الله المنصوري (كاتب جهوي وإقليمي سابق لشبيبة العدالة والتنمية) المعروف بعلاقاته الطيبة مع جل أعضاء الحزب بالإقليم والجهة ووطنيا، وهو كفاءة علمية (الماستر في القانون العام)، كما أنه ينحدر من أسرة علمية قصرية مشهورة (إبن الداعية العياشي المنصوري رحمه الله)، كما أن هذه الكتابة الإقليمية ضمت خيرة مناضلي الحزب من ذوي الكفاء ات العالية، الأساتذة سعيد الفضولي وجمال الدين الدكالي وعبد المجيد أمين ومحمد المؤذن والمحامي عبد السلام بن سيسي والنائب البرلماني السابق محمد العيادي و الأستاذتين رجاء الفضولي ولطيفة الشيهب. كما أن نجاح المؤتمر إضافة لإفرازه لهذه التركيبة المحترمة من كوادر الحزب،أعطى نوعا من الاطمئنان لساكنة الإقليم المتعاطفة مع مشروع حزب العدالة والتنمية، والتي كانت متخوفة على مستقبله وكانت تتمنى من مناضلي الحزب تجاوز الإشكالات السابقة ،إنطباع لا شك حاضر عند بعض الأطراف السياسية التي لها نية عقد تحالفات مستقبلية مع الحزب في الإقليم، كما أن هذا الاطمئنان عم بلا شك القيادة الوطنية متمثلة في الأمانة العامةوالكتابة الجهوية، انطباع عبر عنه في حينه الأخ النائب محمد السليماني (عضو الكتابة الجهوية) الذي ترأس المؤتمر وكان له بعض الفضل في نجاحه. وفي الأخير فإن الكتابة الإقليمية الجديدة أمامها مهام صعبة بلا شك،حيث مطلوب منها العمل على تجميع طاقات الحزب جميعها وبدون إقصاء، وعليها الاخذ بمنهجية التواصل الجيد مع الجميع، وعليها أيضا العمل على فتح الحزب أمام المواطنين الراغبين في الإنخراط فيه،والتواصل بدل الصدام مع الأطراف السياسية الاخرى ومع المجتمع المدني.