من الطرائف التي وقعت لي أثناء ممارستي للتدريس في مجال محاربة الأمية أنني كنت أعطي دروس في مركز قرب البيت لايبعد إلا بعشر دقائق مشيا ، وكان عندي فوج من النساء يتراوح عمرهم ما بين 45 سنة فما فوق، كانت عندي عجوزا يرحمها الله ويفسح قبرها ويعطيها على قدر نيتها الطيبة إن شاء الله . هاته الأخيرة كانت تبلغ من العمر عتيا كانت تآتي إلى المركز مرة في الأسبوع، كنت أخرج من البيت بربع ساعة قبل الثوقيث المحدد للدراسة لكي أصل في الموعد ، أما تلميذتي العجوز ، التي كنت أسميها بالمرأة البركة ، فكانت تخرج بساعة قبل الموعد وتأتي على مهلها إلى أن تصل بسلام إلى المدرسة . كنت ألتقي بها في الطريق وأبتسم لهذه المرأة المناضلة ، التي قولا وفعلا تقدر العلم ، فهو لا يأتي إليها سهلا بل تضحي من أجل الوصول إليه ، وكانت رحمها الله تجلس في الطاولة الأولى، وتقول لي وهي تبتسم التلميذات المجتهدات يجلسون في الصفوف الأولى وأنا واحدة منهن ، فكانت تطلب مني أن أساعدها على حفظ بعض الآيات من الذكر الحكيم . والله إنها ما زالت ماثلة أمام عيني لأنها فعلا مثال يقتدى به في الصبر والمثابرة، وكما يقول الشاعر من أراد العلا سهر الليالي، كنت أتمنى أن يكون عندي أيضا قسما من الرجال وأن يكون من بينهم عجوزا يقدر العلم والمعرفة كما قدرته تلك المرأة المكافحة رحمها الله وللمستور بقية.