صدر للشاعر المغربي الدكتور أحمد هاشم الريسوني عمل شعري جديد موسوم ب" لا " عن منشورات سليكي إخوان بطنجة في طبعته الأولى مارس"آذار" 2012 في 180 صفحة . ويتسم هذا العمل الإبداعي بتساوق جماليات التعبيرالشعري بجماليات التشكيل الفني عبر تسعة رؤى "لوحات" أنجزها الفنان عبد العليم العمري لديوان" لا"فضلا عن لوحة الغلاف التي تتسم بقوتها الايحائية والدلالية انطلاقا من رهانها على نتوءات الذات في تعالقاتها الزمانية والمكانية وارتباطها بالذاكرة والحلم انطلاقا من الطاقة التي تميز الأبيض والأسود . وقدرتها على إنتاج المعنى تزامنا مع المعنى الشعري الذي حرص أحمد هاشم الريسوني على تقديمه برهانه على متخيل شعري خصب ينتمي للإستراتيجية الإبداعية التي دشنها في دواوينه السابقة" الجبل الأخضر، مرتيليات، النور". وديوان " لا" يقدم للمتلقي مقترحه الجمالي انطلاقا من تجربة الكائن الشعري، ومحاولة ملامسة تحولات الذات ،والأمكنة والمحيط، والذاكرة الشعرية بروافدها الباذخة. وهذا ما يفسر انفتاح هذا العمل الشعري على الفكر الإنساني، والحياة في عوالمها الفسيحة، وقدرته على تشييد حوارية فكرية واستيطيقية تبحث في تاريخية الذات الشاعرة العاشقة للشعر، و الذات المغايرة" السياب، بورخيص، المكي امغارة، أحمد بركات..". والذات الشاعرة في هذا العمل الإبداعي الجديد ترسخ نوسطالجيا الأمكنة " الخيرالدا، طنجة، قصرالريسوني، سبتة.." بوصفها من مقومات العمل الشعري التي تؤسس لهوية الكتابة الشعرية لدى أحمد هاشم الريسوني فيما يشبه قصيدة السيرة التي تنفتح على الصورة انطلاقا من بعدها البصري والدلالي، وطاقتها التأويلية، وعلى قصيدة النثر التي يساجلها، ويستلهم معالمها في تشكيل كثير من نصوصه القريبة من الومضة، أو اللقطة على المستوى الكاليغرافي، والمنتمية إلى الهايكو على مستوى البناء. وبلاغة الرفض في ديوان " لا" ترتبط بأتون التشكيل الجمالي الذي يؤسس وجوده الخاص ارتباطا بالتأمل الشعري للذات الشاعرة المدركة لماهية التحولات الواقعية وللأحاسيس والأحلام التي تطبع كثير من نصوص العمل الإبداعي " لا" ليتحقق العبور من الذاتي إلى الجوهري، ولتتمكن الذات الشاعرة من الاحتجاج والتعبير عن الرفض لترسم أفق مغاير، البرهنة على قدرة الجماليات على فهم العالم في مناخ شعري مشترك الأواصر والسمات بين الذاتي والجوهري. وهو ما يمكن تلمسه في أرخبيل هذا العمل المكون من: في انتظار أحمد، هيت لك، مخدة الشؤون العامة، بحث عن متغيبة، أحمد بركات، إرم ذات العماد، مرة أخرى..أنت هنا، الوردة، هي قاب قوسين أو أدنى من اليقظة، شجرة التفاح، لا، ننتظر مطرا لا يشبه المطر، سفر أبيض، عظات مشردة، جفاف، رؤيا، رأفة حائطية، دعاء، سبتة، قبلة باقية، اعشقك أيها الشعر، سفر الماء، الطريق إلى يثرب، أغنية لدرب التبانة، لو، قصر الريسوني، تحت سقيفة طنجة، الطريق. واللغة المتسمة بالشفوف والطلاوة والعمق تتسم بقدرتها على تقويض الوجود وكشف اختلالاته عبر صور بصرية تفصح عن الإدراك الجمالي الذي جعل ديوان" لا" عبر مساحته الكاليغرافية يفصح عن ثراء تخييلي يحقق الارتواء الدلالي على نحو جمالي: تحت سقيفة طنجة نبني الحياةَ جسداً ،، جسداَ ياتي الموْتُ فياخذ الحياةَ روحاَ كمْ درْباَ ستقْضي أيها الحوذي قبل أن تستيقظ امرأةُ النّبيذ كمْ يداً ستأخذُ أيُّها المُفلسُ بعد أن تُفرغَ الشَّفَقَ في سرَّةِ الأَمْشاجْ أو قولي يا صغيرتي كمْ عَرَقاً يمسحُ مُضْغَةَ الأمواجْ من هنا مرَّ حلاّقُ نعلي لمْ يكن ثملاً كعادته لمْ يكن متأبِّطَ الأنهارْ بل ظلَّ طيلةَ شمسهِ يتقوزحُ تحت سقيفةٍ أثريَّةٍ غمرتْ بجرارها بابَ المدينهْ هلْ سكبَ الحماقة فوقَ جواربي ؟ هلْ مسَحَ النَّهارَ بِدَوْخَةِ البحَّارْ ؟ أمْ يا ترى ،، هذي اللّيالي عظاتْ ؟ وإذنْ .. سأُسرِجُ للبندقيّةِ كأْسَ الرَّفيقْ أيّها الموْتُ العشيقْ كمْ جسداً ستُفرِغُ هذا المساء ؟ كمْ ورقاً سوف يَبْلَى ؟ قمرٌ في الطَّريقْ ويدٌ مُغْمَضَه أجهشتْ بالحريقْ لمْ يكن فجرُ الذُّبابةِ غائماً،، أو مُبحراً في الهباءْ غير أن المساءَ هوَى فانثنَى موْقفُ البحرِ مالَ قليلاً نحوَ اليسارْ يسارِ الأنينْ ثمّ قليلاً نحوَ دفينِ طنجهْ والمركبُ لمَّا يحِنْ وبِذاتِ العينِ لوَّح المجدافُ بكأسهِ الأولَى بيد أنَّ البحَّارةَ ظلّوا مراراً يثقبونَ سلالمَ الماء والشِّباكُ عارية إلأّ من هواهاَ إذ طفقتْ بين الثرى تباعاً تُمضْمِضُ الأشجارَا سوف نترك أوتادنا في الأمالي سوف نغبِطُ جرَّةً هيفاءَ لمْ تكنْ ونمرُّ بجارٍ طليقْ أكلَ الشِّباكَ وأفرغَ الأَوتارَا طيْفاً بليلاً لمْ يكنْ أو هكذا شُبِّهَ لريقهمْ ثمَّ عسعسَ يُروِّضُ المدى وفي الصباح يرسم النَّدى يمُدُّهُ قليلاً صوْبَ شاطئِ طنْجَةَ صوب ليْلٍ صفيقْ ليْلِ حمَّالةِ الأحداقْ