مهداة إلى كل الأصدقاء بمناسبة حلول فصل الربيع عندما يحل فصل الربيع، لا أطلب غير الشاي في سطيحة هذه المقهى، وأستمتع برؤية النادل يحمله لي في إبريق صغير يطل النعناع العطر من فمه. حتى إذا وضعه على المائدة قبالتي، رفع يده إلى الشجرة فوق رأسينا وأقتطع منها زهرا طريا وأغمسه لي في الإبريق وانصرف. عندما يحل الصيف وتكبر الشمس وتقترب، تدب الحماسة في المتحفظين والحذرين وتشتعل الروح في الأحياء وتنتفض الأجساد على جنبات البحار والانهار والوديان. آنذاك، أحب اللون الأصفر، لون الطاقة والحيوية والتجدد... وأشعر بالإنتشاء . وعندما يحل الخريف وتتساقط أوراق الأشجار وبتلات الورود وتهب رياح التغيير وتنخفض السماء الرمادية بثقلها لتحاور الحقول والوديان، آنذاك، أحب اللون البني: لون التغيير...وأشعر بالتجدد . وعندما يحل الشتاء وتتساقط الأمطار وترتوي الأرض وتمنح حرية التعبير لصغار الفلاحين فيتنبؤون بمحصول الزراعة ويقارنون الغلات الممكنة بالغلات الفائتة... أشعر معهم بالحرية. وعندما يحل الربيع ثانية، يحل الجمال في كل مكان: النحل والورد والعصافير والخضرة والدفء وصغار الحشرات وكبار الحيوانات وضعاف النباتات...كل يعانق حبيبة أو تتودد لحبيب وتترجى ذرية .كل يلتحف بالخضرة ويتواصل بالأخضر. مع الربيع، تضحى الحياة خضرة على خضرة... وأشعر بالانبعاث، بالولادة من جديد. الأرض تنبض بالتغريد والشدو. السماء تومض بالأجنحة الحية : الخطاطيف، رسل الحرية والتغيير، تحلق في كل مكان. لا يمكنك أبدا التكهن باتجاه طيرانها.إنها تنطلق ذات اليمين وذات الشمال، تسرع الإيقاع وتبطئ، تغير اتجاهها كما تريد، فرحة بالانبعاث... الناس هنا يقدسون الخطاف ويحرمون صيده أو حتى طرده من سقوف بيوتهم. والنتيجة أن الخطاف يستمتع بالربيع حتى آخر ليلة. يحلق دون خوف. يطير دون قيود ويحط على الأشجار، على حبال الغسيل، على الأسلاك الكهربائية ويبصق على رؤوس المارة ورواد المقاهي،على السطيحة، تحته ويظل ينتظر منهم رد فعل ما من نوع ما. لكن الناس تكتفي بمسح رؤوسها بأكفها وتبتسم حين ترفع عيونها إلى الأعلى وتتأكد أن الأمر لا يعدو كونه بصق الخطاف، طائر الربيع.