لم أبتغ من تصدير مقالي بهذا العنوان أن أعصف بذهن قارئه لكني ارتايت فقط لفت انتباهه إلى بعض الانحرافات السلوكية التي بدأت تتربص بالأسرة العربية اللبنة الأولى في أي نسق اجتماعي . بيت العنكبوت الذي يؤثث في خلسة منا زوايا مساكننا يعد من أوهن البيوت ، واللافت أن بواعث وهنه سلوكيات ظاهرها السكينة وباطنها العدوانية، أضحت تلمس في جنبات الاسرة وغدت تهدد أنسنة علاقاتها وتختلس منها تماسكها و سعادتها . صحيح لا قياس مع وجود الفارق لكن من يجرؤ على إنكار كثافة الدروس الملهمة التي تعلمها الإنسان من عوالم الحيوان والطير والهوام الملاحظ أن العناكب تعيش بشكل منفرد، غير منظم وتبني بيوتها من مجموعة من الخيوط الحريرية المتشابكة , بينها مسافات بعيدة ، مشهد يرمز و يختزل في عمقه التباعد الجلي اليوم بين مكونات معظم الأسر التي توارى فيها التقارب و التلاحم ولاح في جنباتها الخرس الزوجي و الوالدي و التواصل غير الشفيق نتيجة الانشغال بتكاليف الحياة وسطوة وسائل التواصل و الإعلام التي بقدر ما قربت البعيد بعدت القريب . أذكى هذا الأمر الجنوح نحو النزعة الفردية التي أنتجت اعوجاجات سلوكية كالانزواء على الذات و عدم التفاعل مع الآخر والانفتاح عليه حتى ولو كان هذا الآخر ابا، اختا واخا غلبة النزعة الفردية في عالم العناكب يترتب عنها ميولها نحو العدوانية و التنمر ، فالاب(العنكب ) يقتل من طرف أبنائه بعد خروجهم من البيض وقد يفتكون بأمهم بعد اشتداد عودهم . سيقرف بعضنا لهذا المنحدر السلوكي العنكبوتي غير أن القتل المعنوي الذي تشحذ سكاكينه في بعض العلاقات الأسرية أشد فضاعة لتباين المنزلة بين ( الجناة )انسان/عنكبوت من صور ذلك اغتصاب المحارم، عقوق الآباء والأبناء والحب المشروط لا لغة سائدة في أغلب بيوت العناكب غير لغة المصلحة الفردية و تأسيسها قائم ليس بهدف التكاثر و الاستقرار بل من أجل اصطياد الفرائس. هي إذن مذبح و مسلخ للمودة و الرحمة و ليست مرتعا لهما . من الشواهد على ذلك قتل (الرتيلاء ) لزوجها مباشرة بعد عملية التزاوج ،الأمر الذي يجبر الزوج على الفرار وهجران بيت الزوجية . مشهد له نظير في بعض الأسر المشيدة على شفا جرف هار، انهارت قواعده بين مطرقة التسلط و سندان الرخاوة. ما أوردته في هذا المقال هو غيض من فيض دروس الحياة التي يعلمنا إياها عالم العناكب الذي يعري لنا واقعا صادما و مريرا… مرارته تستطيبها مكانسنا التي تنقض على خيوط عناكب بيوتنا ،لكن لا و لن تستطيبها نفوسنا المثخنة بجروح غائرة ،أكيد لن تلتئم برشة ملح .