كلام في الحجر الصحي يوميات يعدها الاستاذ محمد أكرم الغرباوي لاستقراء آراء فاعلين جمعيويين ، مثقفين ، رياضيين ، شراح مختلفة …ترصد تجربة الحجر . الحلقة 33 تستضيف الاعلامي والروائي سعيد نعام: ________ حمامة، بهذا الإسم أو اللقب، بات يُعرف مصطفى الغزواني بين سكان المدينة لسنوات طويلة، لم يُبد خلالها أي انزعاج أو اعتراض، على وصف يردده آخرون، لا وجود له في سجله المدني. فهل كان الرجل مقتنعا بتشبيهه للحمامة، وهو يحمل نصف جسد فوق عكاز مهترئ، بالكاد يرافقه لمسافة قصيرة، ثم يتوقف طالبا نَفَسا؟! خلف كل علامة استفهام حول (قصة حمامة) تنتصب أجوبة بحجم المعاناة، على صفحات تاريخ، قد يتغير مجراه فلا يُنصف الكثيرين! ما برحت ملامح الوسامة وجهه، رغم عيشه الضنك، وغزارة الشيب الذي تحول برأسه إلى كومة من صوف أبيض، غطى جزءا منه بطربوش مغربي، كان يتسلى بمداعبته أثناء الحديث، بتغيير وضعه بين الفينة والأخرى، وكانت وظيفة حارس لإحدى الحدائق العمومية بالمدينة، هي ما جادت به توصية مكتب قدماء المقاومين وجيش التحرير، بعد سجل حافل بالتضحيات، والنضال، والكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي، فَقَدَ إثره ساقه اليمنى أو اليسرى، لا فرق، وحين تم طرد فرنسا من أراض تمتد آلاف الكيلومترات شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، كانت القسمة ضيزى، فلم يحصل منها مصطفى الغزواني على شبر واحد يأويه، ليقضي ما تبقى من نبضات العمر، بين جدران منزل متواضع، تندلع نيرانه بردا لا سلاما، كل شهر في جيبه المثقوب. كان يردد ( عاش الملك!!) حتى بعدما بُثرت ساقه أثناء المقاومة المسلحة، حين كان يقوم بتبليغ رسالة مشفرة، إلى إخوانه بالجبهة، وكان كالرَّقَّاص في مهمته، كلما نودي عليه، أجاب: حمامة! ويرمز بالرد، إلى سرعته في الوصول إلى الهدف، حتى سُمِّيَ بالحمامة. مات مصطفى الغزواني، أو حمامة، واكتفى تاريخ المغرب، في صفحته رقم 1956 ، بتدوين جملة حول الرجل تقول: ( حمامة مرت من هنا بجناح مكسور، لم تعد صالحة للتحليق)