بينما تتجول في أزقة مدينة القصر الكبير، مكتشفا وزائرا لمآثرها ، تدهشك بدروبها وفنادقها، وتجدك مارا بحي النيارين، متنسما روائح بعبق التاريخ من ممراته المتفرعة ، وصولا إلى مسجد الحمراء بحي للاعائشة الخضراء المحاذية للزاوية البدوية، التي لقب الحي باسمها . وهنا يلفك حنين أيام المسيد مع علماء أجلاء ، لما للمسيد من خصوصية لدى العائلات القصرية خاصة والمغربية عموما. ويكفي أن نذكر أمثلة من أبناء العائلات القصرية التي درست بهذا الكتاب الملتصق بقبر للاعائشة الخضراء ومسجدها، على يد الفقيه المرحوم محمد الجباري. فقد درس به عبد السلام ومصطفى وأحمد من عائلة اليعقوبي، والصادق والتهامي من عائلة بنكيران، ومحمد وعبد السلام من عائلة السي عبد الله الجباري، ومحمد ومصطفى من عائلة الرهوني (يعلى)، وعبد السلام وحسن ومصطفى وعبد الرزاق من عائلة طريبق، وعبد العالي وعبد المجيد من عائلة بن جلون، وآخرون من أمثال مصطفى كمال الناصري والعمراني الحباسي (المدراعي)، وحسن والحسين السوسي (الشتوكي). واللائحة طويلة ممن تخرجوا من هذا الكتاب من الأساتذة والمحامين والأدباء وغيرهم. ذلك أن ثقافة المسيد كانت هي السائدة في الماضي، نظرا للدور المهم الذي كانت تؤديه في التربية والتعليم، بحيث لم يكن يقتصر فقط على تحفيظ كتاب الله تعالى، بل كذلك تمثل في تقديم خدمات اجتماعية وأخلاقية. وعن جامع مسجد للاعائشة الخضراء هذا، جاء في كتاب (القصر الكبير مدينة في إقليم من المغرب الشمالي) لميشو بيلير وجورج سالمون، عن حقيقة الحالة التي كان عليها هذا المسجد: ((يوجد بحي الشريعة خارج المدينةجنوب مسجد الجزيري. هو مسجد صغير في حالة خراب . كان في السابق وسط حومة الجامع الحمراء السيئة السمعة . يوجد به قبر لللا عائشة الخضراء الولية الجد مبجلة. والتي تشعر أولئك الذين يؤدون اليمين على رمادها في رهبة منها. يقام لها موسم سنوي يحدد تاريخه سكان الحي بدعوة من مقدم الضريحابن الشاب. تقدم الأضاحي خلال هذا الاحتفال وتمنح الزيارات. كانت للا عائشة سمراء البشرة لهذا أطلق عليه اسم الحمراء (السمراء)، وهو الاسم الذي أطلق على المسجد. بدا هذا اللقب غير مناسب لذا تم استبداله بالخضراء. ويقال كذلك أنها كانت تلبس الأخضر.))(ترجمه د. عبد المجيد المصباحي، جمعية البحث التاريخي بالقصر الكبير، 2018، صفحة 160) إن ميزة هذا المسجد، كونه يجمع بين مسجد الصلاة، وضريح الولية الصالحة للاعائشة الخضراء، وكتّاب عتيد تخرج منه كثير من الأطر والمثقفين بعد انتقالهم لمتابعة الدراسة العصرية.