نعم ، في زمن الكورونا، بايعت من يلقبه الناس بالسلطان، و ذلك لسلطته و جبروته و لأننا كلنا نذهب اليه طائعين، صاغرين، لا احد يجرؤ على معاندته او التمرد عليه او الوقوف في وجهه سواء أتانا ام جافانا ، أقبل علينا ام أدبر عنا مخلفا فينا القلق و الألم و الإحباط. إنه النوم، خاصة نوم الظهيرة او ما نسميه “القيلولة” الذي حال قبل أيام بيني و بين زيارة عيادة الطبيب الذي علمت مباشرة بعدها أنه أصيب بداء كوفيد 19،عافاه الله و عافى جميع المرضى. فما كان مني إلا ان اقدم له فروض الولاء و الطاعة و الامتنان. ربطتني به علاقة مودة لا تنقطع اواصرها، هو احد اهم طقوسي و شغفي الذي يتحول الى هوس لو شعرت بما يهدد موعدي اليومي معه. القيلولة هي عادتي التي ورثتها عن والدي رحمه الله، الذي كان يفرضها علي انا و إخوتي بقوة القانون الأسري و بالزامية العقاب المشروع في عرفنا ، خاصة أثناء العطل المدرسية و أيام الصيف القاءض. كان علينا أن نلتحق بغرفنا و نلزم افرشتنا طيلة فترة قيلولة والدي التي كانت تبدأ مع وصلة الطرب الأندلسي الإذاعية و تنتهي مع آذان صلاة العصر ، و لا أحد منا يحرك ساكنا خلالها سواءا نمنا ام ام نتمكن من ذلك بحكم صغر سننا و توقنا للحركة و للتنقل، و لهذا كانت سبب وشاية بعضنا بالبعض الآخر الذي لم يلتزم بمقتضياتها اذ يعتبر ذلك خرقا لميثاق أسري يستوجب العقاب، اما انا فقد وجدتها احيانا فرصة مثالية لقراءة القصص و الروايات حينها. ألم يكن هذا حجرا سلوكيا لفترة زمنية يومية تعلمنا معه معنى الإلتزام و معنى الخضوع للقواعد و للقوانين حتى و لو كانت أسرية هيأتنا اليوم بعد ردح لا يستهان به من الزمن لحجر صحي فرضه علينا الوباء اللعين. ألا يمكن اعتباره مظهرا من مظاهر تربية الآباء و الأجداد الرشيدة التي لم تكن تهدف لخلق اجساد طيعة و إنما تعمل على بناء ذوات ملتزمة، تربية صارمة قاعدتها تجنب الممنوع قبل التعرف على المباح، و هذا ما افتقدناه اليوم للأسف مع تربية الانفلات و الانزلاق و ذلك بسبب عدم تقديرنا للتربية التقليدية و سوء فهمنا للتربية الحديثة، فلا هذه أدركنا و لا تلك استوعبنا. مع تقدمي في السن، أصبحت علاقتي بالقيلولة شبيهة بما كان عليه والدي ، استبدت بي هذه العادة و بات الكل داخل محيطي يعرف أهميتها الملحة عندي :عائلتي،أقاربي و جيراني لدرجة انه لو طرق أحدهم بابي ساعة القيلولة تبادر جارتي قاءلة:” ناعسة ” و اشكرها على تعاونها. لو اجتمعت عائلتي في ضيافتي يحرص أفرادها على احترام عادتي تلك، فبمجرد ما يحين أوانها، تجدهم يذكرون بعضهم بها ، و أفشل في ثنيهم عن الإنسحاب. حتى في عملي، كنت اقايض السيد ناظر الدروس لأجلها ، فأعرض عليه تحمل عناء المستوى الاشهادي و لكل الشعب ، الامر الذي كان يرفضه الكثيرون، مقابل إعفائي من الحصة المسائية الأولى. السادة المفتشون التربويون بدورهم كانوا ينتبهون لجدول حصصي الذي يبدأ طيلة أيام عملي الساعة الثامنة صباحا و يستغربون كيف أفضل الاستيقاظ يوميا باكرا، لكن ذلك كان يسعدني ما دمت سأحظى بقيلولتي بعد الظهر، فبمجرد الإنتهاء من تناول طعام الغذاء اهرع لا ألوي على شيء ، لأحتمي بغرفتي من القلق و التوتر و لأروي ظمأ العودة لذاتي و الاستمتاع بخلوة ألوذ فيها بنفسي مع ما يرافق ذلك من صمت مطبق، و ظلام و استرخاء و النتيجة بعد ذلك لا تهم، إن زارني السلطان أم لا ، المهم أنني أحافظ لذاتي على بعض حقوقها علي. أعلم جيدا أنه لن يوافقني الرأي ، و لن يدرك تفاصيل ما أروي الا من عرف و خبر مشاكل النوم و الأرق، و ما يترتب عنهما من آثار تهدد الصحة الجسدية و التوازن النفسي، و التي تعتبر من أهم أعراض الاكتئاب كأحد امراض العصر، و التي قد يؤدي استفحالها لا قدر الله عند البعض الى الجنون او الانتحار.و هذا ما قد يعاني منه أ ناس جراء الحجر الصحي المرافق لجاءحة كورونا ان لم يحسنوا تدبير آثاره و تصريف ضغوطاته. لهذا ظهرت الحاجة لدعم من الأخصائيين النفسيين لعدد من الحالات و لو عن بعد. الغريب في الأمر انني طيلة سنوات متتالية من عمري كانت علاقتي بالقيلولة معقدة، تتراوح بين العشق و النبذ. أعشقها لكنني في نفس الوقت أكره استعبادها لي، سلبها حريتي ، استبدادها بي وإخضاعي لنمطية المعيش اليومي، كما امقت تبعيتي العمياء لها ، ما جعلني مرارا أتساءل: هل انا مدمنة قيلولة؟ لم يتعكر مزاجي و تسوء بقية يومي لو حرمت يوما منها لأي سبب من الأسباب؟ لقد اصبحت العادة سلطانأ له علي واجب السمع و الطاعة و كثيرا ما احتج عقلي عليها كزمن أهدره دون وجه حق إذ الأولى أن استثمره بشكل أفضل، لكنني اليوم أبايعها و أجدد البيعة : أولا لان قيلولتي جنبتني كارثة وحده الله يعلم عواقبها، ثانيا لأنني حتى لو فكرت في ترشيد استثماري لزمنها فلن اتمكن خلاله من تصنيع و تركيب دواء لمرض كوفيد 19،لن أجد حلا لمشاكل النموذج التنموي بالمغرب و لن اتمكن من إقناع الناس بضرورة الإلتزام بشروط الحجر الصحي. لكن هذا لن يمنعني من الصراخ بأعلى صوتي: