في ليلة باردة وبينما أنا في حضن أمي، حكت لي هذه الحكاية كي أنام: – “حاجيتك ما جيتك…كان يا مكان كان الحبق والسوسن… في فصل شتاء بارد من سنة مجهولة، وبإحدى الغابات المنقرضة، أحس طائر الثرثار ببرد شديد كاد يقضي عليه، لولا أنه ذهب عند خروف وراح يهجوه: – “أيها الخروف الذي يذبح في كل الظروف… أعطني قطعة من صوفك وإلا دللت الذئب على مكانك”. أصيب الخروف بذعر، فتنازل له عن قطعة من صوفه، حملها على منقاره إلى دودة القز، وبدأ يعدد على مسامع زبائنها العيوب التي رسمها الزمان على جسدها؛كي يرغمها على غزل صوفه، فامتثلت لطلبه مكرهة وهي التي لم تكن لترحم حيوانا قط؛ عندما يتعلق الأمر بأجرة غزلها. بعد هذا انطلق محلقا نحو أكبر عنكبوت بالغابة وقام بتنفيذ نفس الخطة التي اتبعها مع سابقيه وهددها بتحذير الحشرات من شباكها حتى أرغمها على حياكة خيوط الصوف، وخياطة جلباب على مقاس الطائر، ارتداه الثرثار وحط قرب وسادة الأسد، ولم يتوقف عن سرد حكاية جلبابه وفي الأخير صاح: – “…لا أحد من ملوك الغابة أجمعين يمتلك مثل جلبابي”. ضاق صدر الأسد بثرثرة الثرثار وطلب من حرسه أن يسلبوا الوقح المغرور جلبابه. وبالفعل عري الطائر، لكنه لم يذهب بعيدا عن الغابة ولا نأى عن وسادة الملك ولا تردد في سرد تفاصيل قصة جلبابه على مسامع كل حيوانات الغابة مذ كانت قطعة صوف بل أضاف لها خاتمة جديدة: – ” … لما رأى الملك جلبابي أصابته الغيرة فسرقها مني”. تقدم مستشار الملك (الثعلب) من الأسد وقال له: – “مولاي الضرغام، إنك في غنى عن سماع ترهات هذا الطائر اللئيم، الذي أصبحت قصة جلبابه حديث كل حيوانات الغابة، وقد أبدى بعضهم تعاطفا معه وإني لأخشى أن يدب في نفوس الحيوانات عصيان. لِمَ لا تعيد له جلبابه كي نرتاح من خلقته؟ أعيد للطائر جلبابه، لكنه لما ارتداه لم يتوقف عن تكرار سرد حكايته مع الجلباب: – ” أعطاني الخروف صوفا بعد أن هجوته، وغزلتها لي دودة بعد أن عيرتها بالشيب، ونسجته لي وخاطته العنكبوت بعدما هددتها في رزقها، فامتلكت جلبابا لا أحد من أسود الغابات أجمعين يمتلك مثله، لكن ملك الغابة غار مني وسرقها، ولما هجوته خاف مني وأرجعها لي…” عند هذا الحد كنت قد نمت، ونسيت فيما بعد أن أسأل أمي إن كان الأسد قد تنازل للطائر الثرثار عن عرشه، لكني لازلت أذكر أني في تلك الليلة البهيمة حلمت أن كل حيوانات الغابة تحولت إلى طيور الثرثار، وهاجمت الأسد في عرينه، فاضطر للرحيل خارج الغابة.