رغم المحاولات العديدة لإصلاحه فإن قطاع التعليم في المغرب لا زال يعرف العديد من الاختلالات التي تجعل المنظومة التعليمية المغربية عاجزة عن أداء الدور المنوط بها على مستوى تأهيل العنصر البشري وجعل التعليم قاطرة للنهوض بمختلف المجالات في البلاد. ولا يخفى على المختصين والمتتبعين للإصلاحات التي خضع لها، أن نجاحاتها بقيت محدودة في ظل تراكمات من السياسات الفاشلة بل وحتى الهدامة كما يصفها البعض، مما جعل قطاع التعليم لا يحتاج إلى حزمة إصلاحات فقط، بل إلى ثورة جذرية تحدث القطيعة مع منظومة تعليمية تسير في واد بينما السياسات الأخرى لباقي القطاعات تسير في واد آخر. مما أفرز ظاهرة طغت في السنوات الأخيرة على المشهد الاحتجاجي المغربي والمتمثلة في بطالة حاملي الشواهد خصوصا العليا الذين يحتجون بشكل يومي أمام البرلمان وباقي المدن المغربية بسبب توفرهم على شواهد لا تؤهلهم للحصول على منصب شغل. ومن بين الحلول الجزئية لامتصاص هذه الظاهرة، أقدمت الدولة على دمجهم في مجموعة من القطاعات العمومية وعلى رأسها قطاع التربية الوطنية كأساتذة للتعليم المدرسي. هذا الإدماج المباشر وقف قانون التوظيف المباشر لحاملي الشواهد العليا في قطاع استراتيجي كالتعليم المدرسي، أثار العديد من الانتقادات بحكم أن التدريس ليس بالمهمة السهلة ولديها ميكانيزماتها الخاصة التي تشتغل بها والتي تشترط في الإطار الذي يزاولها، خضوعه لمجموعة من الاختبارات والتكوينات قصد تأهيله لممارسة مهمته بشكل أفضل، على اعتبار أن العملية التعليمية هي ممارسة بيداغوجية معقدة تتطلب توفر شروط متعددة والعمل بمناهج محددة لإيصال المعلومة وتحقيق الكفايات المرتبطة بها، وهو أمر يراه المنتقدون لعملية التوظيف المباشر في القطاع يفرض خضوع المرشح لمزاولة مهنة التدريس لمجموعة من التكوينات. وعلى مستوى آخر يذهب البعض إلى وصف التعيين المباشر في قطاع التعليم المدرسي بالكارثة التي حلت به، والتي عمقت أزمة المنظومة التعليمية المغربية، وفي كلتا الحالتين فإن أصحاب هذا الطرح على صواب بالنظر لجسامة المهمة التعليمية وحجم تأثيرها على القطاع، وكدا أهمية التكوين سواء كان أساسيا أو مستمرا لمزاولة مهنة التدريس. إلا أن ما يعاب على العديد من المنتقدين للتعيين المباشر هو هذا الخلط بين انتقاد طريقة توظيف معينة، وربطها بمختلف الاختلالات التي تعاني منه المنظومة بل وحتى ربط بعض الفئات الأخرى في قطاع التعليم بين مشاكلها وبين التوظيف المباشر وجعل هذا الأخير سببا لتردي وضعيتها في ربط لا مجال له، وأصبحت بعض الأصوات تقحم التعيين المباشر في مقارنات تبخيسية تمس بحقوق هذه الفئة من رجال التعليم، وكأنهم عالة على القطاع ولا يشكلون سوى تلك العقبة في وجه الإصلاحات وتطور المنظومة التعليمية. ومن النقط التي يحرص البعض على إدراجها في أي نقاش يتعلق بهذه الفئة نجد مسألة رفض المدمجين للتكوينات من جهة، وعدم إخضاعهم لأي مقابلة أو اختبار من جهة أخرى، وهو ما يستدعي الوقوف عند مجموعة من المغالطات لتصحيحها وتجنيب أساتذة التوظيف المباشر ما لا يحتملون من مزايدات على وضعهم داخل المنظوم التعليمية. فمن المعروف أن تحديد عدد المناصب المخصصة لأصحاب الشواهد العليا في الوظيفة العمومية بشكل عام وقطاع التعليم المدرسي موضوع هذا المقال، تتم مباشرة بعض المصادقة على القانون المالي مطلع السنة المالية، حيث يكون أمام الوزارة الوصية الوقت الكافي لإخضاع المدمجين في القطاع للتكوينات اللازمة، وهو ما ترجئه الوزارة لبداية الموسم الدراسي حيث تبرمج لهم هذه التكوينات في إطار التكوين المستمر، وعلى عكس ما يذهب إليه الكثيرون تماما، فإن المدمجون يطالبون بالتكوين ويلحون عليه قبل مزاولة مهامهم في تلك الفترة الفاصلة بين وضع الملفات وانطلاق الموسم الدراسي، وهو ما لم يكن يلقى تجاوبا من طرف الوزارة لأسباب لا يعلمها المرشحون الذين يدركون جسامة المسؤولية وأهمية التكوين لممارسة مهمة التدريس، مما يجعل القول برفضهم للتكوينات افتراء على هذه الفئة ومزايدة عليها. وعلى مستوى آخر فالشائع أو الذي يشاع من طرف البعض هو أن المدمجين يضعون ملفاتهم ويتجهون مباشرة لأماكن التعيين في بداية الموسم دون الخضوع لأي اختبار، وهذه مغالطة أخرى نجدها في هذا السياق، حيث يخضع المدمجون لما يعرف بالمقابلة التوجيهية التي يحدد على إثرها من سيزاول مهام القسم، ومن سيتجه للمهام الإدارية بناء على تقرير لجنة المقابلة، حيث تم توجيه عدة أطر للمهام الإدارية من طرف اللجان المشرفة التي تتكون من مفتشين وأساتذة مراكز التكوين، وبالتالي فهو ليس تعيينا مباشرا بالمعنى الحرفي للكلمة كما يحاول البعض الترويج له والمزايدة به. إن معيار استحقاق وظيفة في قطاع التعليم المدرسي بعد إجراء مباراة بين المترشحين، إذا كان آلية ديمقراطية تضمن النزاهة وتكافئ الفرص على أساس مدى نجاح المترشح في التعامل مع اختبارات الرصيد المعرفي التي تجعله مؤهلا لخوض المهمة بعد الخضوع لسنة من التكوين في المراكز المتخصصة، فإنه لا يعني إطلاقا فشل من لم يمر بهذه المرحلة في أداء مهمته التعليمية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبر امتحانا يتضمن أسئلة معينة لمدة ساعتين كمعيار لممارسة التدريس، فهذه العملية التي تستهدف تقييم الرصيد المعرفي للمترشح في تلك المدة الزمنية المحدودة، ما هي إلا لفتح مجال التنافس بين الجميع في إطار من النزاهة على المنصب، ولا تعني الإجابة الصحيحة على الأسئلة واجتياز الاختبار، النجاح في المسار المهني بالضرورة، فالممارسة التعليمية هي فن تواصل بالأساس مبني على ضوابط بيداغوجية، ويكاد يجمع كل المتخصصين أن التمكن من ميكانيزمات مهمة التدريس بشكل صحيح يأتي بفعل تراكم الممارسة والتجربة، أي بعد تجريب مختلف الوضعيات التعليمية الفعلية وليس النظرية، خصوصا في منظومة تعليمية مغربية تتميز بالتنافر بين واقعها المعاش وبين مختلف النظريات والوسائل البيداغوجية التي تبقى في أحيان كثيرة صعبة التنزيل على أرض واقع هذه المنظومة، وهو ما يجعل التكوينات نفسها تخضع لانتقادات عديدة نظرا لابتعادها عن الواقع التعليمي في المغرب، مثلما لا يمنع هذا الانتقاد من ضرورة خضوع المرشحين لمهمة التدريس لها كيفما كان الحال، ويجب أن تتحمل الوزارة مسؤوليتها في هذا الصدد، والانتقادات الموجهة إليها بخصوص تقصيرها في هذا الباب لا يجب أن تكون مقترنة بملف مطلبي لفئة معينة وإلا ستعتبر مزايدة فقط، وليس غيرة على المنظومة التعليمية المغربية والرغبة في الرقي بها. إن التأكيد على أهمية الاختبارات والتكوينات قبل ولوج ممارسة مهنة التدريس، قد يكون فيه نصيب كبير جدا من الصواب لكن ليس الصواب كله على أية حال، لأن أخذ الأمور من هذه الزاوية سيؤدي إلى تعميم مجحف في حق الكثيرين، على اعتبار أن هناك نماذج ناجحة لأساتذة لم يمروا بالمباراة واستطاعوا مراكمة التجربة والخبرة والاستفادة من التكوينات المستمرة التي أهلتهم لأداء مهامهم بشكل سليم إلى حد بعيد، في حين نجد نماذج لخريجين من مراكز التكوين يجدون صعوبات كبيرة في ممارسة المهمة، وهي نماذج موجودة على أرض الواقع. إن إصرار الكثيرين على ربط مشاكل قطاع التعليم بأساتذة التوظيف المباشر فيه نوع من المزايدة على فئة لا يجب أن تحمل أكثر مما تحتمل، فمشاكل هذا القطاع يعلم الجميع أنها مرتبطة بسياسات عقيمة على مدى عقود من الزمن، والكل يعرف أن التعليم في المغرب استهدف سياسيا في مراحل عديدة من تاريخه الراهن، والإهمال الذي تعرض له كان متعمدا في عدة محطات من هذا التاريخ والواقع الحالي ما هو إلا تحصيل الحاصل، مثلما أن المشاكل الفئوية التي تستفحل داخل القطاع والتي يصر البعض على ربطها بعملية التوظيف المباشر، ناتجة عن أخطاء تدبيرية يرتكبها المسؤولون عنه ولا علاقة لها بهذه العملية كما يحاول أن يصورها البعض، أما التركيز على مسألة التوظيف المباشر في قطاع التعليم المدرسي وجعلها مشجبا لتعليق كوارث المنظومة التعليمية فلن يحل بأي حال من الأحوال مشاكل القطاع والفئات التي تشتغل فيه، بقدر ما سيزيد من توسيع الهوة بين فئاته التي يجب أن تلتحم للدفع بالتعليم المغربي ورجاله إلى الأمام.