بعض الناس يتصورون أن القوة الكبرى هي في النظام الدكتاتوري، ولكن الديمقراطية تتميز فقط بالحرية دون أن تكون لها القوة، وهذا ليس تصورا سليما، فللديمقراطية لها ايضا القوة الأكثر، وتقدر أن تدافع عن نفسها بجرأة ودراية، بل هي في هذا أفضل من الأنظمة الأخرى الشمولية وغيرها، لأنها تملك قوة كبرى أكثر، إلى غير ذلك، ولا تحظى بها الأنظمة الأخرى كحرية الرأي، والمناقشة الحرة، واحترام حقوق الإنسان الحقيقية، وتقوم على القيم والمبادئ السامية، وتحسن في السلم والحرب، وتقوم على الإخلاص، ولا تتجاهل القيم الرفيعة، وتحارب في ظل القانون، وتحت رحمته، وتعمل من أجل العدل وضد الظلم، وتحارب الإرهاب بالعقاب الذي يردعه، ولا تتورط في ظلم جارح أو استهتار بالقيم والقانون. ونعرف أنه قد تصلنا الأزمات، فيعمل البعض منا خارج القانون، أو يتهرب من أحكام القضاء، وقد يكثر الانحلال، حتى يمكن أن يكون للتلاميذ والآباء والمربون قد يتعاونون على الغش، وقد يرجع الإرهاب بعض المرات، فيسفك الدماء البريئة، وهذا لا يمكن أن نقول عنه أنه يزعج الديمقراطية أو يهتز بها، أو تفقد في نفسها الثقة المعتادة لها عند الأمم والشعوب فكل من هذا هو ميراث من عهود الطغيان والظلم المبرح والاستبداد المقيت، ولكن الديمقراطية الحقيقية تطلب من نفسها أن تقدم المثال والقدوة الحسنة والامثلة في تطهير أجهزتها من الظلم والفساد والتسيب، وعليها أن تحترم العدالة الحقة والقانون الأسمى، كما يجب عليها تنقية سلوكها من الشبهات كالعنف البغيض والظلم المحير للنفوس والعقول والإرهاب المقيت، كما أنها بعد ذلك فهي قادرة على استعمال كل إمكانياتها في أي معركة قد فرضت عليها، وذلك بالحرية المستدامة والرأي الصواب، ولها القوة بذلك مع من لا يعرف إلا حوار القوة، لأن الديمقراطية قوية كثيرا بالقدر الذي هي قانونية وإنسانية وحرة بالحرية الحقة، والعدالة الاجتماعية والقانونية الضرورية التي تأخذ بالألباب وتصعد بالدول إلى الدرجات العليا من التقدم والرقي الحضاري والخلاق بالمبادئ العليا والسامية للتطور الإنساني الرحب والهادف إلى الافضل بناشئتنا وأبنائنا وبناتنا ورجالاتنا ونساءاتنا الفضليات… لأن المفكرين والمبدعين والأدباء عامة يتمنون دائما أن يتهيأ لهم مناخ حر يفكرون فيه ويبدعون دون قيد أو حذر، فإن حظيت إنتاجاتهم بالرضا والقبول (في ظل الديمقراطية الحقيقية) قد يتحقق لهم المراد، والهدف الأسمى والغاية النبيلة، وإذا لم يكن فلا بأس من النقد والمنافسة دون أن يتعرضوا لاتهام أو محاكمة أو مصادرة عن أفكارهم وإنتاجاتهم من أجل التغيير والتقدم الملموس والمنشود. ويمكننا أن نقول ونربط الديمقراطية بحقوق الأنسان (اقتداء بعبارة ريتشاردرورتي: (لقد أصبحت حقوق الإنسان ((واقعا عالميا)) بحيث بلغ مداها وتأثيرها حدا يثير دهشة من صاغو إطار المشروع الدولي لحقوق الانسان. واليوم، إذا أمكن القول إن الخطاب العام للمجتمع الكوكبي في زمن السلم أصبحت له لغة مشتركة، فإن هذه اللغة هي لغة حقوق الإنسان) (1)، فإذا تحققت تحقق العدل والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تنادي بها الشعوب والأمم دائما، وبعدنا كل البعد عن الغوغائية والاستبداد والاضطهادات المقيتة التي ليس لها أي مصوغ في هذا الزمن الذي ينادي فيه الكثير منا بالقسطاس والعدل الحقيقي والحقوق تمنح لأصحابها مع تحقيق الديمقراطية التي هي السبيل للتقدم المتين والتي تدافع عنها كثير من الشعوب والأمم بالتضحيات الجسام. المرجع: (1) من ص 13 و 14 لكتاب “فكرة حقوق الأنسان” من سلسلة عالم المعرفة، تأليف تشارلزآر بيتز، ترجمة شوقي جلال رقم 421 لشهر فبراير 2015