جرائم ضد الذاكرة التاريخية تدمير المعالم الأثرية بمدينة القصر الكبير المغربية بقلم: مصطفى العلالي تعد مدينة القصر الكبير من أعرق المدن بشمال إفريقيا، وكانت تحمل إسم أوبيدوم نوفوم في العهد الروماني وهي تسمية مرادفة للقلعة الجديدة، وتمة أحجار ونقوش وأثار تاريخية عدة تؤكد العمق التاريخي لهذه المدينة التي تقع بشمال المغرب، والتي لعبت أداوارا طلائعية على المستوى الإقتصادي والسياسي والثقافي والديني على مر العصور، غير أنها اليوم تواجه خطر المحو الذي يستهذف ذاكرتها الحية في إطار ما يعرف بعمليات الترميم. ومن أجل تسليط الضوء على طبيعة هذا الخطر أعددنا الورقة التالية.عتب يأتي هذا المشروع لكسر حاجز الصمت عما يجري بالمدينة العتيقة بالقصر الكبير وتحديدا "عدوة باب الواد"، فيما يعرف بعملية ترميم المباني التاريخية والأثرية في إطار الشراكة بين المجلس البلدي وحكومة الأندلس. في البداية لا يسعنا إلا أن نتمن العمل. وسنعتبره خطوة أولى لرد الاعتبار للمدينة. وإبراز إسهاماتها ومكانتها التاريخية. إذ كان من المفروض أن يتم الالتفات إليها من قبل. خاصة وأنت تطوف بالقصر الكبير- الشريعة وباب الواد – تجد التاريخ ناطق في كل ركن من أركانها. وإنه ليحز في النفس أن تلاقي آثارنا المعمارية الإهمال.ولا نتحرك إلا يوم ينهار صرح أو يتهاوى جدار أو تشوه معلمة. بل أكثر من ذلك نبقى مكتوفي الأيدي أمام الحملات المنظمة. لتدمير ما تبقى من معالم أثرية للمدينة ونلوذ بالصمت الذي يعتبر بمثابة تزكية ومشاركة، وإن لم تكن صريحة فهي ضمنية فيها يجري.على العكس من ذلك يجب فتح باب النقاش والمشاركة عن طريق طرح أسئلة نعتبرها جوهرية. من قبيل ما هي الغاية والهدف من عملية الترميم؟ وهل تخضع لمعايير وقوانين الترميم؟ وهل تم إشراك المجتمع المدني؟ قبل كل شيء نود أن نشير إلى أن عملية ترميم المباني التاريخية. ليست بالعملية السهلة بل عملية معقدة. تحتاج إلى إمكانيات مادية وبشرية هائلة. إذن فهل الشركات التي تباشر العملية تتوفر على أطر متخصصة في مجال الترميم الأثري؟ ومن هو المسؤول من طرف المجلس البلدي الذي يشرف على عملية الترميم؟ وهل هو متخصص؟ وأين دور وزارة الثقافة في هذا المشروع؟ ام إن العملية تجري خارج حيز تاثيرها؟وماهو دور الشريك؟ وهل هو مجرد ممول؟ وماهي غاياته من هذا المشروع؟ وأين أطره الساهرة على إنجازه؟ كل هذه الأسئلة التي نعتبرها مشروعة من المفروض أن يجيب عليها المجلس البلدي لكونه ممثلا للسكان وشريكا أساسيا في هذه العملية، ثم إن هذا المشروع الكبير يهم بالأساس الذاكرة الجماعية القصرية، وأي عملية تشويه لهذه المباني وإفقادها قيمتها التاريخية يتحمل فيها المجلس البلدي المسؤولية التامة.كما يحق لنا أن نتساءل عن العوائد الاقتصادية التي من المفروض أن يحققها المشروع لسكان القصر الكبير، وفي أي مخطط يمكن تأطيره؟ وهل عملية الترميم ستشمل المدينة القديمة كلها أم ستقتصر على بعض المعالم التاريخية دون أخرى؟ إن نظرة بسيطة إلى عملية الترميم هذه تطرح مجموعة من علامات الاستفهام حول مطابقتها للمواصفات المتعارف عليها دوليا، إذ يبدو أن العملية تتم بشكل عشوائي ولا تخضع إلى قوانين الترميم التي تحافظ على المباني التاريخية في شكلها الأصلي. وذلك عن طريق تجنب هدم هذه المباني مادامت تتوفر فيها شروط الحياة والاستمرار في الزمن.وإن اقتضى الحال وتم هدم بعض هذه المباني، فيجب على المرمم أن يعيد بناءها بنفس المواد. أي إعادة استعمال نفس الأحجار أو الآجر في عملية البناء، وإذا كانت هذه الأخيرة غير قابلة للبناء، فيجب استبدالها بغيرها، على أساس أن تكون من نفس النوع وتتخذ نفس الأحجام والقياسات والشكل... بالإضافة إلى استعمال نفس مواد البناء الأخرى مثل الجير والطين في بناء وترميم الأسوار، والأخشاب والقرميد في ترميم السقوف، وإعادة الفخار إلى مكانه الأصلي... كما يجب الحفاظ على نفس أحجام وقياسات الأسوار من حيث الطول والعرض والعلو، مع الحفاظ على الزخارف والنقوش الموجودة بها في شكلها الأصلي.إلا أن المتتبع لهذه العملية: لا يمكن إلا أن يصفها بالعبث وتشويه تاريخ هذه المدينة ومحوا لذاكرتنا الجماعية. إذ يظهر بوضوح تغير بعض معالم المدينة وخاصة الأقواس التي كانت تميز مدخل المدينة العتيقة "عدوة باب الواد"، حيت تم تهديمها وإعادة بناءها بطريقة لم تراعى فيها معايير الترميم التي ذكرنا. إذ كان بالإمكان ترميمها دون هدمها هدما تاما، وإن تجاوزنا العملية الأولى، فالمعروض أن تستعمل نفس الأحجار وقياساتها، وإذا افترضنا أن العملية الثانية قد تمت، فإن الظاهر للعيان أن الأقواس فقدت شكلها الهندسي الأصلي، من حيت شكل الأقواس أولا، ثم من ناحية العلو ثانيا، مع العلم أن أقواس المدينة العتيقة تتميز بانخفاضها وذلك دليل قدمها.-قوس سيدي قاسم بن زبير- أقواس حي الديوان- أقوس حي القاطنين-، فما هي الغاية من الزيادة في علو الأقواس؟ والأكثر من ذلك أن الأقواس فقدت الزخارف والنقوش المميزة لها فأصبحنا أمام أبنية تاريخية جديدة لا تمت بصلة إلى الأقواس المميزة لمدينة القصر الكبير بقدر ما تعتبر هذه الأقواس عن الفن المعماري المغربي في مدن أخرى مثل الرباط... ولا تعتبر عن الطابع المعماري العتيق بالقصر الكبير، أو تحترم خصوصيته المغربية الأندلسية. فأقل ما يمكن أن يقال عن هذه العملية. أن تم فيها استبدال أقواس عمرت في الزمن تعتبر عن خصوصيتنا في مجال التعمير بأخرى جديدة عمرها شهرا أو شهرين دخليه على مجال فن العمران القديم بالقصر الكبير.أما بخصوص "الدراز الكبير"، والذي يرمز إلى الحركة الصناعية والتجارية بالقصر الكبير مند قرون مضت، فلا نعرف كيف تمت العملية ولا يمكننا تقييمها و إصدار أحكام بشأنها بالإيجاب أو بالسلب لأننا لم نستطع تتبع العملية، لذا صار من الضروري استدعاء متخصصين لتقيم العملية، وتنوير الرأي العام بالمدينة. كما يحق لنا أن نتساءل عن مصير "الدرازات الأخرى" وخاصة الدراز الموجود بحي الديوان بالقرب من مسجد الزليج. أما بخصوص عملية "دار الدباغ" فقد استطعنا تتبع العملية، وذلك بالاعتماد على شهادات بعض الصناع المنتمين إلى تعاونية الدباغة.وقبل الخوض في عملية الترميم تجدر الإشارة إلى أن القصر الكبير من المدن القليلة بالمغرب التي تتوفر على دار لدباغة الجلود، وهي بذلك مثلها مثل "الدراز الكبير" تؤرخ للنشاط الاقتصادي للمدينة، كما تعتبر حاضنة للموروث الثقافي الشعبي وذلك عن طريق ارتباطها بمجموعة من الأساطير الشعبية ذات مدلولات روحية وسياسية وثقافية واجتماعية... أما بخصوص عملية الترميم، فإن هدم الغرف المحيطة بالمدبغة وإعادة بنائها تمكننا من القول أنها احترمت إلى حد ما المعايير المتعارف عليها، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الزيادات –بناء غرف أخرى- إذ تتناسب هذه الزيادات مع الشكل العام للمدبغة ولا تحدث القطيعة معه.لكن الخطير في العملية هو ما تعرضت له الصهاريج التي يتم دبغ الجلود بداخلها من اعتلاء أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه همجي.فمن خلال تصريحات بعض الصناع الذين صرحوا لنا أن هذه الصهاريج كانت وما تزال تؤدي دورها بشكل جيد، مما يجيز لنا أن نتساءل عن سبب هدمها؟ هل هو الجهل بقيمتها التاريخية؟ أم غياب المتخصصين الذين يباشرون عملية الترميم كان وراء تدميرها؟ أم العاملين معا؟أسئلة نترك الإجابة عليها لأصحاب المشروع. لقد كانت هذه الصهاريج في بداية لأمر عبارة عن أواني فخارية سماها أحد الصناع "بالقلال" وآخر "بالقصاري"، وقد كان يحفر لها في الأرض على عمق متر تقريبا، ومع مرور الوقت وازدياد الضغط عليها إما بواسطة ثقل المياه والجلود التي كانت توضع بداخلها من جهة، أو كثرة الاستعمال من جهة أخرى، أدى إلى انغراسها في الأرض أكثر، مما اضطر الصناع إلى إنشاء بعض الزيادات على حوافها، إما بواسطة أحجار أو الآجور لمنع دخول الأتربة والبقايا المحيطة بالصهريج، إضافة إلى استعمال مواد أخرى في لصق الحجر ببعضه دون أن تؤثر عليها المياه أثناء عملية الدبغ، إن هذه المواد تؤرخ لحقبة تاريخية معينة ونمط في البناء قديم وخاص جدا. وتختلف هذه الصهاريج من حيث الحجم والعمق وأيضا من حيث العمر. كما أن هذه الأواني الفخارية تؤرخ لحقب مختلفة من تاريخ صناعة الجلود بالقصر الكبير.وقد تعرضت هذه الصهاريج للهدم وتم تكسير جل "القلال" أو "القصاري" الموجود بالصهاريج، وأعيد بناؤها بطريقة لا تمت بصلة إلى الصهاريج السابقة، إذ تم استعمال مواد جديدة في البناء وتم تعويض "القصاري" أو "القلال" بالآجر والإسمنت، مما أفقد الصهاريج قيمتها التاريخية والأثرية.انطلاقا مما سبق يحق لنا أن نتساءل عن مصير ما تبقى من الأواني الفخارية (القلال) أو "القصاري" هل سيكون مصيرها المتاحف المكان الطبيعي لها؟ أم سيكون مصيرها التلف والتدمير، وإن لم نقل السرقة؟ألم يكن من المفروض أن تسبق عملية الترميم إنشاء متحف للمدينة؟ خاصة وأن الموجودات الأثرية التي تم العثور عليها في عمليات الترميم السابقة، لم يعرف مصيرها، ولم يسبق لنا كسكان للمدينة أن تعرفنا على هذه اللقى أو رأيناها ونتوقع مصيرا مشابها بالنسبة للقى الأثرية التي يمكن أن تظهر خلال عمليات الترميم هذه، وخاصة اللقى ذات الأحجام الصغيرة مثل النقود وأدوات الزينة، أو بعض الكتابات على الأحجار أو النقوش والتي لا يمكن أن يتعرف عليها إلا ذوو الاختصاص.هذا بالإضافة إلى أن محيط القصر الكبير يعد بالشيء الكثير في مجال البحث الأثري سواء في المواقع المعروفة مثل موقع "معركة وادي المخازن" الغير مدروس أصلا، أو المواقع التي تم اكتشافها حديثا مثل موقع "عزيب السلاوي"... أو المواقع الموجودة في بطون الكتب الوسيطية، وتنتظر الإرادة الحقيقية للكشف عنها.إن عملية ترميم "دار الدباغ" و"الدراز الكبير" و"أقواس المدينة العتيقة" تمر تحت إشراف المجلس البلدي ومراقبته، مما يجيز لنا أن نتساءل حول المسؤول أو المسؤولين الذين عينهم المجلس البلدي للمراقبة والإشراف على عملية الترميم؟ وهل هم من أهل الاختصاص؟ إذا كانوا متخصصين للمراقبة والإشراف على عملية الترميم ؟ وهل هم من أهل الاختصاص؟ إذا كانوا متخصصين فهل سيقدمون تقديرهم من اجل تنوير الرأي العام؟وما ينطبق على أصحاب المشروع ينطبق على الشركات التي تنجزه، فهل يقود عملية الترميم أطر متخصصة، بناؤون مهرة، مهندسون وأركيولوجيون متخصصون في الترميم الأثري؟يبدو أن الأطر المتخصصة بعيدة كل البعد عن هذه الشركات، وإن لم تكن كلها فبعضها. ويتجلى ذلك في حركة الهدم والبناء التي تشهدها عدوة "باب الواد" وخاصة "حي الديوان" و"القطانين" بحيث لم نعرف أين نؤطر هذه الحركة، فهل نؤطرها ضمن عملية ترميم المدينة العتيقة؟ أم أنها بداية عملية بناء مدينة جديدة على الطراز القديم؟ يبدو أن العملية الثانية هي الراجحة، إذ يتم إصلاح مجموعة من الدور العتيقة بطريقة وإن حافظت على الشكل، فهي تتم بمواد بناء حديثة عوضا عن بناءها بنفس موادها، الأمر الذي يفقد المدينة إرثها المعماري القديم. إذ كان على المتدخلين في المشروع – المجلس البلدي- والوزارة الوصية، وشركة العمران-احترام العمق التاريخي للمدينة، عن طريق بنائها بنفس الطريقة القديمة، خاصة وأن السكان يعانون من غياب اليد العاملة الماهرة في مجال البناء العتيق، إضافة إلى ندرة بعض المواد وارتفاع أثمنتها مثل الأخشاب (خشب الأرز اللرز) (خشب الشوك...) وبالتالي لا يبقى أمام السكان سوى الخضوع لوسائل البناء الحديث.وأمام معاناة السكان كان يتوجب على المجلس البلدي أن يتعاقد مع شركة متخصصة في مجال العمران القديم، من أجل أن يحافظ على الموروث العمراني "لعدوة باب الواد" الخزان التاريخي والأثري للمدينة.لكن من حسن حظ المدينة أنها غنية بالعمارة الدينية، إذ تعتبر من أولى المدن في عدد المساجد والأضرحة والزوايا وهي منتشرة في كل أحياء ودروب المدينة العتيقة تقريبا، وغالبا ما تتخذ هذه الأحياء والأزقة أسماء بعض الأولياء أو المساجد أوالزوايا.إن عملية الإصلاح مست بعض الأضرحة ذات القيمة التاريخية الكبيرة سواء من حيث الشخصية المدفونة بها أم على مستوى الفن المعماري الموجود بالضريح، ونسوق مثالا على ذلك ضريح رمز من رموز المدينة بشكل خاص والمغرب والأندلس بشكل عام، إذ بفضله نالت المدينة الزعامة الروحية والسياسية. ويتعلق الأمر بضريح "مولاي علي بوغالب" الذي عرف العديد من الإصلاحات العشوائية ولم تراع فيها قيمة الضريح التاريخية أو احترام الطراز المعماري الذي يميز بناءه، وخاصة النقوش والكتابات الموجودة على الجبس في القبة الواقعة في يمين الضريح التي أعيد بناءها بمواد جديدة، زد على ذلك الإهمال الذي طال أرضيته المتفردة (الأحجار المرصوفة عند المدخل) نفس المصير تعرفه أضرحة أخرى، وأن لم تعرف تشوهات بنفس الحدة، إلا أنها تعرف إقحام مواد جديدة في أبنية قديمة، كاستبدال الأرضيات وتغيير شكل السقوف من خشبية إلى أسمنتية، ويتم تدعمها بالسواري. هذا دون أن ننسى بعض الأضرحة التي تعرضت للتدمير والإزالة، وأخرى تنتظر دورها "سيدي الخراز" "للاعائشة الخضراء".ما قلناه عن الأضرحة يقال كذلك عن الزوايا، إذ تعرف بدورها نفس المصير ويتم إصلاحها دون مراعاة لقيمها التاريخية، فرغم تميز هذه الزوايا ببناء معماري بسيط خال من التعقيدات الزخرفية والمعمارية مع بعض الاستتناءات، وهي خاصية مميزة للأضرحة والزوايا بالقصر الكبير عن غيرها في مدن أخرى، لذا يجب المحافظة عليها في شكلها الأصلي، وإن أجريت إصلاحات أو تعديلات فيجب أن تتوافق مع الشكل المعماري القديم، ومن حسن حظ هذه الزوايا أنها حافظت على الأقل على أشكال الأقواس والزخارف والنقوش المميزة لها خاصة عند مداخل الأبواب الرئيسية.كما تعرف بعض المساجد ذات القيمة التاريخية الكبيرة، موجة من الإصلاحات إما بتدخل من الأحباس أو بتدخل من السكان بهدف حمايتها من الإنهيار.وتتميز هذه المساجد بالتنوع من حيث أشكالها واختلافها في التصميم والهندسة المعمارية، وتباينها من حيث المساحة، كما تتميز صوامعها بأشكال هندسية متميزة تنسجم والطابع المعماري العتيق للمدينة، وإن وجدت هذه الصوامع بمدن أخرى، فإنها لا يمكن أن توجد مجتمعة في مدينة واحدة، وبهذه الكيفية إلا في مدينة القصر الكبير.وتتعرض هذه الصوامع كغيرها من المباني الأخرى إلى عملية تشويه، سواء من حيث شكلها، كما حدث مع صومعة "الجامع الكبير"، أثناء الترميم أو الإصلاح الذي أفقدها طابعها الموحدي وكذلك التغير الذي عرفته صومعة "سيدي يعقوب" في وقت سابق. ونجد نفس العملية تستمر، ولكن ليس من حيث الشكل، وإنما عن طريق إقحام مواد جديدة في عملية الإصلاح مثل الصباغة بالكريفي كما هو حال "مسجد المرس" الأمر الذي يفقده طابعه المميز القديم.بالإضافة إلى ذلك تعاني مجموعة من المساجد التاريخية من خطر الانهيار "جامع الحدادين" و"الجامع الموجود بسوق الصغير" قرب الجامع الكبير والمغلق حاليا.أما بالنسبة للمباني الأخرى فلا نعرف كيف سيتعامل معها المجلس البلدي، مثل "الفنادق القديمة" والتي راكمت من تاريخ المدينة الشيء الكثير، من الناحيتين المعمارية والثقافية. وما هو مصير السور التاريخي للمدينة "السور الموحدي"؟ هل تحفظ الأجزاء المتبقية منه والماثلة للعيان أمام سيدي بلعباس وبمحاذاة دار الدباغ وبقاياه التي تم البناء فوقها بالقرب من حي المطيمار وبترخيص من المجلس البلدي؟ وهل سيتم الكشف عن ادراجه الموجودة بنفس المكان؟ أم سيكون مصيره النسيان والإهمال؟إن هذه المآثر التاريخية لا تحتاج إلى إمكانيات ضخمة بالقدر الذي تحتاجه المعالم الأثرية الأخرى المدفونة تحت الأرض، والتي تتطلب إمكانيات مالية هائلة، وطاقات بشرية كبيرة.إذ تقتضي العملية، الكشف على الأثر أولا، ثم استخراجها، وتحديد عمرها، والمحافظة عليها أخيرا، وعلى العكس من ذلك فإن المآثر القائمة لا تتطلب إلا المحافظة عليها، فلماذا إذن تدميرها وإفقادها قيمتها التاريخية؟ هل غياب الوعي لدى المسؤولين بأهمية هذه المباني وقيمتها التاريخية من جهة أولى، وأهميتها الاقتصادية من جهة ثانية؟ أم غياب الوعي لدى الساكنة القصرية بأهمية الموروث العمراني والثقافي بالمدينة هو الذي يجعل عملية الترميم تمر بهذه الطريقة؟ إذا كان الأمر كذلك فأين دور المجتمع المدني بكل تنوعه وتفرعه؟ونسائل هنا بالدرجة الأولى الجمعيات المهتمة بالحقل التاريخي، فهل تمر عملية الترميم بمباركتها؟ فإذا كان الأمر كذلك، يتوجب عليها المساهمة في تنوير الرأي العام المحلي وإشراكه فيما يجري، إما بواسطة ندوات أو مقالات في الجرائد، او عن طريق اللقاءات المباشرة مع السكان...، حتى تمر عملية الترميم على أحسن وجه ويتفاعل معها الجميع.أما إذا كانت غير مشركة في العملية، فيجب عليها تتبعها، والوقوف على الإختلالات، وإشراك الرأي العام فيها، كما يجب أن تتدخل بشكل إيجابي إذا كانت العملية تعرف مسارها الصحيح.وما يقال عن الجمعيات المهتمة بالحقل التاريخي، يقال عن الجمعيات المتدخلة في الحقل الحقوقي، لأن حماية التراث الثقافي والتاريخي للإنسانية يدخل ضمن اختصاصاتها، وهو بمثابة التزام على عاتق كل فرد من أفرادها.إذ تقع على عاتق الفرد مسؤولية حماية التراث التاريخي والثقافي للإنسانية والمحافظة على المعالم الثقافية من السرقة والتدمير والتشويه... كما تقع على عاتق الفرد مسؤولية احترام الطبيعة، وحماية المصادر الطبيعة الحيوية، مثل الماء والهواء والغابات والأرض والتعامل معها باعتبارها ممتلكات عامة للبشر والكائنات الحية.وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحقل (علم الآثار) منظم بضهائر وقوانين زجرية، يتطلب إخراجها إلى الوجود في حالة عدم احترم المعايير المنظمة لعملية البحث الأثري.هذا وتشترك في المسؤولية جميع الإطارات المدنية، وأيضا السياسية التي تروم إلى تسير الشأن المحلي. إذن فلماذا لا تدرج تأهيل المدينة العتيقة ضمن برامجها؟ هل يغيب لديها الوعي بأهمية المدينة القديمة ثقافيا واقتصاديا ؟ ثم لماذا لا يتم الاستفادة من الموروث العمراني للمدينة القديمة واتخاذه قاعدة لتحريك مشاريع اقتصادية تفك العزلة عنها؟ خاصة وأن للقصر الكبير موقع جغرافي متميز قادر على ربطه بالمدن الساحلية المجاورة، والاستفادة من مؤهلاتها السياحية، أولا: مثل أصيلةالعرائش ومولاي بوسلهام....ثم الإمكانيات السياحية التي يوفرها مجال القصر الكبير ثانيا.إن مثل هذه الإمكانيات لا تتوفر للمدن السياحية الكبرى خاصة القرب من المدن الساحلية.بالإضافة إلى الموقع تتوفر للمدينة إمكانيات أخرى هائلة، سواء من ناحية الموروث الفني الأصيل أو على مستوى الحرف التقليدية والتي تعاني من قلة الإمكانية وغياب الدعم.... وأيضا وهو المهم قدرة المدينة على خلق سياحة ثقافية بديلة للنموذج السائد.أن نجاح مثل هده المشاريع لا يتطلب سوى إمكانيات بسيطة، تدخل ضمن المطالب البدائية للسكان. مثل: ربط المدينة بمحيطها عن طريقة تحسين الشبكة الطرقية، وتوفير النقل، وخلق بنية استقبال، وإنشاء فضاءات ثقافية مثل المسرح- السينما- دار الشباب- منتزهات ومسابح بلدية.....إذا كان المجال العمراني القديم يوفر كل هذه الإمكانيات لحل مشاكل وأزمات تعاني منها المدينة، فكيف نفسر عدم تدخل الإطارات السياسية في المشروع ؟ وأين هو دور الجامعة في هذه العملية وخاصة جامعة عبد الملك السعدي ؟ والتي تتوفر على أطر متخصصة سواء في التاريخ القديم أو الوسيط، ووجود شعب خاصة بالأركيولوجيا وأخرى خاصة بحماية التراث، وماستر خاص بالأندلس خاصة ما تتعلق بالمناطق الشمالية وعلاقتها بالثقافة الأندلسية.ألم يكن من المفروض أن تكون شريك أساسي في العملية ؟ إذن فما هو سبب غيابها؟ أم تم تغيبها؟ مهما يكن الأمر فإن تدمير أوتشويه المعالم الأثرية للمدينة، يتحمل فيها المجلس البلدي كامل المسؤولية، بالإضافة إلى الشركاء والمتدخلين في العملية.أما آن الأوان لكي تتدخل الإطارات المدنية والسياسية في المشروع بكل السبل المتاحة من أجل حماية الموروث الثقافي والعمراني للمدينة، باعتباره ملكا لنا وللأجيال المقبلة.