تم في الفترة الأخيرة تخصيص يوم للقراءة بمدينة القصر الكبير في إطار حملة وطنية يقوم بها العديد من الفاعلين، و ذلك من أجل تشجيع الناس من كافة الأعمار على الاستئناس بالكتاب باعتباره خير صديق للإنسان. وقد اجتمع العديد من الغيورين في حديقة السويقة حسب ما شاهدته من صور مثبتة في الانترنيت من أجل التحسيس بأهمية القراءة . غير أن ما أثارني و شد انتباهي هو ذلك المشهد الخلفي للصور الفوتوغرافية ، وأعني الحديقة أو في الحقيقة ما تبقى من حديقة كانت في عهود مضت جميلة تشهد عليها صور احتفظ بها، وترجع إلى عهد الحماية الاسبانية للمدينة. سيعتقد كل زائر جديد للمدينة أن هذه الأخيرة تتوفر على حدائق فسيحة وجميلة و متنوعة في كل الأشكال و الألوان، إذا أخدنا بعين الاعتبار ما يجاور المدينة من حقول شاسعة و مزارع عصرية و يعطرها من أريج نعناع لذيذ منبعثة في مشاتل صغيرة مجاورة لضفتي واد لوكوس. غير أن واقع حال يبقى صادما بكل امتياز، بسبب الهجوم الشرس الذي تعرضت إليه المدينة من "عشاق الإسمنت" منذ الاستقلال و إلى حدود اليوم في تواطؤ من الجميع، و بسبب انعدام أية سياسة إيكولوجية ، مما جعل المدينة تشبه معتقلا بشعا، و هذا يذكرني بذلك الفيلم الأمريكي الشهير الذي يحكي عن قصة هروب مثيرة من سجن شهير اسمه ألكاتراس. لو قدر لأحد أن يتفرج على مدينة القصرالكبير من السماء فسوف يلاحظ أشياء عجيبة و غريبة في تلك البقعة المغلوب على أمرها ، فهذه المدينة المخضرة من كل محيطها تشبه كومة كبيرة من الإسمنت المختلط الألوان، و لا توحي لأحد أننا حقا فوق مدينة أسست في واحدة من أخصب أراضي المنطقة ، بل ربما "سقطت سهوا" في أحد الصحارى الأفريقية. كما سيلاحظ المتفرج أيضا أن كومة الاسمنت هذه تتخللها بعض النقط الخضراء الصغيرة المتناثرة و المتباعدة هنا و هناك، مما يجعلها تبدو كسراب واحات في تلك الصحارى المترامية الأطراف. و حيث أن الحال في مدينة القصر الكبير هو كومة من الإسمنت البشع، فقد يتساءل البعض عن سر تلك النقط الخضراء المتناثرة في بعض الأحياء ، فسيكون الجواب مع الأسف هو أنها ما تبقى من أشجار و حشائش الأضرحة و الزوايا الغارقة في القدم و النسيان،إضافة لحديقتي السويقة و السلام التي بنيتا في عهد الاستعمار، و التي لم يتم إضافة أية حديقة أخرى منذ الاستقلال و إلى حدود كتابة هذه السطور، في غياب أية رؤية واضحة تعكس أهمية البعد الايكولوجي في المدينة. و الأخطر من ذلك أنه لم يتم حتى الحفاظ على هاتين الحديقتين بشكلهما الحقيقي كمتنفسين طبيعيين للمدينة، بل تم تشويههما بشكل وحشي سافر، لا يعير أي اهتمام لدورهما الجمالي و البيئي. فبدل أن يكون هذان المكانان العموميان فضاء للسكينة و الهدوء و التأمل بعيدا عن صخب الحياة، و استنشاق شيء من الهواء العليل ، أصبحا و في الكثير من الأحيان مرتعا للسكارى و المشردين، و تارة أخرى "مسبحا عموميا" يرتاده أطفال أبرياء في عز القيظ يغطسون في مياه نافورتهما المليئة بالقاذورات الآدمية ، في غفلة من والديهما و أحيانا بتشجيع مباشر منهما. و للأسف فقد تعرضت هاتان الحديقتان أيضا منذ الاستقلال لاعتداءات متكررة من أشخاص كان من المفروض أن يرمموهما بشكل لائق، و يحافظوا عليهما كجزء من ذاكرة المدينة، لكنهم يأبوا إلا أن يعاكسوا كل ما هو جميل، و بالتالي مسخوهما بترميم بشع يفتقد للذوق الجميل واللمسة الفنية المبدعة . ألا يستحقان بالفعل اهتماما أكثر...؟ *العاصمة ملابو، جمهورية غينيا الاستوائية. شروط التعليقات الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن وجهات نظر أصحابها وليس عن رأي ksar24.com