كنت دائما أقول أن وحده الشعب القادر على التغيير , وأن قضية الأمة *فلسطين* لايمكن أن تفك قيودها إلا بثورة الشعوب ضد النظام المستبد الذي يطبقه حاكم هذا الشعب. لكنني حينما كنت أرى الشعوب منغمسة ومنهكة في البحث عن لقمة العيش , مطأطئة الرأس لكل قرارات الخزي والعار من أول بقعة على هذه الأرض إلى أخرها , أقول حسبي الله ونعم الوكيل في مثل كهذا شعوب. إلا أن الاجتياح الأخير في تونس ثم مصر وتمتد الانتفاضة بإذن الله حتى يسقط كل الخونة , خونة الأرض والعرض والشرف. أكد لي أن الشعوب تعدت مرحلة الاهتمام بالحصول على لقمة العيش وطأطئة الرأس لكل نظام فاشي , تيقنت ساعتها أن ساعة النصر آت وأنها أيام قليلة وننسج على أرض فلسطين علم الحرية. اليوم يمكنني أن أقول أن طيور النورس بامكانها أن تحلق فوق قبة القدس , فدم الشهيد تعدى حدود فلسطين , حتى يصل أريجه إلى أخر بقعة داخل هذا العالم. أثناء الاجتياح الأخير على غزة , صرخنا ضد الظالم المستبد , حينماانسحب شارون من غزة وسلمها الى أيد أمينة للصهيونية ، وهذا مابرهن عليه مبارك حتى بعد اختفاء شارون لأن مبارك رجل مبادىء يتعامل مع الصهيونية كرسالة وليس تعامل مع أشخاص فهو يحب رابين ووايزمان واليعازر وكل من يحكم اسرائيل . فعندما يتعلق الامر بالعدوفهو رجل المبادىء الذى لايتزعزع . وهويغلق معبر رفح باحكام واصرار عجيبين . ويعتبر غزة ارض محتلة تبعا للعدو رغم أن العدو انسحب منها ، وترك له دور السجان على معبر رفح ، ثم تطور دوره لمحاربة الانفاق وقتل الفلسطينيين بالغازات السامة ، وبضخ المياه فى الأنفاق ، وهاهو يملى على صبيه وزير الخارجية أن يصرح تصريحاته الصفيقة عن قطع أيدى وأرجل الفلسطينيين اذا جاءوا طلبا للغذاء أو الدواء . وهو يمكن أن يسمح للمظاهرات أن تلعن فيه وتطالب بسقوطه ولكن لايسمح بأى تظاهرة تجاه العريش أو رفح أو عند السفارة الاسرائيلية والسفارة الامريكية . فهو مستعد أن يكون ممسحة البلاط ولكن يدافع عن اخوانه الصهاينة حتى الرمق الأخير. لكننا لم يكن باستطاعتنا أن نكسر قيود الجبن , وأن نوقف المهزلة , مهزلة تواطئ البقرة الضاحكة مع العدو , شعرت بالخزي والعار ساعتها , تقززت من نفسي , لأنني اكتشفت ساعتها بأني نفسي نفس جبانة عند أهم محطات الحياة بها . ومرت السنون , ودون سابق إنذار فجأة نستيقظ على حلم راودنا منذ سنوات طويلة , يعيد لروح الشهيد عزته وكرامته , يعيد للقابعين داخل زنازين الذل والاستعباد الأمل في أنه لازالت طيور النورس تحلق فوق زنازينهم. حلم ينطلق كطائر حر يسربل السحاب ويفند الحدود ويمسك بمعصم الآخر يقوده من ورائه للصلاة في القدس. سقط الطاغية , أكبر عميد للموساد ,سقط كما تسقط الذبابة وهي تبحث عن مأوى داخل مستنقع القمامة. وصدق الله العظيم اذ يقول في كتابه العزيز: *يمهل ولايهمل*. لاأدري أي نفس بشرية يحملها هذا الرجل , كيف كانت تطاوعه نفسه , أن يجلس في الصفوف الأولى وراء إمام المسجد لصلاة الجمعة , أي ذبيحة هذه التي كان يذبحها نيابة عن شعبه يوم العيد, أي روح هذه التي تطوق جسده وهو يرى العدو يقتل ويذبح في أبناء عمومته, أي لغة هذه التي يتحدث بها مع العدو حتى يضع يده في يده ويقهقه , قهقهة مليئة بالخبث. رجل ؟؟؟؟؟؟؟؟ من المستحيل أن تكون رجلا . أنتم أشباه رجال تعيشون الظلمة في عز النهار. وكأني بسرب من الحمام الزاجل قادم يحط كل مرة في بقعة ما من على هذه الأرض , يمزق الطغاة واحدا تلو الآخر , وفي نفس الوقت يبعث برسالات الحب والسلام لكل ساكني هذا العالم. ينسج علم الحرية , يرفرفه ابتداء من أعلى قبة القدس إلى أخر بقعة تعيش الظلم والجبروت وكل مظاهر الألم داخل هذا العالم. صدقت أيها الشاعر, من تونس إلى مصر إلى أخر بقعة تحط فيها أقدام نتنة جعلت من تواطئها مع العدو لغة رخيصة لأجل الفوز بدنيا , بليد من يحسبه خالد عليها , وأن الحياة عليها لاتتعدى الحصول على قصر داخل دولة أجنبية , أو طائرة خاصة والملايين من زخرف الدنيا المكدس داخل أبناك الذل والاستعباد. الحياة على هذه الأرض لغة نبيلة , تجسد كل مظاهر الرحمة التي جاء بها المبعوث رحمة للعالمين. لغة لايفهمها ولايتعامل بها الا من يرى في القدس وطننا ينزف شعبا , ينزف وطنا.