صدر، أخيرا، للدكتور بوشعيب المسعودي كتاب جديد بعنوان "الوثائقي أصل السينما"، وهو ثمرة بحث وتنقيب للكاتب الذي راكم تجربة مهمة من خلال ترؤسه دورات مهرجان خريبكة للفيلم الوثائقي. ينحو الكتاب الجديد نحو لفت الانتباه إلى الأهمية التي يكتسيها الشريط الوثائقي، مقارنة مع الشريط السينمائي الذي حظي باهتمام واسع من طرف النقاد والمهتمين واُلفت فيه العديد من المؤلفات، ليأتي كتاب "الوثائقي أصل السينما" ليكون بمثابة خطوة في اتجاه رد الاعتبار إلى هذا الجنس الفني. وتناول المسعودي في كتابه، الذي يقع في 134 صفحة من الحجم المتوسط، موضوع الفيلم الوثائقي عبر تسلسل تاريخ هذا النوع من الأفلام، محددا بعض المفاهيم الخاصة بالفيلم الوثائقي وولادته وتطوره عبر العصور. وينطلق المسعودي في كتاب "الوثائقي أصل السينما" من مقاربة تاريخية، تعود إلى اللحظة التي ولدت فيها السينما الوثائقية مع الأخوين "لوميير" خلال بدايات القرن الماضي. كما يشرح الكتاب خصائص الفيلم الوثائقي مميزا إياه عن الفيلم الروائي، ويبدأ بتعريفه قائلا "الفيلم الوثائقي هو فيلم بدون ديكور وبدون ممثلين" ويمتاز هذا النوع من الأفلام، حسب المسعودي، بجمعه بين السهولة والصعوبة في الآن نفسه. واعتمد بوشعيب المسعودي في كتابه الجديد تقسيما منهجيا روعي فيه التسلسل بشكل تدريجي لتوضيح المقاصد والغايات من وراء الفيلم الوثائقي، فالقسم الأول اعتمد فيه تحديد المفاهيم، أما الثاني فحاول فيه تعريف الفيلم الوثائقي، بينما خصص القسم الثالث من الكتاب للحديث عن صناعة الأفلام الوثائقية انطلاقا من الفكرة ووصولا إلى الإخراج والمراحل الفاصلة بينهما، فيما تطرق في الفصل الرابع إلى أنواع الفيلم الوثائقي. واتخذ المسعودي من الفيلم الوثائقي العلمي نموذجا، بينما خصص بقية الأقسام للحديث عن تجربة الأفلام الوثائقية في إفريقيا والدول العربية، و"نقد الفيلم الوثائقي"، و"اختلاف وتمييز بين الوثائقي والروبورتاج"، كما خصص القسم الأخير من الكتاب ل"الفيلم الوثائقي وسط الوثائقيات والمهرجانات" مقدما المثال بتجربة المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة. ويذهب الدكتور بوشعيب المسعودي في كتابه "الوثائقي أصل السينما" إلى أن "تعريف الفيلم الوثائقي غير مكتمل" وأن هذا الأخير يصور ويهتم بالواقع الخلاق مع لمسة ووجهة نظر خاصة بالمخرج، مؤكدا أن "الفيلم الوثائقي هو أصل السينما لكنه مستقبلها أيضا، وهو شكل من أشكال التعبير والتواصل والتحاور والمعرفة. كما يساهم في استحضار ماضي الشعوب وتخصيص أخطائها وتطوير مستقبلها الثقافي والفني". كما استحضر كتاب "الوثائقي أصل السينما" معلومات مستفيضة عن الفيلم الوثائقي، ويطرح العديد من التساؤلات بخصوص هذا الجنس الفني بشكل عام، والفيلم الوثائقي العربي والمغربي، الذي يشكو من قلة المراجع العربية. وتولى الدكتور الحبيب ناصري، تقديم كتاب "الوثائقي أصل السينما" معتبرا أن المسعودي أكد من خلال مؤلفه، أنه عاشق، ومنذ الطفولة لثقافة الصورة" وأن هذا الكتاب بصمة جديدة تضاف إلى المشهد السينمائي النقدي الثقافي المغربي". وأضاف الأستاذ الجامعي والناقد السينمائي أن الكتاب الجديد "خلاصة طبيعية لما قرأه المؤلف، وما شاهده، وما عاشه في ظل أنشطته الجمعوية، خاص حيويته داخل المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة". وقال الحبيب ناصري إن المسعودي أثبت من خلال كتابه "الوثائقي أصل السينما" أنه "عاش رحلة القراءة والبحث في ما كتب، وبهذا العمل تكون الساحة الثقافية بشكل عام، والسينمائية بشكل خاص، قد ربحت طبيبا وباحثا ومهتما بسؤال الصورة ككل". وخلص ناصري إلى أن الكتاب "بمثابة رحلة نبش في العديد من المؤلفات والأفلام الروائية والوثائقية، ورحلة بحث عن تحديدات مفاهيمية تخص هذه الأجناس السينمائية أو السمعية البصرية ككل".