تقديم : مع حلول ربيع الأول من كل سنة هجرية ، يقدم الحجيج من كل صوب وحدب ، فتعرف مدن قلعة السراغنة والعطاوية إقبالا منقطع النظير للزائرين ،وهم يقصدون ضريح "مولى تساوت " للإحتفال بما يسمى " المولودية " مع اطلالة ذكرى المولد النبوي ، موسم ديني يقيمه حفدة الولي بويا عمر على مدى ثلاثة أيام ، وسط إقبال كثيف للزوار، حيث تمارس طقوس الجدبة أو الحضرة ويتنافس خلالها أحفاد سيدي رحال في شرب الماء المغلى، ويتلقون الذبائح، كما يقيمون جلسات ، طرد الجن من أجساد المرضى أو ما يسمى بالمحكمة الكبرى للجن. الولي " بويا عمر " . الذي قيل أنه ولد فقيرا وعاش أميا حتى سن الأربعين ، وتتلمذ بزاوية تامگروت الناصرية على ضفاف نهر درعة ، لينتقل إلى ضفاف وادي تساوت ، ليؤسس ما عرف بالزاوية العمرية ، التي كانت مقصد حفظة القرآن ، ومعالجة الإنسان من الوهم ووسوسة الشيطان ، كما كانت ملجأ الفقراء والمساكين وعابري السبيل ،فهل ما يزال الضريح اليوم يؤدي نفس الأدوار أم حاد عن الطريق ؟ وماهي حقيقة معالجة الإنس الممسوسين والموسوسين ؟ وهل للولي كرامات ولحفدته إكراميات؟ وماهو مآل المرضى الوافدين على الضريح ؟ وهل تملك السلطات وذوي العقد و الحل الجرأة لفتح تحقيق صريح و نزيه حول كل ما جاء في هذا التحقيق الصحفي ؟؟؟ أسئلة أرقتنا ونحن نقصد الضريح ، لننجز تحقيقا صحفيا ، سنعتمد كثيرا من السرية ، وسنستعمل أسماء مستعارة ،حفاظا على سلامة من استقينا شهادتهم الشفوية ، لأنها تعري واقعا مريرا وموبوء. 1 بويا عمر: في الصحافة الوطنية و الدولية منذ أن عرضت القناة الأولى برنامج 45 دقيقة الذي كشف عن بعض فظا عات ما يقع بين جدران هذا الضريح ، شحذ القائمون بل المنتفعون هممهم لرصد وصد كل صحفي فضولي قد يجول بالجوار أو يندس بين الزوار ، فتسليط الضوء على أسرار هذا الضريح يعد طابوها وخطوطه الحمراء أكثر من مقدسة ،لأن الصحافة هي الوحيدة القادرة على إسقاط ورقة التوت عن عورة اللامسؤولين هنا ،وهي القمينة بسبر أغوار هذا الصرح الذي ضرب من يغتني منه طوقا أمنيا لا مثيل له ، زبانيتهم تبث العيون في كل مكان ،كل الناس قد يجدون موطئ قدم هنا ، عدا الصحافيين فلا مرحبا بهم ، وقصة الصحفية الإسبانية "ايرينا كاربو" خير دليل ، جاءت يوم السبت 8 نونبر 2008 صباحا رفقة مصور رويتز بالمغرب ومراسل مجلة دولية ، ليعدوا استطلاعا عن المزار والضمان والحفاظ وأسرار الولي وبركاته، وفجأة وجدوا أنفسهم محاصرين بجيش من المسترزقين ينزعون الكاميرا من المصور، ويحاولون قلب السيارة تذكيرا لنا وللصحفيين الذين يستعدون للزيارة سرا أو جهرا وحتى للمغامرة أنهم جاؤوا للعنوان الخطأ وأن عليهم الرجوع من حيث أتوا ... ذهب الثلاثة لعمالة الإقليم بمدينة القلعة وجدوا جميع الأبواب موصدة ، سبق ما سبق من الباطل للحق عبر الهواتف ، وكل ما نالوه من زيارتهم طرح سؤال وحيد : ألا يزال في مغرب الألفية الثالثة صور لقمع الحريات الصحفية بهذه البشاعة والقتامة ؟ ولولت الصحفية إيرينا وصرخت غاضبة ومحتجة أمام المسؤولين الإقليميين : : Eso no puede ser " هذا لا يمكن أن يكون" ؟ . ولكنه أمر كان وما يزال ، وهو الشيء الذي نأى بالجمعيات الحقوقية لحد الساعة أن تصدر بيانات منددة بما يقع مما عرض في البرنامج من فظاعات بالصوت والصورة . فلماذا صمتت الجمعيات الحقوقية المتواجدة بالقلعة ، مراكش و دمنات؟ أليس من مهامها الدفاع عن الكائن البشري المغربي حتى ولو كان معتوها؟ فبالأحرى أن يكون سليما وذا عافية اقتيد ذات فجر غدرا انتقاما أوتخلصا منه وتلك حكاية أخرى ... 2 مشاهد وصور صادمة يرقد الفقيه ،الورع ، التقي ، صاحب التقوى والمزار بويا عمر هكذا قيل لنا في حجرة ، وبالجوار حجرة أخرى قيل لنا إنها لزوجته عائشة ، الله أعلم ، وفي الفناء الواسع يتحلق الزوار رجالا ونساء في اختلاط بين ،لتأثيث المشهد وهم يتابعون في شرود رجلا يعزف على المزمار ، في الصحن الفسيح يدقون الطبول ، ويعزفون على المزامير ليست مزامير داوود طبعا ، هي مزامير الشيطان وتنفش النساء الشعر وهن يرقصن بشكل هستيري ، تتعالى الصيحات ، يختلط الرجال بالنساء ، تبدأ الإغماءات ، فتنكشف عورة المغمى عليهن ، يلتقطهن الرجال في شبه عناق في طقوس من الدجل ، ليقذفوا في قلوب المذهولين الرعب والوجل ، هنا تنشط مافيا النصب و الاحتيال على النساء خصوصا ، الحفدة يعرفون أدوارهم بكل دقة ، من يراقب صندوق النذور لا يفارقه أبدا ، كمن يحرس كنزا يتضاعف محتواه كلما أقبل الزائر و أدبر، من يتصيد من النساء أكثرهن غنى وثراء ، ليخبرها أن الولي سيقضي إربها ، ويفك سحرها ويزوج عانس بناتها ويرزقها من حيث لا تحتسب أستغفر الله مقابل أن تحضر الذبيحة للولي ، هناك من هو مكلف بإحضارها إذا عز طلبها ، والذبيحة الواحدة قد تباع لعشرات المرات وأشخاص مختلفين . شاهدت صنفا من الزوار يخلعون أحذيتهم عند مدخل القبة ، وآخرين أكثر " ورعا" يخلعونها أمام عتبة الضريح خوفا ورهبة ، بعض الزوار يتبرك بالضريح والقبة بطرق شتى ، يقبلون الأركان الأربعة للقبر ، أو يتمسحون بالقبر ويمسحون على ثيابهم و أجسادهم ، وهم يطوفون حول القبر عكس عقارب الساعة ، كطواف الحجاج حول بيت الله الحرام ، يتمتمون بدعوات ويلحون في الدعاء ، أن تقضى حوائجهم الدنيوية ، فجأة يعلو صوت امرأة بالصراخ ، تستغيث الولي أن يخلصها من الجني الذي يسكن جسدها . 3 معادلة : غوانتانامو = بويا عمر = أبو غريب قال لي ذلك العاقل الغير المجنون :" شاهدت في الجزيرة سجن غوانتانامو والله لن يعادل في قهره وقسوته نصف ما يقع هنا". فهل يرقى هذا الضريح لمنزلة سجني أبو غريب وغوانتانامو؟؟؟ إلى عهد قريب كان الزائر للضريح يجد صعوبة في تجاوز أعداد الحمقى الذين يعج بهم المكان ، غير أن برنامج 45 دقيقة السالف الذكر ، عرى واقعا مؤلما مريرا ، الشيء الذي أغضب سماسرة البشر ،فلجأوا إلى تكديسهم داخل الغرف المظلمة ، لا يغادرونها إلا نادرا وهم تحت المراقبة الصارمة ، حكى لي أحد النزلاء الذي تماثل للشفاء والتسجيل رفقة التحقيق أن أعدادا كبيرة مكدسة بغرف مظلمة ، يعانون من الأمراض وسوء التغدية ، تحولوا أجساما ينخرها القمل والطفيليات بكل أنواعها ، منهم من اشتد وطء المرض عليه ،وأصبح ينام بل يسبح في بركة من البول والغائط ، قبل أن يردف وهو يقسم بالله أن ثلاثة مرضى فارقوا الحياة تحت ناظريه ، كل من جأر بالشكوى ، أو سرب معلومات للغير أو أفشى بما يقع في الدهاليز و الأقبية المظلمة ها هنا ، يتعرض للتعذيب الشديد والتنكيل والنيل منه بكل الطرق ، أحيانا قد يموت بعض المرضى يضيف علي " اسم مستعار" ، ويتم دفنه ليلا وسرا ، كان ولم يعد ، درءا للشبهات يتصلون بذويه ويخبرونهم أن ابنهم قد هرب من الضريح ، وغادر إلى وجهة مجهولة ، ليبقى مصير المقتول أيضا غامضا ومجهولا إلا على رب العالمين . أما التجويع والمذلة والتنكيل فحدث ولا حرج ، محمد ذاك الشاب الذكي الفطن على الأقل في نظرنا علق ساخرا:" كل سجناء المغرب لهم قضية من أجلها وجدوا وراء القضبان ، إلا مرضى بويا عمر فقد جمعوا لنا بين الأسر والتحقير والضرب والتجويع ، هم يتمسكون بنا مقابل أموالا طائلة يتلقونها من عوائلنا ، وليس حبا في شفائنا ، أعرف مريضا تخلت عنه العائلة لفقرها ولم تسدد ما بذمتها من ديون للمسؤول عليه ، فأوشك أن يقتله ضربا وتعذيبا احتجاجا على عدم توصله بالمال". أخذ محمد نفسا عميقا من سيجارته قبل أن يتابع : والله يا أخي أكاد أجزم لك أن العشرات ممن تحسنت حالتهم ويودون المغادرة ، ولكن هيهات فقد أوصدوا في وجهه كل الأبواب بكل الحيل ، فالمرء هنا ليس إلا رقما ماليا وحوالة شهرية. 4 قصة تدمي القلوب تحكي سلوى وهي إحدى النزيلات أنها تعرضت في بداية قدومها لأبشع أنواع الإستغلال الجنسي من طرف القائمين على أرواح الناس هاهنا ، تتعدد القصص و الروايات ، ولكن قصة أدمت قلوبنا جاءت على لسان سائق سيارة عاهدناه ألا نأتي على ذكر اسمه مهما كان يقول :" ذات فجر والفصل صيفا مررت بسيارتي قرب الضريح ، وإذا بامرأة جميلة جدا في ريعان شبابها وشبه عارية وسط الطريق ، تستغيثني أن أتوقف ففعلت ،ارتمت بالمقعد جانبي ، وأمرتني بالطيران عفوا بالقيادة بأقصى سرعة نحو مدينة القلعة هروبا من شيء ما، توجست منها خوفا ولكن بادرتها بالسؤال ما الأمر؟؟ الحكاية طويلة وملخصها أنها قدمت وزوجها من مدينة الدارالبيضاء للزيارة فقط ، ولكن الوحوش الآدمية تربصت بها ، وكبلتها بالأغلال وزعموا لزوجها أن الجن يسكن ذاتها ، غادر الزوج تاركا وراءه الزوجة / الفريسة وقد صدق "الرؤيا "، كان يبعث لهم بأموال طائلة متم كل أسبوع ، وكانوا يعمدون إلى أخذ الضحية وأخريات غيرها إلى أماكن بعيدة عن الضريح ، في منازل أعدت سلفا للدعارة ، ويقضون الليل في شرب الخمر وتناول المخدرات وممارسة الجنس عليهن طوعا أو كرها ، لامفر ،وعند قدوم زوجها للإطلاع على أحوالها يجبرونها على تناول أقراص الهلوسة ، وعند تلاقيهما تبدأ الزوجة تحت تأثير المخدر في الهذيان ، ليثبتوا للزوج المغفل أو المسكين الله أعلم أن الزوجة مازالت مريضة ولم تشفى وأن الولي يأمره باحضار ما غلى ثمنه مقابل شفائها ، مادام الزوج ميسور الحال فلا حرج من ابتزازه ، قبل أن يعود أدراجه وتستمر معاناة الزوجة من جديد مع هذه الوحوش الآدمية ،التي لا تحمل في قلبها ذرة رحمة ولا شفقة على مخلوق ، إلى أن قررت الزوجة ذات ليلة التظاهر بالمرض وعدم القدرة على السهر ، لأن هذه الليلة بالذات لديها القدرة على شيء واحد : الهرب . وهو ما حدث بالفعل ، أوصلها السائق ومد لها خمسون درهما كي تتصل بالزوج وغادر المكان . 5 بويا عمر: بورصة المال و الأعمال قد تبلغ عائدات هذا الضريح قرابة نصف المليار سنتيم ، لاغرابة في ذلك إذا عرفنا أن الضريح يتلقى هبات من شخصيات نافذة في الدولة سبق أن قادها الحظ إلى هنا ، ثم هبات سنوية تقدم من طرف السلطات الإقليمية، أما مجموع ما يتركه الزوار بالصندوق يوميا فرقم صعب التخيل ، والذي يرتفع حتما حسب المناسبات و الأعياد الدينية ، لاغرو فالأمر ليس سرا أن يتم كراء مداخيل صندوق النذور من طرف أشخاص بحوالي 80 ألف درهم سنويا، وهم من يمتلكون اليوم ضيعات فلاحية والعديد من الدور السكنية في مدن قلعة السراغنة والعطاوية ثم مراكش ، يرزق الصندوق من يحتال أنًّا يشاء هو ،ومن حيث يشاء . أما المنازل والدور التي يكتريها هؤلاء بمحيط الضريح ، فتعد بالعشرات ، ويبلغ ثمن الغرفة الواحدة أحيانا ولليلة واحدة مئتي درهم ، تخيلوا منزلا به أربع غرف يتم كراؤه مدة شهر أو يزيد ، ستعجزكم الأرقام إذا أضفنا أن ثمن المرء الواحد هنا مقابل سجنه يؤدي عنه ذويه ما بين خمس مئة درهم وثلاثة الآف درهم للشهر الواحد ، دون احتساب الهدايا والعطايا ، أما عدد الذبائح المقدمة قربانا في كل سنة فقد يعادل عدد أضاحي مدينة صغيرة . من هنا نفهم مدى حرص تلك العصابات على المحافظة على امتيازاتها المادية واللا أخلاقية بكل قوة ، ولن يتأتى لها الإستمرار في امتصاص الدماء البشرية إلا بالمحافظة على المعتقدات الوثنية السائدة بهذه البقعة التي سموها مقدسة ، كذلك كفار قريش فعلوا حين حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليس في اختلافهم عما يعبدون ، لأن الدين الجديد سيقضي على تجارتهم مع القبائل ، ذلك أن عبادة الأوثان بمكة باطنها التجارة وظاهرها الديانة. 6 قبل الختام وأنا أهم بمغادرة فضاء ضريح بويا عمر،قررت أن أصور تسجيلا صوتيا أمام بوابة الضريح ، ما أن انتهى التصوير ، حتى تفاجأت برجال الدرك بزيهم الرسمي يطلبون مني هويتي ، عندما علموا أنني مراسل بوابة خريبكة أونلاين أخبروني أن عيون المخبرين لمافيا البشر هاهنا قد ترصدتني ، نصحوني بالمغادرة فورا ،خوفا و حفاظا على سلامتي . 7 الختام وأنا أرحل عن المكان ،كنت أتساءل هل ستصل هذه الحقائق إلى رجل حصيف في مركز القرار، لايرضى أن يجد بقية من صور وأشكال وصنوف الاستعباد للعباد والاضطهاد في مغرب حداثي تحرر من الاستعمار ، ولكنه مازال رهين الوثنية وبعض مافيات الاسترزاق ولو على حساب أرواح بني جلدته ، فيأخذ قرارا جريئا لتطهير بقعة قيل إنها مقدسة ، ولكنها بأفعالهم اليوم مدنسة. ومتى تصل الصرخات التي يطلقها المرضى وذووهم إلى آذان المسؤولين ؟ سؤال نطرحه في الختام آملين أن تنتهي هذه الوضعية المأساوية فورا ، قد يخسر بعض الأشخاص ومن يدور في فلكهم مداخيل هامة من وراء بيع وهم العلاج، ولكن الرابح الكبير سيكون بدون شك هو الوطن.