رغم أن أحدا لم يتوقع حملة الإعفاءات غير المسبوقة لمجموعة من الأطر في عدد من الوزارات أبرزها وزارة التربية الوطنية والتي بلغت العشرات في صفوف المنتسبين إلى جماعة العدل والإحسان، ورغم حجم الإدانات الواسعة لهذا الإجراء التعسفي من طرف جل النقابات الفاعلة وبعض الأحزاب وشخصيات سياسية وتربوية من مختلف التوجهات بما يقرب من حالة الإجماع حول رفض ممارسات بائدة عفا عنها الزمن إلا أن عددا من المنابر الإعلامية الموجهة لا تزال تصر على تموقعها العدائي ضد العدل والإحسان باتهامها إياها بلعب دور الضحية، ومنها من يدعوها للخروج من دائرة المظلومية حتى وإن تم الإقرار باستهداف السلطة لأنصارها. طبعا هذا النوع من الاتهامات ليس جديدا على الجماعة وعلى غيرها من المعارضات المبدئية، فكلما عجز البعض عن مقارعتها ميدانيا وخاف من أن تدفع مظلوميتها نحومزيد من تعاطف الناس معها إلا وتستر وراء أسلوب الإنكار وسارع إلى مهاجمة أي تعبير عن رفض ممارسات السلطة التعسفية بحق العدل والإحسان، وكأن المطلوب من الجماعة أن تتلقى الضربات وتتعرض للإهانات وتسكت مثلما تفعل نخب وأحزاب كثيرة. ما يسوغ لهم منطقهم الغريب هو أننا نعيش في بيئة تطبعت مع استباحة الحقوق وانتهاك الحريات، الشيء الذي جعل سقف كثير من المغاربة متدنيا لأقصى مدى، حتى أضحى أي صوت يبشر بالكرامة صوتا نشازا عند بعضهم. الحقيقة أن المظلومية ثابتة منذ تأسيس الجماعة، ولا ينكرها إلا مرتبط بالجهات الرسمية ساع إلى تبييض وجه السلطة بأي وجه كان أو ذلك الذي أعماه حقده الإيديولوجي والسياسي، فتصور متوهما أن العدل والإحسان ستسجل نقاطا على حسابه إن تضامن معها واستنكر حرب السلطة عليها في تعبير عن نزعة طفولية مغرقة في التخلف. نعم لم تكن مواجهة المخزن للعدل والإحسان تاريخيا بنفس الوتيرة، وهذا لا يعني أن الجماعة استفادت في أي مرحلة من المراحل من حقوقها الطبيعية، فالوضع الذي لازمها هو الحصار ولا شيء غير الحصار، فقط أشكاله وأدواته هي من كانت تتغير بحسب مصلحة النظام المغربي، والظروف الموضوعية هي التي كانت تفرض عليه في كل فترة منحى معينا في تعاطيه مع ملف الجماعة. لا يحق إذا لأي كان أن يمن على العدل والإحسان بأن القبضة الأمنية تجاهها لم تكن قوية بما فيه الكفاية حسب رأيه، ولا يمكن أن تنتظر حتى تسيل الدماء أو تتناثر الأشلاء حتى تتحدث عن مظلوميتها، فالأصل إن كنا نؤمن فعلا بالحقوق والحريات ألا نقبل بأن تدمينا شوكة في غير موضعها، فبالأحرى أن نسكت عن مستوى الانتهاكات التي يقترفها النظام بحق أي حر شريف، هكذا تصان الحقوق وتكبح نوازع الطغيان، وإلا فنحن نقدم ما يسوغ له الاستمرار في استضعافنا والتنكيل بنا، لأنه لا حدود لتجبر المخزن كما هو معلوم. أن تكون مستضعفا معناه أن تقف في وجه من ينتهك حقوقك، ولا يمكنك أن تغادر الموقع الذي فرضه عليك ولا تستطيع تجاوزه ببساطةمثلما يدعو بعض المراقبين، كما لا يمكن عقد أية تسويات في هذا الباب مع نظام لا يفهم إلا لغة الإملاءات ولا يقبل إلا الإذعان التام. من حق الجميع محاسبة العدل والإحسان حين تكف السلطة يدها عنها حينذاك لا يمكن القبول بالاختباء وراء دور الضحية، لكننا الآن وفي ظل تصعيد خطير لا يهم الجماعة لوحدها، لأننا مع خطوات تصفوية في جميع الاتجاهات والكل سيأتيه الدور، لذلك إن لم يتجند الجميع في اتجاه كبح جماح هذا السعار السلطوي، فنحن نحكم على بلدنا بمستقبل قاتم مجهول العواقب.