بقلم مهتدي بوزكري باحث في العلوم السياسية إن النصوص القانونية المنظمة للعمل الجماعي (سواء ميثاق 1960، أو 1976، أو 2002) تشدد على فكرتين أساسيتين وهما : ترسيخ مبادئ الديموقراطية المحلية، وتحقيق التنمية المحلية. ولنا اليوم أن نتساءل عن حصيلة هذه التجربة التي انطلقت فصولها مع بداية الاستقلال، وكانت أول تجربة جماعية عرفها المغرب سنة 1960، واخرى التي سنعيش " حماها" السياسية والانتخابية هذه السنة. إن حصيلة هذا المسار يمكن تقييمها من زاويتين: سياسية وأخرى تنموية. أولا:سياسيا: يمكن القول إن التجربة الجماعية، على المستوى السياسي، كانت متواضعة ولم ترق إلى مستوى تطلعات القوى السياسية والمواطنين على حد سواء، وترجع هذه الحصيلة المتواضعة إلى أسباب متعددة، منها ما هو موضوعي يرتبط أساسا بطبيعة الدولة/السلطة ببلادنا، ومنها ما هو ذاتي يتعلق بالتباين الحاصل بين الأحزاب السياسية والنخب المحلية. -إن السلطة/الدولة المغربية القائمة على الإجماع والوحدة الوطنية، لم تستطع التخلص بعد من مخاوفها من كل ما هو محلي/جهوي، لأنها تعتبر أن ذلك سيفقدها جزءا كبيرا من السيطرة على مجالها الترابي/السياسي، ولهذا فهي تبدو حذرة من كل سياسة قد تجر عليها ويلات الانقسام/الانفصال. -أعوان السلطة المحلية(ولاة، عمال، قواد)، وبحكم الصلاحيات القانونية والإدارية والسياسية المخولة لهم، يجعلهم يهيمنون على المجالس الجماعية سواء من حيث التوجيه أو تنفيذ مقررات المجالس المحلية، في هذا السياق يجب التذكير فقط بمقتضيات الفصل 102 من الدستور الحالي-1996- التي تنص على أن "العمال يمثلون الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم مسؤولون عن تطبيق قرارات الحكومة، كما أنهم مسؤولون لهذه الغاية على تدبير المصالح المحلية التابعة للوزارات". -النخب المحلية التي تنتمي في معظمها إلى الأعيان المحليين، والتي تظل تدين بولائها اللامشروظ لمبادرات الدولة، ومن جهة أخرى تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة غير مكترثة بمصالح السكان المحليين. -الأحزاب السياسية: مازالت ضعيفة على المستوى المحلي حيث الغياب شبه التام لأطرها وأتباعها، خصوصا بالبوادي، ولا زالت الأطروحة السائدة هي أن الأحزاب السياسية تهتم بالقضايا السياسية الوطنية وقلما توجه اهتماماتها إلى الشؤون المحلية. ثانيا: تنمويا: أما الحصيلة التنموية لمسار هذه التجربة فكانت هي الأخرى متواضعة ولا ترقى إلى مستوى تطلعات الناخبين والسكان المحليين. إن هذه الحصيلة المتواضعة تؤكدها أرقام ومعطيات التنمية البشرية والاجتماعية التي تفصح عنها من حين لآخر التصريحات الرسمية(انظر تقرير التنمية البشرية ل 50 سنة)، وغير الرسمية (بعض مكاتب الدراسات المحلية وبعض هيئات المجتمع المحلي)، والتي تتجلى أساسا في البنيات التحتية الأساسية المتواضعة (تعليم، تطبيب، طرقات…)،وشبه غياب للأنشطة الثقافية والرياضية، وقلة الاستثمار، وعدم تشجيع الطاقات الفردية والجماعية على الانتاج والابتكار. إن هذه الحصيلة التنموية المتواضعة التي باتت تعرف بها معظم المجالس الجماعية المحلية ببلادنا ترجع في اعتقادنا لعدة أسباب منها على الخصوص: -هيمنة أعوان السلطة المحلية على أشغال المجالس الجماعية، ولم تستطع هذه الأخيرة تبعا لذلك، أن تصبح فاعلا أساسيا في التنمية المحلية. -لا تتوفر مجالسنا المحلية على الطاقات البشرية الاحترافية، حيث إن معظم المنتخبين الجماعيين لا يتوفرون على الحد الأدنى من الكفاءة التدبيرية والتسييرية، وليس لهم التزام سياسي مبدئي واضح ( ظاهرة المستشارين الجماعيين الرحل). -ضعف الموارد المالية والطاقات البشرية، التي أضحت تعرفها معظم المجالس الجماعية، حيث لا زالت معظم المقاطعات والجماعات المحلية تعتمد في جزء كبير من مواردها المالية على ما تمنحه الدولة في هذا الإطار(تخصيص %30 من الضريبة على القيمة المضافة لفائدة الجماعات المحلية منذ الإصلاح الضريبي لسنة 1984)، أما الطاقات البشرية، ولتفادي النقص الحاصل في هذا المجال، فإن السلطات العمومية غالبا ما تلجأ كذلك إلى تزويد هذه المجالس بالعديد من المهندسين والتقنيين.