الموقف الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن إصلاح أنظمة التقاعد: جسر تلاقي وتقاطع بين إكراهات الحكومة وانتظارات النقابات- الجزء الأول/2 بقلم ذ محمد معاشي 2/2 ********** 2. بشأن المقترح المتعلق برفع نسبة المساهمة من 20% إى 28 % حلال الفترة ما بين 2015 و2016: يوصي المجلس بجعل هذه المراجعة فرصة سانحة لوضع مرتكزات المراجل القادمة والضرورية لإرساء قطب عمومي (وفقا لخطاطة الاصلاح الشمولي). وتطبيقا لمبدأ التوزيع العادل لمجهود المساهمة، وتماشيا مع المعايير الدولية، واستعدادا للتمييز، في مرحلة ثانية، بين النظام الأساسي والنظام التكميلي، كل حسب خصوصيته، فإن المجلس يوصي بإحداث شطرين اثنين في بنية المساهمة داخل نظام المعاشات المدنية: الشطر الأول: أساسي محدد بسقف قريب من المستويات المتوسطة للأجور في الوظيفة العمومية، بزيادة ما بين 15% و30 % (أي ما بين 8.000 و10.000 درهم)، بحيث يسمح هذا الشطر بتغطية معاش أساسي بنسبة تعويض تتراح ما بين 30% إلى 40%. وتبلغ نسبة المساهة، بالنسبة لهذا الشطر الأساسي، ما بين 8% و 10%، يتم توزيعها على أساس الثلث (أي حولي 3% ) للأجير، والثلين ( أي حوالي6 %) للدولة المشغلة؛ الشطر الثاني: تكميلي من الدرهم الأول، والذي يمكن من بلوغ معاش إجمالي، يعادل مستوى المعاش المحتسب وفقا لمعدل الأقساط السنوية والحقوق المكتسبة قبل تاريخ دخول المقتضيات المقترحة حيز التنفيذ. وما تبقى من مبلغ المساهمات التي تصل نسبتها إلى 28 % ، يتم رصدها للشطر الثاني، وتوزع بالتساوي ما بين الموظف/ المستخدم والدولة-المشغلة. وهكذا، بالنسبة للأجور الأدنى من السقف، ستوزع المساهمة الإجمالية البالغة 28% على أساس %12.5 للمستخدم مقابل 15.5% للدولة المشغلة. وتجدر الاشارة بأن هذين الشطرين مدعوان بمواكبة المراحل القادمة للإصلاح بما يقتضيه ذلك من تطور في المساهمات، والمبادئ المؤسسة لهما من أجل إرساء نظامين إجباريين: نظام أساس (الشطر الأول) ونظام تكميلي (الشطر الثاني). 3. بشأن المقترح المتعلق بقاعدة تصفية المعاش، اعتماد مبدأ "أفضل ثماني سنوات"، بدلا من "احتساب السنوات الثمانية الأخيرة"، وذلك في أفق خلق انسجام في مبادئ اشتغال القطبين العمومي والخاص. - توصيات تتعلق بالتدابير الموازية الخاصة بباقي أنظمة التقاعد على المدى القصير على غرار نظام المعاشات المدنية يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالنسبة لباقي أنظمة التقاعد من حلال توصياته، على ضرورة الشروع منذ المرحلة الأولى للإصلاح، لتسهيل الالتقائية بين مختلف أنظمة التقاعد في أفق تنزيل الإصلاح الشمولي، بقطبيه العمومي والخاص. 1. بالنسبة لنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد(RCAR)، يتعين التحضير منذ الآن للمراحل القادمة الضرورية لإرساء قطب عمومي، وذلك من خلال البدء في إصلاح هذا النظام وفق المسالك التالية: · اعتماد قاعدة احتساب وعاء تصفية المعاشات على أساس متوسط أفضل 10 سنوات، عوض متوسط مجموع سنوات العمل، وربط الاجراء بملائمة مؤشر إعادة تقييم المعاشات وفق منحى تنازلي يستفيد منه ذوو الدخل المنخفض (على سبيل المثال:3% بالنسبة للجزء الأول من الأجر، و2.75%، و%2، و0% بالنسبة للجزء الثاني من الأجر الذي يفوق السقف)؛ · تعميم النظام التكميلي بتطبيقه ابتداء من الدرهم الأول، لكي يستفيد منه ذوو الأجور المنخفضة، وبالتالي السماح لهم بتحسين تقاعدهم، ومصاحبة هذا الإجراء: ü بتحديد سقف جديد يكون قريبا من الأجر المتوسط في الوظيفة العمومية، بزيادة تتراوح ما بين %15 و %30، أي ما بين 8.000 و10.000 درهم ( في أفق التقريب ما بين أنظمة القطب العمومي)؛ ü الرفع ب2% نسبة المساهمة في النظام التكميلي يتقاسمها بالتساوي المشغل والمستخدم (لترتفع من 6% إلى 8%)؛ ü إحداث سقف ثان يتم تطبيقه على النظام التكميلي، وتحفيز الموظفين الذين تتعدى أجورهم هذا السقف الثاني(2 أو 3 مرات السقف الأول) نحو الإنخراط في أنظمة إضافية اختيارية تعتمد على مبدأ الرسمالة؛ · إخضاع عملية إعادة تقييم المعاشات لنطاق يتم احتسابه وفق نسبة التضخم والنسبة المائوية للزيادة في الأجر المتوسط للمنخرطين. · ضمان للمنخرطين، وبطلب منهم، إمكانية تأخير سن الاحالة على التقاعد في حدود 65 سنة، وذلك بهدف تحسين قاعدة احتساب معاشاتهم. 2. بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي(CNSS)،ينبغي كذلك إستغلال هذه المناسبة من أجل التحضير للمراحل القادمة للإصلاح: · على غرار الأنظمة العمومية، تمكين الأجراء الذين يرغبون بتنسيق مع مشغليهم، تأخير إحالتهم على التقاعد في حدود 65 سنة، بهدف تحسين قاعدة احتساب معاشاتهم. · إعادة النظر في النصوص المنظمة لقواعد توظيف احتياطات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قصد الوصول إلى استثمار أفضل في احترام تام للقواعد الاحترازية. - توصيات تتعلق بتدابير المواكبة 1. الإسراع في تفعيل السلطة الجديدة للتأمينات وهيئات الحماية الاجتماعية، التي ستتولى ضمن اختصاصاتها، مهمة الإشراف وتقنين عمل مجموع منظومة التقاعد والانظمة المكونة له؛ 2. ملائمة المقتضيات المتعلقة بالقواعد والاهداف والإكراهات المرتبطة بتوظيف احتياطات صناديق التقاعد، وتوجيهها نحو نجاعة أكبر لسياسات الاستثمار وتخصيص الأصول وتدبير المخاطر المتصلة بها؛ 3. تكريس واستكمال مقاربة النوع على مستوى مجموع الأنظمة، وربطها بسياسة الأسرة مراعاة لخصوصية وضعية المرأة، وذلك بتمكين النساء المنخرطات في المنظومة من ربح سنة المساهمة عن كل وضع (طفل)، في حدود 3 سنوات (وفقا للممارسات الجاري بها العمل على الصعيد الدولي)؛ 4. بالنظر إلى أهمية التي تكتسيها أنظمة التقاعد، بالنسبة لاقتصاد البلاد ولتوازناتها الاجتماعية، فإنه يتعين ضمان ولوج واسع إلى المعلومة (مفتوحة في وجه العموم). وينبغي أن يشمل هذا الولوج عناصر الخيارات الاستراتيجية المحددة للأنظمة، وتتبع أوضاع هذه الأنظمة، والنتائج التي أسفرت عنها الاستراتيجية المعتمدة؛ 5. فتح نقاشات حول الإصلاح الشامل للوظيفة العمومية، والتوجهات المستقبلية للقطاع، في ضوء أهداف المردودية والجودة والانتاجية التي تؤشر إلى فعالية المرفق العمومي في الاستجابة للحاجيات والانتظارات المشروعة للمواطنات والمواطنين، وكذا رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. خلاصة: أخذت عملية إصلاح منظومة التقاعد وقتا طويلا بالمغرب، لقد تأحر البلاد في مباشرة هذا الورش الكبير والحساس، بالرغم من التقارير والدراسات المنجزة وطنيا كانت أو دولية كما تعرضنا إليها سابقا. وقد نتج عن المقترح الحكومي احتجاجات ومظاهرات ومسيرات واضرابات لا تهم المغرب فقط، بل في الحقيقة إشكالية عالمية، تفرض نفسها بإلحاح، أمام ما يعرفه العالم من تحولات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية من جهة، وأمام الأزمة الاقتصادية المالية التي يعيشها العالم من جهة أخرى، وبالخصوص ما يشوب انظمة التقاعد بالمغرب من اختلالات، وكان سببا كافيا في التفكير بالتعجيل والاسراع في اصلاحات منظومة التقاعد واتخاذ التدابير اللازمة. وفضلا عن ذلك، إذا كانت الحكومات المتعاقبة لم تتحلى بالجرأة والشجاعة السياسية لاتخاذ إجراءات وقرارات جريئة من أجل إصلاح منظومة التقاعد، فان تماطل الحكومة الحالية في التعاطي والفصل في الموضوغ يجب أن يكون بعيدا عن الانتخابات والحسابات السياسية، وهي مدعوة لإثيات حسن نيتها وتجسيد جرأتها المعبر عنها في كل خطاباتها. في نظري حان الوقت -مادامت الحكومة والفرقاء الاجتماعيين عازمنن على اصلاح منظومة التقاعد- لتجميع ودمج جميع الأنظمة الأساسية والاجبارية للتقاعد في نظام واحد، وكذا الأنظمة التكميلية الاختيارية في نظام واحد كذلك، أي التوفر على نظامين، الأساسي والتكميلي، لكن لا يجب أن يكون الاصلاح على حساب الموظفين والمستخدمين والاجراء والعمال، بقدر ما يجب على الحكومة، أن تعمل على تحسين الوضعية المالية للمتقاعدين، عن طريق الرفع من معاشاتهم الهزيلة، عوض الرفع من المعيشة اليومية. وإذا صعب إدماجهم وتجميعهم في الوقت الراهن، فيجب على الأقل خلق آليات للتنسيق بين أنظمة التقاعد، مع إنشاء شبكة الكترونية مشتركة، والعمل كذلك على إحداث الشباك الوحيد، والسير تدريجيا لتوحيد أنظمة التقاعد. إذاً، هل ستنجح المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا أثناء المفاوضات الجماعية مع الحكومة، في انتزاع مكاسب جديدة أكثر فائدة لصالح المنخرطين في أنظمة التقاعد، دون المساس بالحقوق المكتسبة؟ أم ستكتفي بالمحافظة على المكاسب الحالية؟ أم سيؤجل اتخاذ القرار النهائي في اصلاح منظومة التقاعد إلى ما بعد انتخابات المأجورين، من جهة، أمام ما برز مؤخرا سواء داخل النقايات الأكثر تمثيلا وحتى النقابات الموالية للحكومة، أو داخل المجلس الاداري للصندوق المغربي للتقاعد، على أن ما روجته الحكومة فيما يخص أزمة الصندوق المغربي للتقاعد لا أساس له من الصحة، وإنما الغرض منها تهويل الموضوع وتضخيم الأمر، بل عرفت مالية الصندوق المغربي للتقاعد فائضا ماليا يقدر بالملايير، وهذا في اعتقادي يتطلب التحقيق في الموضوع أثناء أشغال لجنة نظام المعاشات المدنية التي ستنطلق أعمالها يوم 23 فبراير 2015، ومن جهة أخرى، أمام ما يقتضيه الاصلاح من الإعداد القانوني، من مشاريع قوانين ومراسم تطبيقية في الموضوع، وهو ما لم يتم لحد الآن. الرباط في 20 فبراير 2015