عفوا أنا لا أعرف العربية أسامة مغفور ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً. هكذا وببرودة أعصاب ودون أي شعور بالخجل، أطلق الوزير بلمختار صيحته في وجه صحافية فرانس 24 التي طلبت منهم تعليقا حول مشاركته في حفل بمعهد العالم العربي بباريس. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً هي كلمة السر التي نطق بها وزير التعليم نيابة عن كل أتباعه ومريديه من الفرنكفونيين والعرقيين الحاقدين على العربية وعلى عروبة هذا الوطن، يحثهم فيها عن الامتناع عن الحديث بالعربية وتعلمها وتعليمها لأبنائهم. فلغة المتنبي جهل وبُعد عن العلوم والحضارة، ولا صوت يعلو فوق موليير. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً رسالة ولاء وشكر لقمة هرم السلطة الذي ضغط بكل ما أوتي من نفوذ لفرضه على الحكومة، إذعانا للوبيات لا تكل ولا تمل من بث سمومها داخل المجتمع والعبث بمقومات الأمة وبأمنها اللغوي. فلا تحزن يا سيدي، فأنا هنا خدمة لمشاريع ومخططات وتنفيذا لقرارات تهدم تعليم المغاربة وتربطه مباشرة بوزارة التربية في باريس. سأكون الخادم المطيع والحارس الأمين لمصالح فرنسا وأحفادها. سأعيق وسأفشل كل محاولات التعريب وسأسعى إلى تهميش اللغة الجامعة العالمة لكل المغاربة. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً رسالة مشفرة لحماة البربريات ولغة المختبر مفادها أن الفرنسية هي التي توحدنا جميعا وأن لا أولوية ستعطى للعربية في التدريس ولا مشروع في الأفق لتعريب التعليم الجامعي. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً بطاقة حب ومودة ودعم لدعاة العامية المطالبين بالتدريس بها، ورفض مطلق لتحويل المغرب إلى مجتمع معرفي يسود فيه اللسان العربي الفصيح كتابة وحديثا يفضي إلى تنمية حقيقية شاملة. إنها دفاع عن الجهل والأمية والعجين اللغوي الذي بات يعشش في القلوب. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً إهانة للمغرب ولسيادته، وطعن في اللغة الأولى للدستور. إنها تحقير لكل المغاربة وسهم مسموم في صدور كل المدافعين عن اللغة العربية والحريصين على نشرها وإعادة الاعتبار لها كلغة هوية وانتماء حضاري، ووضع حد لهذه الفوضى اللغوية الخلاقة التي تهدف إلى تدمير المشترك الجمعي وبلقنة المغرب وتحويله إلى طوائف متناحرة كل يغني على ليلاه. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً صفعة جديدة لرئيس الحكومة تؤكد له فيها أنه مجرد موظف صغير لتصريف الأعمال، وأن اللوبي الفرنكفوني هو الحاكم الفعلي للبلاد بعد أن أحكم سيطرته على الاقتصاد والتعليم والإعلام ووضع بيادقه في كل مراكز القرار والمناصب الحساسة في الدولة. فبعد أن بلع لسانه في قضية دفتر التحملات في الإعلام العمومي وتنازل عن مشروعه تحت ضغط لوبي فرنكفوني مستأسد، سيضطر اليوم إلى بلع أكثر من لسان وعدم توبيخ وزيره على فعلته الشنيعة، حفاظا على كرسي الحكم، حتى وإن ضحى بقناعاته وقناعات حزبه. فالفرنكفونيون ماضون في طعنهم في اللغة العربية وضربها تارة بالعامية وأخرى بالبربريات. والهدف هو ريادة الفرنسية وإبقاء المغرب كمطرح لنفايات فرنسا الثقافية والاقتصادية وتكريس هذه التبعية العمياء التي جعلت منا مجرد قطيع لا عقل له. ًعفوا أنا لا أعرف العربيةً أصبحت مسرحية هزلية يتداولها صحفيو قناة فرانس 24 وتسخر منها الصحافة الفرنسية التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصتها وضخمتها وجعلت منها مسلسلا بحلقات متعددة. وهي لا تدع فرصة تمر للهجوم على كل وزير أو مسؤول فرنسي في الدولة تسول له نفسه إهانة ثوابت وطنه التي من بينها الدفاع عن العلمانية وعن اللغة الوطنية الواحدة. وهذه الصحافة لا تفهم كيف لوزير في دولة تدعي السيادة، أن يقول ًأنا لا أعرف لغة وطني العالمةً، وكيف للحاكم أن لا يحرك أصبعا ولغة دستوره تتلقى الطعنات والشتائم من قبل مسؤول حكومي رفيع المستوى. سنذكر هذا الوزير الفرنكفوني ومن على شاكلته، الذين لم تدخل بعد إلى قاموسهم الشخصي مصطلحات من قبيل الكرامة والعزة والأنفة، كيف تصرف عمهم شيراك عندما كان رئيسا لبلده. فلدى إحدى اجتماعات الاتحاد الأوروبي، اختار برلماني فرنسي أن يلقي خطابه بالإنجليزية، فاستشاط شيراك غضبا وغادر القاعة منددا بعدم استعمال هذا البرلماني للغة بلاده. فما كان من هذا البرلماني إلا أن عدل عن قراره وأذعن لرغبة رئيسه. العم شيراك هو نفسه الذي غضب يوما عندما سمع النشيد الوطني لبلاده يُواجَه بالصفير من قبل شباب الضواحي لدى حضوره مباراة كرة قدم ، فما كان منه إلا أن غادر المنصة واستصدر قانونا يعاقب كل من يهين رموز الدولة الفرنسية من نشيد وطني وعَلَم ولغة. فأين نحن من دولة مغربية تهين لغتها العربية جهارا نهارا ولا تحرك ساكنا لحملة الأعلام العرقية الذين يحْمرّ علمنا الوطني خجلا منهم ومن تصرفاتهم الصبيانية. إنه الزمن المغربي الرديء الذي تسود فيه لغة المستعمر، ويستأسد فيه أحفاد ليوطي، ويداس فيه على اللغة العربية الجامعة، وتُدستر فيه لغة مختبر أريد منها أن تكون ضرة ومنافسة للعربية ومزاحمة لها. ليست هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها هذا الوزير بتصريحات وقرارات مثيرة للجدل. فلقد سمعناه في الماضي يؤنب رجال التعليم ويتهمهم بالضعف في التكوين وانعدام الإبداع. وهو نفسه من طعن في السيادة التعليمية للمغرب عندما وقع مع نظيره الفرنسي اتفاقية تقضي بإدخال البكالوريا الدولية الفرنسية للمدرسة العمومية وربط تكوين أجيالنا بوزارة التربية الفرنسية. وها هو يكرر هفواته بالإساءة إلى اللغة العربية رمز هويتنا وانتمائنا الحضاري للأمة العربية. وكم يبدو المشهد حزينا وأنا أرى المثقف والسياسي قد تواريا عن الأنظار وتركا الساحة فارغة يملؤها كل من هب ودب من دعاة التخلف والتبعية. لي أن أتصور ولو لحظة تصرف مجتمعات غربية تحترم نفسها وتدافع عن هويتها، جراء تصريح وزير طائش يطعن في لغتها. ستثور ثائرة السياسيين، وتكتب المقالات، ويطالب الإعلام والمجتمع المدني بإقالة الوزير فورا ويضغط المجتمع بكل أطيافه. يحدث هذا فقط في بلدان تعي جيدا أهمية اللغة في التنمية والنهضة وتعطيها الأولوية في مخططاتها ومشاريعها. نحن فعلا خارج التاريخ. سنقول للوزير بلمختار: جاهل وأمي من يتقلد مناصب في الدولة ولا يعرف اللغة العربية، حتى وإن اعتذر، وعار وخزي على من ينصب ويقبل بهكذا جهل في الوزارات وتحت قبة البرلمان. إنه لحري بنا أن نطالب الدولة بإلزام كل موظفيها وممثلي الشعب بإتقان العربية كتابة وحديثا، وإقامة دورات تدريبية لمن لا يلم بها. وكم شقيُُّ من لم يتذوق حلاوة اللغة العربية ولم يشم عطر كلماتها الفواح، ولم يُفتنْ بسحرها وجمالها. سلوا العشق والجنون اللذين يسكنان دمي وعروقي، ويرقصان طربا لرؤية حروفها. ينتعش جسدي وتدب فيه الروح قائلة: أنت تعرف العربية إذن أنت موجود، أما أنت الذي لا تعرف العربية فأنت عَدَم حتى ولو أتقنت لغة موليير وشكسبير وسرفانتيس وغوث ودافينشي، لأنك تخليت عن هويتك وبِعت نفسك للشيطان. نطالب كل من ما زال يحمل ذرة من كرامة وكبرياء وخيط من عشق للغتنا العربية بالضغط لإقالة الوزير بلمختار والقضاء نهائيا على هذه الازدواجية اللغوية التي جعلت منا شعبا بلا روح يفتقد لمقومات السيادة، والعمل على إبعاد أحفاد ليوطي من صنع القرار. سنظل نرددها دون كلل في وجه الفرنكفونيين والعرقيين ودعاة العامية، لا تنمية ولا نهضة للمغرب دون التخلي عن الفرنكفونية والاعتماد الكلي على اللغة العربية الجامعة كتابة وحديثا. أما الباقي فهو عبث ومضيعة للوقت والجهد. ألا قد بلغت