لا تستغرب إذا سمعت يوماً عن بلد اسمه المغرب يتواصل مع محيطه الخارجي بشكل فعال وينغلق على محيطه الداخلي بشكل أكثر فعالية، دوما يرسل رسائل لا يفهمها سوى الأجانب والغرباء أما مغاربة الداخل فلا بأس لهم من تكريس الجهل والأمية وإظهار العنترية في الخطابات الرسمية وغير الرسمية. دولة لا يستطيع أن تنطق كلمة "الجزائر" وتصفها في أغلب الأحيان ب "الجيران" و"الأعداء" و"الأجندة" و"أجانب" و"الحساد" و... يا وطني الذي أنتمي إليه ما هذا القرف ؟ ما هذا الاستهتار ؟ ما هذا الاستبلاد ؟ مع كل مناسبة يسترزقون بدماء المواطنين المغاربة ويستنكرون وينددون في الإعلام والخطابات وهم في الخفاء لأعدائهم ولأياديهم يمدون يتمنون التعاون وفتح الحدود والأخوة وليس بالأمس ببعيد عندما قتل رجال درك ووقاية مدنية وسلطة في "أكُديم إزيك" جنوب المغرب وشوهت جثتهم وبعد طول انتظار سكت الجميع فقالوا "الأعداء" و"الأجندة" وراء كل هذا الخراب وإنهم يحسدوننا على نعمة الاستقرار والتنمية. وفي الأيام القليلة الماضية أيضا قيل أصيب مغربي برصاص جزائري على حدود الدولتين وأظهر التلفزيون الرسمي صوره وهو في المستشفى ويتابع حالته الصحية الخطيرة يومياً ويعمل بالموازاة مع ذلك على تمرير بعض الرسائل المشفرة وصنع رأي عام ساخط وناقم ضد دولة الجزائر ؟ وهو ما تأتى فعلاً بعد أن دعا البعض لإخراج السلاح المغربي والرد على هذا الفعل الشنيع، وبين من دعا إلى مقاطعة الجزائر، وبين ما يبكي لعداء الجزائر لهذا المغرب الجميل والآمن وبين من يردد عاش المغرب من تحت سقف بيت من قصدير تتساقط عليه قطرات المطر والندى وأبنائه يموتون من الجوع والبرد، وبين وبين من عشرات الآلاف بل الملايين ممن هدرت دولة المغرب حقوقهم. لقد تحركت مع كل ذلك آلة الإعلام الرسمية من جديد لغايات ليس بالدرجة الأولى حماية المواطنين المغاربة أو السهر على أمنهم وإنما ألاعيب سياسية وصراعات تافهة وتناقضات ينخدع وراءها المواطن البسيط الغارق في الفقر والعطالة والضرائب وأزمة السكن والعيش المرير ولا أمل في غد مشرق جميل. لا يمكن أن أثق في دولة تعيش على التهميش والاحتقار وانتشار الفساد والكذب وهيمنة الإعلام الرسمي المنافق وفي الأخير لكي لا يخرج علينا من يدعي أنه أكثر مواطنة من غيره أو غيرة وطنية أو حب لهذا الوطن الذي يجمعنا ؟ لو كانت الدولة المغربية تحترم رعاياها وتسهر على أمنهم لما دفعت الآلاف منهم ليركبون زوارق الموت والهجرة نحو أوروبا والاغتراب في دول بعيدة وغير مسلمة لكنها على الأقل تحترم القليل من كينونة الانسان وتعترف بحقوقه الكاملة وهي أفضل منا حالاً على أية حال. ولو كانت الدولة المغربية تؤمن بالديمقراطية المجالية وتسعى لتذويب الفوارق بين المناطق وتخدم شعار حقوق الانسان كما تدعي لعملت على تقليص فارق التنمية الشاسع بين مدن الشمال والجنوب والوسط الغارق في التهميش والإقصاء ولجبرت ضرر الأقاليم التي لم تعرف طريقها للتنمية منذ عقود بل منذ الاستقلال ولعل المناطق الحدودية التي يعيش ساكنتها على بعض التهريب والتجارة الغير قانونية وما تجود به عليهم جهودهم الشخصية ولما استطاعوا الاستمرار في العيش في ظل واقع الفقر والتهميش والكارثة العظمى أن القناة المغربية نعتت خلال الأيام الأخيرة في روبورتاج حول بعض المناطق المجاورة للحدود مع الجزائر "بالخلاء" رغم أنها مأهولة بسكان مغاربة في تناقض تام بين الشعار والواقع. ولو كانت لحياة المواطنين المغاربة وكرامتهم قيمة في حسابات الدولة لما تطاولت أجهزتها الأمنية على المطالبين بالحقوق في كل مناسبة وفي كل المداشر والقرى وأمام البرلمان وغيره بالاعتداءات وهدر الدماء والاعتقالات والتعذيب وواقع السجون ومخافر الشرطة والمخابرات السرية أكبر مثال على عدم احترام حرمة كرامة الانسان وإنسانيته وحقه في التعبير عن حاجياته ومعاناته وتثبث أنه ما زال ينقصنا الكثير لنصل ركب دول تحترم الحيوانات والبيئة والأجانب وما بالك بما يحدث عندنا من تكريس منطقة وشخص من الدرجة الأولى ومواطنين ومناطق من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة كما يسري بالمغرب. لم نكن لنحتقر أنفسنا يوما نحن المغاربة لولا ظلم الدولة واحتقارها لنا كمواطنين مغاربة قبل أن نكون رعايا. ولم نكن لنشكك في نوايا الدولة لولا تنكرها لمسؤولياتها في الدفاع عنا وعن حقوقنا. ولم نكن لنؤمن بوجود الخوف والرشوة والفساد وهيمنة السياسة والنفوذ لو لم نتعايش مع كل ذلك في حياتنا اليومية وفي الإدارات العمومية والمؤسسات وأجهزة السلطة وغيرها. ولم نكن لنكذب الروايات الرسمية في الإعلام الرسمي لولا التجربة المرة التي اقتنعنا من خلالها منذ الصغر أن القنوات الرسمية هي فقط مرآة لتلميع عمل أجهزة الدولة والأحزاب والهيئات المخزنية وما غير ذلك سوى العشرات من إشهارات الشركات التي تستنزف جيوب المغاربة وتضحك على معاناتهم اليومية صباح مساء ولو اقتضى الأمر الكذب والحيل. ولأننا أميون نتعلم بالتجارب والاكتساب فما لاحظناه وشاهدناه من استخفاف الدولة بمقتل المواطنين في أكثر من مرة واكتفائها بترديد التنديد والبيانات في كل مناسبة وعدم قدرتها على تحمل مسؤولية حماية مواطنيها فقد تعلمنا من ذلك كله أن الوطن انتهكت حرماته عندما انتهكت الدولة حرمة مواطنيها أولا وأخيراً. بقلم لحسن فاتحي صحفي وكاتب