بعد حكومة جطو هاهي حكومة خلفه عباس تشهد غياب وزارة لحقوق الإنسان وكأن المغرب قد وصل إلى حالة من احترام حقوق الإنسان تتجاوز حتى الديمقراطيات العريقة في هذا العالم، فتجاهل وزارة لحقوق الإنسان يريد أن يرسل لنا رسالة مفادها أن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب على أحسن حال، بل إننا نتجاوز حتى الدول الأوروبية في ذلك، وهي التي مازالت تحتفظ بجهاز كبير تخصص له ميزانيات ضخمة، هو المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان، فسعادتنا كبيرة بهذا الفتح المبين الذي نتفرد به من بين كل دول العالم، والمغرب يستحق أن يحصل على جائزة أول دولة تلغي وزارة حقوق الإنسان، لأنها أعطت الحقوق لكل الناس، واحترمت رغباتهم وميولاتهم الفكرية والعقدية، وجعلت الجميع ينعم بحرية تعبير كبيرة، ورسمت لكل من يأتي لزيارتنا لوحة مشرفة عن أوضاع حقوق الإنسان التي طوينا ملفها بكثير من السرعة والحنكة السياسية قل نظيرها، وربما هذا ما جعل الرئيس الفرنسي ساركوزي يهتف عاش المغرب، وكأنه أحد أبناء هذا الوطن الأوفياء المخلصين. "" يقف المرء منبهرا أمام " الجبهة" التي يتمتع بها المسؤولون المغاربة، فرغم أن كل الدلائل تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المغرب مازال في بداية الطريق في ملف حقوق الإنسان، يمتلك الكثيرون "التسنطيحة" للقول بأن العام غزال وكل شيء على ما يرام، وهو محاولة لاستغفال الشعب المغربي ورسم صورة جيدة عن المغرب الرسمي لدى دول الخارج، إن بلادنا مازالت تعد من الدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان وإن بدرجة أقل من بعض الدول الأخرى، ولكن حقيقة انتهاك هذه الحقوق جلي وواضح، فلم يكد يوم من أيام الله أن يمر حتى تسلخ جلود الطلبة المعطلين وتهشم عظامهم وينتهي الكثير منهم في غرف الإنعاش، يكدسون المعاناة البدنية فوق معاناة نفسية مريرة تحسب بالسنوات، ولم نسمع يوما في المغرب الجديد أنه تم تقديم من يقوم بهذه الأعمال المشينة إلى العدالة المغربية حتي ولو بأصغر التهم في هذا المجال، كاستعمال العنف المفرط ، فأمام البرلمان يستعمل العنف المفرط جدا بشكل يومي، وضد الذكور والإناث بدون تفريق، ولا من يحرك ساكنا ولا من يقول كفى من هذه المهزلة ، فعن أي احترام يتحدث هؤلاء وعن أي تقديم يتشدقون، لقد آن الأوان ليكف هؤلاء المسئولون الحكوميون عن استغفال الشعب والكذب عليه بالقول إن حقوق الإنسان على أحسن ما يرام، وأن حالة الإنسان في تحسن، فيما الدلائل كلها تشير إلى أن التغيير مازال بعيد المنال. لقد قال الرئيس الإفريقي سانكارا بئسا للذين يمنعون الشعوب من الحرية، كلام يعتقد البعض أنه غير صالح للتربة المغربية بدعوى أن الأمور تحسنت بشكل كبير، هذا التحسن الذي ليس كبيرا سجله الجميع واطمأن إليه كل الفاعلون السياسيون والحقوقيون وفعاليات المجتمع المدني، لكن الكثير مازلنا ننتظره من المسئولين، فالمتابعات التي تتعرض لها الصحافة المستقلة في المغرب هي نوع من الأنواع غير المقبولة من تكميم الأفواه ومنع الشعوب من ممارسة حريتها في متابعة صحافة حرة ومستقلة تنقل الواقع كما هو بدون مجاملات ولا تزويق يدرك الجميع أنه سيطير مع مرور وقت ليس بالطويل. إن تحسين وضعية حقوق الإنسان يستدعي احترام السلطة الرابعة وسن قوانين تحمي العاملين بها من الزج بهم في السجون كلما نشروا شيئا قد يمس بإحدى المقدسات الكثيرة جدا في هذه البلاد، فالصحافيون ليسوا متتبعين فقط لمواضيع بعينها، فلنتركهم يكتبون عن كل شيء لأن هذه هي مهمتهم، وكلما كشفوا فضيحة أو خبرا أو أي شيء فهم ليسوا مطالبين بالجواب عنه، والذين يجب أن يجيبوا هم من تعنيهم هذه الأخبار أو هذه القضايا، فالانتهاكات التي سجلت في حق الصحافة المستقلة مؤخرا تستدعي أن تنشأ لها الدولة المغربية وزارة حقوق إنسان لمعالجة هذه الملفات، وإيقاف كل من تسول له نفسه أن يمس حرية الشعب والصحافة، وهذا أحسن من أن تقوم منظمات دولية بالحديث عن تراجع خطير لحريه التعبير والصحافة، وبشكل متسارع وملحوظ في المغرب، فمن يكذب إذن الحكومات المغربية التي تغيب وزارة حقوق الإنسان أم المنظمات الدولية التي تسجل بشكل مستمر انتهاكات لحقوق هذا الإنسان في هذا البلد . إن معضلات المغرب مازالت كثيرة في المجال الحقوقي بشكل عام، فهو مازال يصنف أنه من بين الدول المتخلفة التي تعيش فيها طبقات كبيرة من الشعب أوضاعا مزرية، ففي بلدنا بقيت صورة الفقر هي هي ولم يقع عليها أي تغيير فالغالبية العظمى من الشعب مازالت تعاني الفقر، وأعداد كبيرة من الناس لا يتوفرون على سكن لائق، أما البطالة فهي تسجل تزايدا مضطردا يوما بعد أخر، أما حالة الصحة في المغرب فهي تسيء العدو قبل الصديق، وهذه كلها حقوق يجب أن توفرها الدولة لمواطنيها لكي تزيل من أجندتها وزارة حقوق الإنسان. إن الشعب المغربي قد فهم الوضع ووصل إلى درجة من الوعي لم يصلها في تاريخه من قبل، لذلك لا بد من التأسيس لعلاقة جديدة معه من طرف المسؤولين، أساسها الصدق وعدم الكذب واستحضار آماله وآلامه، والتي يتعايش معها بشكل يومي، يجب القول إن حالة حقوق الإنسان في المغرب حالة غير صحية بكل المقاييس، ويجب أن نمتلك الجرأة لقول ذلك بدون طمس للحقائق، لأن معرفة الأمور بداية حقيقية لمعالجة المشكل، فالاستمرار في الحديث عن تحسن كبير في المجال الحقوقي عبر وسائل الإعلام الرسمية، فيما الواقع يقول شيئا أخر، يعمق الشرخ الكبير أصلا بين الطبقة السياسية والمواطنين من جهة وبينها وبين الصحافة والمجتمع المدني من جهة أخرى. إن المغاربة يتوقون إلى ممارسة حريتهم بكل حرية، دون الإحساس بذلك البعبع الكبير من الخوف الذي جثم على قلوبهم منذ عقود، وتواجد وزارة لحقوق الإنسان في حكومة عباس كان سيكون إشارة إلى أن العمل في هذا الورش مستمر، وأن احترام الإنسان والسعي إلى إرضائه واحترام رغباته يجب أن يستمر ما بقي على هذه الأرض إنسان.