هل ما زلت تذكر مثلي أيها الجمهور الكريم والقارئ العزيز الأستاذ المقرئ أبو زيد ومعاناته ومتاعبه مع الحركة البربرية؟ وهل نسيت تلك الضجة الإعلامية التي حولت المغرب إلى بركان من السباب والشتائم والوعيد برّرتها ودعمتها شخصيات وازنة في التيار البربري وتغاضت عنها جمعيات حقوقية وأحزاب تمارس الشعوبية وتتصرف بطريقة سياسوية ضيقة؟ وهل نسيت كيف أنب أحدهم من دعاة العرقية زميله المقرئ الذي ينتمي لنفس حزبه، انتصارا لبربريته أولا؟ وهل رأيت كيف دخلت جمعيات حقوقية ممولة غربيا على الخط دفاعا عن حقوق البربر في الكرامة الإنسانية وفي الاحترام؟ وهل تعلم أن من بين من آزر وانتصر للمقرئ أبو زيد بربر شرفاء أحرار يعتزون بعروبتهم الحضارية الواسعة الأفق دون أن ينسلخوا عن ذاتهم، ويعشقون لغة الضاد كرمز لهوية جامعة ترفض العرقية والطائفية؟ هل تريد مني قارئي العزيز أن أذكرك بتفاصيلها لحظة بلحظة؟ لا أخالك قد نسيت تطورات أحداثها. فالجمعيات البربرية صرخت بأعلى حناجرها في الساحات وأمام البرلمان ومقرات الأحزاب مطالبة بالعدل والإنصاف وإعادة الاعتبار لشعب ًمظلومً تحت وقع ضربات تيار عروبي بعثي ناصري. من المستحيل ألا تكون قد سمعت نهيقها وهي تصر على القصاص وحبل المشنقة في يدها. وهل رأيت كيف اضطر المسكين إلى الاعتذار والتوبة خوفا على حياته وحياة عياله؟ فلقد رصدوا مكافأة مالية ضخمة لمن يأتيهم برأسه على طبق من ذهب عقابا له على ًتجنيهً على البربري وًسخريته منهً. كل هذا في غياب سلطات ظلت واقفة كالمتفرج عاجزة تماما عن تحمل مسؤولياتها في لجم تيار بربري تدعمه الدولة يمارس الترهيب والتشهير والكذب وبات عبئا ثقيلا على المغرب وخطرا على السلم الاجتماعي والأمن القومي. لكن قل لي ما ذنب المقرئ وما هي الاتهامات الموجهة إليه حتى يطالب التيار البربري باستباحة دمه وتفريقه بين القبائل ؟ هل قتل أحد رموزهم وسب ثقافتهم؟ هل طالب بإبادة البربر وتدمير منازلهم وقتل أطفالهم وسبي نسائهم وإحراق متاجرهم؟ لا إطلاقا. فلِم إذن كل هذه الضجة المفتعلة التي يهدف منها تصفية حسابات مع شخصيات تدافع عن العروبة والعربية كلغة جامعة لكل المغاربة؟ ذنبه الوحيد يا صديقي هو أنه ردد نكتة خلال إحدى محاضراته يعرفها القاصي والداني ويسخر منها أهل سوس أنفسهم حول التاجر البخيل. استغل زعماء التيار البربري هذه الواقعة لشحن أتباعهم عرقيا وإنزالهم إلى الشوارع. فالبربري في عرفهم لا يهان، وهو ينتمي إلى سلالة خاصة لا علاقة لها بالعربي ًالبدائيً إطلاقا، تُكوّن إلى جانب اليهودي شعب الله المختار. ولا غرابة أن تلتقي الحركة البربرية مع الحركة الصهيونية في الكثير من أدبياتها وأهدافها وأفكارها وطريقة عملها. فالدورات التدريبية تقام في دولة الكيان الصهيوني المجرم على طول السنة وأتباع التيار البربري يجاهرون بعشقهم للصهيونية ويرفعون علم العدو في كل مظاهراتهم ويتلذذون بالدم الفلسطيني المسفوك. فسياسة الابتزاز والتهويل الإعلامي والتشهير بكل المنتقدين سياسة ثابتة عند الحركتين. فنقدك للصهيونية يعني مباشرة معاداتك للسامية ويجرك إلى المحاكم، كما أن رفضك القاطع ومقاومتك لمشروع التيار البربري واختلاقه لبدعة ًاللغة الأمازيغيةً واصطناعه لًحضارة أمازيغيةً مزعومة مبنية على التدليس والسرقة والكذب، ودفاعك عن العروبة يتم الرد عليه باتهامك بالعنصرية وبالأمازيغوفوبيا ويجلب لك متاعب لا حصر لها لا يتحملها إلا أصحاب الضمائر الحرة والقناعات الراسخة التي تكره الانكسار والهوان وتعشق ركوب الأمواج ومعاكسة التيار الجارف. رأينا إذن كيف يتصرف التيار البربري، باعتماده على الإرهاب الفكري والعنف والابتزاز، ضد كل من يقف في وجه مؤامراته الهدامة. ورأينا أيضا كيف تركع أمامه السلطة وأحزاب خانت كل مبادئها وحقوقيون ومثقفون انخرطوا من دون وعي وسبحوا في بحار عميقة تجرنا إلى الغرق في هويات قزمية بديلة ضيقة تكرس التقوقع والانزواء على الذات، وإلى فوضى لغوية وبلقنة لا تخدم إلا لغة المستعمر. دعونا الآن نمر إلى التطرق إلى الإساءة لعرب المغرب من قبل حركة بربرية تتقمص دائما دور الضحية وتلعبه بنجاح باهر، وكيف يتعامل معها المجتمع بمثقفيه وسياسييه وحقوقييه. وأنا هنا، رغم إيماني العميق بعروبة البربر، اضطررت إلى هذا التقسيم بين العرب والبربر لإظهار مساوئ وثغرات الدستور المغربي الجديد الذي يتحمل عبر نواقصه ودسترته للغة أمازيغية اصطناعية، مسؤولية ما وصلنا إليه من تطرف بربري ونشر للأساطير ومطالب لا نهاية لها وعنف وتشهير وشتائم في حق العرب. فبعد أن كنا شعبا واحدا بثقافات ولهجات متعددة لكن بلغة عالمة واحدة وهوية عربية إسلامية واحدة وانتماء إلى عمق عربي وحضارة واسعة شاملة، حولنا الدستور تحت ضغوط خارجية أذعنت لها سلطة فاشلة، إلى مجتمع عرقي طائفي بهويات بديلة كل يغني على ليلاه وكل يطالب بدسترة لهجة قبيلته ًاحتراما لمبادئ حقوق الإنسانً. فضاعت الوحدة الوطنية وضاعت الهوية وحل محلهما العبث والفوضى اللغوية الخلاقة. ولإثبات ما نرمي إليه من إساءة للعرب تعدت كل الحدود، سنأخذ مثالا للبربرية المتطرفة مليكة مزان التي عودتنا على خرجات إعلامية متكررة طلبا للشهرة. فقبل أيام وفي برنامج قفص الاتهام في إحدى إذاعات العهر اللغوي التابعة للتيار الفرنكفوني، طلعت علينا مجاهدة النكاح بحديث مطول كله تجريح وتشهير في حق العرب واتهامات بصهيونيتهم. فماذا كان رد المجتمع؟ الجواب لا شيء. لا تنديد ولا بيانات للحقوقيين ولا مظاهرات ولا مقالات ولا حتى إدانة لفظية لرفع العتب من قبل الدولة والأحزاب لتذكير الجميع بأن العنصرية والتطرف لا مكان لهما في هذا الوطن. فلِم كل هذا الصمت المطبق الذي جعل من الإساءة للعرب شيئا عاديا نتعامل معه بكل هدوء وبدون أي رد فعل؟. هل وصلت الكرامة العربية إلى الحضيض في عقر دارها حتى تهينها جماعة من اللئام حلوا ضيوفا غير مرحب بهم على مجتمع منفتح ومتسامح اعتاد على الألفة والمودة والاحترام بين كل مكوناته القبلية والثقافية؟ هل استقالت الدولة والمثقف والأحزاب من وظيفتها في تأطير المجتمع وتنويره وإبعاده عن كل أشكال التطرف حفاظا على وحدته؟ وهل باتت الدولة تشجع تيارا بربريا يتمادى يوما بعد يوم في همجيته، من أجل إثارة فتن سينقلب سحرها على الساحر آجلا أم عاجلا؟ وما هو موقف كل من يعتز بعروبته وهو يرى هذا الطوفان البربري يحرق الأخضر واليابس ويمزغ الشمس والقمر والنجوم والبحار؟ وهل علينا اليوم أن نظل مكتوفي الأيدي بدعوى أن التيار البربري لا تمثيلية له وأنه فقط مجموعة من الحمقى والبؤساء لا يجوز الرد عليهم وأن أفضل الرد هو تجاهلهم عملا بقاعدة إذا تكلم السفيه فلا تجبه ؟ ولكن إلى متى سنظل صامتين ونعتبرهم حمقى؟ فلغتهم المخبرية وصلت إلى قبة البرلمان وتفرض على التلاميذ المساكين ورسوم تيفناق التي تخلى عنها العروبيون وصلت إلى واجهات الثانويات وضرب العربية والعروبة يُصرح به جهارا نهارا على مرأى الجميع، وسب العرب وثقافتهم يملأ صفحات المواقع الصفراء التي جعلت من نفسها بوقا دعائيا لدعاة التمزيق. وهل باتت الحركة البربرية فوق القانون لا أحد يستطيع إيقافها عند حدها أو حتى يجرؤ على معاتبتها أومحاربتها على مساسها بالسلم الاجتماعي والأمن اللغوي للمغاربة؟ وهل باسم ًحقوق الإنسانً سيفرضون علينا لغة اصطناعية لا مراجع لها ولا معرفة وإلا لثاروا علينا؟ إنها أسئلة أصبح لزاما علينا طرحها ونحن على عتبة انهيار كامل للمجتمع ولدعاماته وثوابته وهويته ولغته العربية، وربما أيضا حرب أهلية طويلة الأمد تستنزف خيرات البلد وطاقاته. أسئلة نطرحها أولا على أصحاب القرار وثانيا على القوى الحية في المجتمع من مثقفين وإعلاميين وحقوقيين ومجتمع أهلي وسياسيين، قبل فوات الأوان وبداية موسم قطع رؤوس العرب بالسيوف وإحراق قراهم وسفك دمائهم وسبي نسائهم. لقد فكرت مليا في أسباب هذا الصمت المريب على تجاوزات التيار البربري فاستنتجت وجود عدة أصناف من الصامتين. الصنف الأول غير معني إطلاقا بكرامته وشغله الشاغل ينحصر في ملئ البطون والحسابات البنكية والاهتمام بمستقبله المهني ومستقبل عياله. الصنف الثاني لا قناعات له ولا تحركه إلا المصالح الشخصية، وهو مستعد للركوب على ظهر كل القضايا المطروحة في الساحة للوصول إلى مآربه. وهو يتكون من أحزاب شعوبية لا مشروع ولا برنامج لها ومثقفين وإعلاميين يطبلون للنظام ويرددون شعاراته وخطابه وينتظرون دائما الإشارة لإعطاء موقفهم من الأحداث. وهذا الصنف لا يمكن التعويل عليه لإيقاف مهازل الحركة البربرية. الصنف الثالث يتكون من حقوقيين لا ينطقون إلا بإيعاز من جهات خارجية توفر لهم الدعم المادي والدعاية اللازمة. وبما أن هذه القوى الاستعمارية هدفها تفكيك الأمة العربية وتمزيقها لغويا وعرقيا وقبليا وطائفيا فهي تلعب على ورقة الأقليات من بربر وأكراد وأقباط وسريان ويزيديين ووو للمطالبة بحقوقهم اللغوية والثقافية، بينما تراها صامتة على حقوق الباسك والألزاسيين والكاتالانيين، وتضغط على بيادقها داخليا لإنجاح مؤامراتها. ولا غرابة أن ترى اليوم في المغرب وفرة في الملتقيات والمنتديات والجمعيات الأهلية والحقوقية وقد وضعت على رأس أولوياتها الدفاع عن البربرية بطريقة أيديولوجية إقصائية لا تساهم إلا في التشظي الهوياتي وتزيد الوضع تعقيدا وبلقنة. الصنف الرابع تشكله السلطة التي فقدت هيبتها منذ العهد الجديد وفتحت الأبواب على مصراعيها، باسم الديموقراطية، لكل من هب ودب ليصرخ في الساحات بعلمه العرقي الخاص ويردد مطالبه التي لا تنتهي وينفث سمومه على صفحات المواقع شاتما العربية وأهلها وناعتا العرب بأقدح الصفات. كل هذا بتشجيع من السلطة الداعمة ماليا لكل هذه الجمعيات المتناسلة لبث الفتن داخل المجتمع. الصنف الخامس، الذي أنتمي إليه، والذي قرر محاربة التيار البربري بلا هوادة وبلا خوف أو وجل من إرهابها الفكري. إلا أنه نفض يده من الدولة ومن المثقفين والأحزاب والجمعيات الحقوقية وأصبح يجد في اللجوء إليهم للقصاص من الحركة البربرية مضيعة للوقت. فنحن لسنا في دولة الحق والقانون حتى يؤخذ بعين الاعتبار وتتم الإجابة على شكاوى المواطن العادي المرفوعة إلى مؤسسات الدولة أو إلى جمعيات مدنية. وأنا هنا أتحدث من خلال تجربة شخصية أصابتني باليأس والإحباط والأسى. فلقد سبق لي أن راسلت كل الجمعيات الحقوقية بما فيها الممثلة للدولة محتجا على تصريحات سابقة لمليكة مزان تدعم فيها الصهيونية وتتلذذ في سفك الدماء الفلسطينية وتهين العرب، فلم ألق منهم جوابا ولا حركة. والشيء نفسه قمت به لدى بعض مؤسسات الدولة أدين فيه إهانتها للغة العربية والعمل على تهميشها بطريقة ممنهجة، دون أن يصلني منها أي رد. ما يجعلني الآن أعدل عن مثل هذه المراسلات في غياب تكتلات حقيقية وضاغطة لعرب المغرب دفاعا عن كرامتهم وعروبتهم. الصنف السادس والأخير هو هذه الأغلبية الصامتة التي تعي تماما خطورة الحركة البربرية لكنها لا تحرك ساكنا وتكتفي بقراءة اللطيف والدعاء إلى الله لتجنيب الوطن شرور هذه الأقلية الهدامة والخارجة عن القانون. وهذه الأغلبية هي التي تنتظر اليوم من يؤطرها ويدفعها إلى الشوارع في مظاهرات مليونية دفاعا عن العروبة. أخيرا وليس آخرا، إن الوضع المأساوي الذي يعيشه المغرب في إطار تشظ هوياتي وحملات عنصرية مغرضة يحمل لواءها تيار بربري حاقد على العرب تدعمه السلطة، يحتم علينا جميعا وقفة جريئة مع الذات وتحليلا معمقا يحدد الأسباب ويسمي الجمعيات المنخرطة في هذا المشروع التدميري للوطن. وتخاذل المجتمع في الرد على هذه الاستفزازات المتكررة سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان وانعدام الثقة بين كل مكوناته. ففي وقت نرى فيه أن كل المجتمعات الحديثة تسن قوانين إلزامية لمحاربة كل أشكال التطرف والعنصرية، نجد فراغا دستوريا في المغرب يستغله التيار البربري لنفث سمومه في الساحات العامة وفي وسائل الإعلام والمواقع الصفراء. وجدير بصناع القرار اليوم وبفقهاء القانون الدستوري التفكير بجدية في وضع آليات قانونية لتجريم العنصرية والتطرف ورفع دعاوى ضد كل الأشخاص والقنوات الإعلامية والمواقع الإلكترونية المتورطة في التشهير والشتائم على أسس عرقية أو ثقافية أو طائفية، بعد أن تحولت إلى بوق دعائي لضعاف النفوس لإخراج مكبوتاتهم وعقدهم. إذ لا يعقل أن يسمح في دولة تدعي الحداثة للبودهانيين والمزانيين والعصيديين بنشر أحقادهم وسمومهم. إنها دعوة للدولة ولكل الفاعلين السياسيين والمجتمع الأهلي لتحمل مسؤولياتهم أمام هذه العنصرية المتفاقمة لتيار تم تضخيمه ودعمه داخليا وخارجيا لإثارة الفتن داخل المجتمع. نتمنى أن تلقى هذه الدعوة آذانا صاغية تجنب وطننا ما لا يحمد عقباه.