مع شرارة الثورات العربية التي انطلقت بداياتها مع سنة 2011 والتي أطاحت بنظامين عربيين كانا رمزين للاستبداد والفساد، اعتقدنا نحن العرب الحالمين كثيرا، أن زمن السلطوية والاستبداد والطغيان الذي عمر طويلا في وطننا العربي، سينتهي إلى غير رجعة وأننا سنعيش زمنا كله تفاؤل قاعدته الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهدفه تحقيق التنمية والرخاء لشعوبنا. غير أن الذي حصل للأسف، هو هذه الانتكاسة أو الردة السياسية الذي ستأتي على الأخضر واليابس لا قدر الله، وأصبحنا نواجه بنيات السلطوية ومؤسسات الدولة العميقة، وهكذا برزت على الساحة العربية نخب وقوى معادية للشعوب العربية وللديمقراطية والتقدم والتنمية والاستقلال، فهناك عودة قوية لمؤسسة الجيش في الساحة السياسية المصرية وكيف التف هذا الأخير على ثورة 25 يناير 2011 وحول مصر إلى ساحة للصراع والمواجهة والتصدي لكل من يقول لا لقراراته وسياساته ومخططاته...، وعودة فلول النظام البائد من خلال مؤسسات الإعلام والاقتصاد ونشرهم الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وهناك أيضا للأسف بعض القوى السياسية التي تخندقت في صفوف القوى المعادية للشعوب العربية بحجة أنها تناهض قوى الرجعية والحكم الديني كما يحصل اليوم في كل من مصر وتونس. طبعا هذا التيار السلطوي لم ينجح في مخططاته لولا المساندة القوية التي يتلقاها من العالم الغربي الذي أبان عن نرجسيته ونفاقه الزائد، ودول الخليج الخائفة من تصدير شرارة الثورة إلى داخل بلادها. إنه رغم الإطاحة برموز الاستبداد، في مصر وتونس وليبيا، فان بنيات ومؤسسات السلطوية مازالت نشيطة وحيوية، فذهاب بنعلي ومبارك لم يخلص الشعبين، المصري والتونسي، من الاستبداد وبنيات دولته العميقة التي بقيت حية وحيوية ومقاومة لكل تغيير قد يطال بنياتها، فلازال العسكر يتحكم في دواليب الدولة بنفس منطق النظام البائد ومؤسسات الأمن والاستخبارات والشرطة بقيت خارج التغطية ولا تخضع لأية محاسبة أو مراقبة . صحيح أن شرارة هذه الثورات الشعبية استطاعت أن تخلخل بنيات السلطوية في الوطن العربي، لكن الثابت أيضا أن تقويض بنياتها تحتاج إلى مشروع وطني يجمع كل القوى السياسية والمدنية التواقة إلى الحرية والديمقراطية والرافضة للاستبداد والفساد. إن بنعلي\مبارك كرمز للاستبداد والفساد ما يزال حيا وماثلا أمامنا اليوم في المؤسسات الحزبية والنقابية وهيئات المجتمع المدني ربما داخل الأسرة والجمعية ...وبالتالي كم نحتاج إلى الوقت والجهد للقضاء على بنيات السلطوية التي أضحت منتشرة ومخترقة لكل فضاءات ومؤسسات المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، في هذا الإطار كم كان احد أصدقائي في العمل يسخر من الثورات العربية التي انطلقت في 2011 عندما كان يشير إلي بقوله : نحتاج نحن العرب إلى أكثر من 300 مليون ثورة في الوطن العربي لنتخلص من الاستبداد وهذه السلطوية الفجة، وهو عدد العرب اليوم ، لان كل عربي في قرارة نفسه يمثل الاستبداد والفساد.