كيف كان يوزع صلى الله عليه وسلم الأضحية؟ واتفقوا على أن المضحي مأمور أن يأكل من لحم أضحيته ويتصدق، لقوله تعالى: فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. وقوله تعالى: وأطعموا القانع والمعتر، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الضحايا: "كلوا وتصدقوا وادخروا" . واختلف مذهب مالك هل يؤمر بالأكل والصدقة معا، أم هو مخير بين أن يفعل أحد الأمرين؟ (أعني: أن يأكل الكل أو يتصدق بالكل)؟ وقال ابن المواز: "له أن يفعل أحد الأمرين. واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثا: ثلثا للادخار، وثلثا للصدقة، وثلثا للأكل، لقوله عليه الصلاة والسلام:" "فكلوا وتصدقوا وادخروا" . وقال عبد الوهاب في الأكل: "إنه ليس بواجب في المذاهب خلافا لقوم أوجبوا ذلك، وأظن أهل الظاهر يوجبون تجزئة لحوم الضحايا إلى الأقسام الثلاثة التي يتضمنها الحديث" . هل في الأضاحي من أجر وثواب؟ ورد في ثواب الأضاحي وفضلها مجموعة من الأحاديث منها ما روته أمنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا" حديث حسن غريب كما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ويروى بقرونها وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: "قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملته" انظر سنن الترمذي باب ما جاء في فضل الأضحية. هل يجوز الذبح قبل الصلاة؟ اتفق العلماء على أن الذبح قبل الصلاة لا يجوز لثبوت قوله عليه الصلاة والسلام: "من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم" . ولأمره بالإعادة لمن ذبح قبل الصلاة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا هو أن نصلي ثم ننحر" . إلى غير ذلك من الآثار الثابتة التي في هذا المعنى. واختلفوا فيمن ذبح قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة: فذهب مالك إلى أنه لا يجوز لأحد ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام. وقال أبو حنيفة والثوري يجوز الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام واختلفوا في متى يذبح من ليس له إمام من أهل القرى؟ فقال مالك: يتحرون ذبح أقرب الأئمة إليهم. وقال الشافعي: يتحرون قدر الصلاة والخطبة ويذبحون. وقال أبو حنيفة: من ذبح من هؤلاء بعد الفجر أجزأه، وقال قوم: بعد طلوع الشمس. وكذلك اختلف أصحاب مالك في فرع آخر وهو: إذا لم يذبح الإمام في المصلى، فقال قوم: يتحرى ذبحه بعد انصرافه. وقال قوم: ليس يجب ذلك. وأما آخر زمان الذبح فإن مالكا قال: آخره: اليوم الثالث من أيام النحر، وذلك مغيب الشمس. فالذبح عنده هو في الأيام المعلومات: يوم النحر، ويومان بعده، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجماعة. وقال الشافعي والأوزاعي: الأضحى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وروي عن جماعة أنهم قالوا: الأضحى يوم واحد، وهو يوم النحر خاصة. وقد قيل: الذبح إلى آخر يوم من ذي الحجة، وهو شاذ لا دليل عليه. وكل هذه الأقاويل مروية عن السلف. هل يجوز أن ينوب عن المضحي غيره في الذبح كالجار والقريب والابن والجزار؟ وأما الذابح: فإن العلماء استحبوا أن يكون المضحي هو الذي يلي ذبح أضحيته بيده، واتفقوا على أنه يجوز أن يوكل غيره على الذبح. واختلفوا هل تجوز الأضحية إن ذبحها غيره بغير إذنه: فقيل: لا يجوز، وقيل بالفرق بين أن يكون صديقا أو ولدا أو أجنبيا أعني: أنه يجوز إن كان صديقا أو ولدا، ولم يختلف المذهب فيما أحسب أنه إن كان أجنبيا أنها لا تجوز. هل ذكاة الجنين الذي يوجد في بطن البقرة أو الشاة أو الناقة ذكاة أمه؟ واختلف العلماء هل تكفي ذكاة الأم في جنينها أم ليس تعمل فيه، وإنما هو ميتة أعني: إذا خرج منها بعد ذبح الأم فذهب جمهور العلماء إلى أن ذكاة الأم ذكاة لجنينها، وبه قال مالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: إن خرج حيا ذبح وأكل، وإن خرج ميتا فهو ميتة. والذين قالوا: إن ذكاة الأم ذكاة له، بعضهم اشترط في ذلك تمام خلقته ونبات شعره، وبه قال مالك. وبعضهم لم يشترط ذلك، وبه قال الشافعي. هل يشترط استقبال القبلة عند الذبح؟ وأما استقبال القبلة بالذبيحة، فإن قوما استحبوا ذلك، وقوما أجازوا ذلك، وقوما أوجبوه، وقوما كرهوا أن لا يستقبل بها القبلة. والكراهية والمنع موجودان في المذهب، وهي مسألة مسكوت عنها، والأصل فيها الإباحة إلا أن يدل الدليل على اشتراط ذلك، وليس في الشرع شيء يصلح أن يكون أصلا تقاس عليه هذه المسألة، إلا أن يستعمل فيها قياس مرسل، وهو القياس الذي لا يستند إلى أصل مخصوص عند من أجازه، أو قياس شبه بعيد، وذلك أن القبلة هي جهة معظمة، وهذه عبادة، فوجب أن يشترط فيها الجهة، لكن هذا ضعيف، لأنه ليس كل عبادة تشترط فيها الجهة ما عدا الصلاة، وقياس الذبح على الصلاة بعيد، وكذلك قياسه على استقبال القبلة بالميت. من يجوز له الذبح والذكاة؟ يسأل بعض الناس عن ذبيحة غير المصلي والكافر في بلاد المهجر والكتابي وعن ذكاة المرأة. المذكور في الشرع ثلاثة أصناف: صنف اتفق على جواز تذكيته، وصنف اتفق على منع ذكاته، وصنف اختلف فيه. فأما الصنف الذي اتفق على ذكاته: فمن جمع خمسة شروط: الإسلام والذكورة والبلوغ والعقل وترك تضييع الصلاة. وأما الذي اتفق على منع تذكيته: فالمشركون عبدة الأصنام لقوله تعالى: وما ذبح على النصب، ولقوله: وما أهل به لغير الله . وأما الذين اختلف فيهم: فأصناف كثيرة، لكن المشهور منها عشرة: أهل الكتاب، والمجوس، والصابئون، والمرأة، والصبي، والمجنون، والسكران، والذي يضيع الصلاة، والسارق، والغاصب. فأما أهل الكتاب: فالعلماء مجمعون على جواز ذبائحهم لقوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ومختلفون في التفصيل. فاتفقوا على أنهم إذا لم يكونوا من نصارى بني تغلب ولا مرتدين، وذبحوا لأنفسهم، وعلم أنهم سموا الله تعالى على ذبيحتهم، وكانت الذبيحة مما لم تحرم عليهم في التوراة ولا حرموها هم على أنفسهم أنه يجوز منها ما عدا الشحم. واختلفوا في مقابلات هذه الشروط، أعني: إذا ذبحوا لمسلم باستنابته، أو كانوا من نصارى بني تغلب أو مرتدين، وإذا لم يعلم أنهم سموا الله، أو جهل مقصود ذبحهم، أو علم أنهم سموا غير الله مما يذبحونه لكنائسهم وأعيادهم، أو كانت الذبيحة مما حرمت عليهم بالتوراة كقوله تعالى: كل ذي ظفر أو كانت مما حرموها على أنفسهم مثل الذبائح التي تكون عند اليهود فاسدة من قبل خلقة إلهية. وكذلك اختلفوا في الشحوم. ماذا يقال عند الذبح؟ السنة لمن أراد أن يذبح الأضحية أن يقول عند الذبح: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذا عني وإن كان يذبح أضحية غيره قال: هذا عن فلان اللهم تقبل من فلان وآل فلان ويسمي نفسه. والواجب من هذا هو التسمية، وما زاد على ذلك فهو مستحب وليس بواجب فقد روى البخاري ومسلم "عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا" . وروى مسلم "عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ (يعني السكين) ثُمَّ قَالَ: "اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: "بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ"" . وروى الترمذي "عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ فَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي"" . صححه الألباني في صحيح الترمذي. وجاء في بعض الروايات زيادة "اللهم إن هذا منك ولك" . اللَّهُمَّ مِنْك: أَيْ هَذِهِ الأُضْحِيَّة عَطِيَّة ورزق وصل إِلَيَّ مِنْك. وَلَك: أَيْ خَالِصَة لَك. هل تجوز الأضحية الجماء "الفرطاس" الذي لا قرن له أصلا؟ وتجزئ الجماء، وهي التي لم يخلق لها قرن، والصمعاء، وهي الصغيرة الأذن، والبتراء، وهي التي لا ذنب لها، سواء كان خلقة أو مقطوعا. وممن لم ير بأسا بالبتراء ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير والنخعي والحكم. إلا أن الأفضل ما كان كامل الخلقة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، ضحى بكبش أقرن أملح. وقال "خير الأضحية الكبش الأقرن" . وأمر باستشراف العين والأذن. هل يجوز الاقتراض من أجل الأضحية؟ الأصل أن الأضحية سنة وليست واجبة والأصل في الإسلام التيسير ورفع المشقة غير أن الناس يقترضون لشراء الكماليات ولأتفه الأسباب حتى إدا تغلق الامر السنة تحججوا بقلة ذات اليد وعدم القدرة والاستطاعة وهذا سوء أدب مع سنة المصطفى وكزازة نفس ممقوتة فلا بأس أن يقترض المعسر لشراء الخروف بعيدا عن الربا لأن الأضحية من شعائر الله التي ينبغي أن تعظم. هل يجوز أن تذبح المرأة الأضحية؟ يجوز للمرأة أن تذبح الذبيحة كالرجل كما صحت بذلك السّنِّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز الأكل من ذبيحتها إذا كانت مسلمة أو كتابية وذبحت الذبح الشرعي، ولو وجد رجل يقوم مقامها في ذلك فليس من شرط حل ذبيحتها عدم وجود الرجل. وقد أفتى بذلك الشيخ ابن عثيمين بقوله: نعم يجوز للمرأة أن تذبح الأضحية وغيرها، لأن الأصل تشارك الرجل والنساء في العبادات ويرها إلا بدليل على أنه قد ثبت في قصة الجارية التي كانت ترعى غنماً بسلع فأصاب الذئب منها شاة فأخذت حجر فذبحتها وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها بأكلها. ما هي آداب الذبح؟ نذكر من آداب الذكاة استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح والإحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يريحها عند الذكاة، بأن تكون الذكاة بآلة حادة، وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة واستكمال قطع الحلقوم والمريء والودجين، وعرض الماء عليها عند الذبح، ذكره بعض الشافعية ولم يذكروا دليله، وأن يواري عنها السكين، يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها، قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً، وتوارى السكين عنها، ولا يظهر السكين إلا عند الذبح وأن يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به فقال لها: "يا عائشة، هلمي المدية" ثم قال: "اشحذيها بحجر" ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: "بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد" المراجع الإمام ابن قدامة: المغني. الإمام ابن رشد الحفيد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد. الإمام الترمذي: سنن الترمذي. الإمام الشوكاني: نيل الأوطار.