بقلم مصطفى منيغ شريط من الحقائق تتسارع داخله من تتمنى أن تزيح ذاكرتي غبار النسيان عنها ، قبل غيرها ، لتبدو كما حدثت أول مرة على الطبيعة ، وبخاصة تلك المرتبطة بالجدة "وجدة"، والجزائر شرقها وغربها ، والصحراء قبل المسيرة الخضراء، التي حررتها من الإسبان وما جرى بعدها . ليس ثمة مدينة لعبت بعقلي لدرجة ارتباطها بمصيري ولحد الساعة غير "وجدة"، مهما غبتُ تطاردني لأعود إليها ، ومتى نفذت وعانقَت نظراتي بالحب والوفاء أحياء "المير علي" ، وفلاج الطوبة الدخلاني" ، "ولازاري" ، مدفوعا بالرغبة الحسية الفاعلة في الوجدان ما يتقوى به الجائع من طيب الطعام ، إلى ساحة "سيدي عبر الوهاب" ، وصولا "للمغرب العربي" حيث مقر حزب الاستقلال الذي تعرفت فيه على المرحوم عبد الرحمان حجيرة (والد حجيرة الوزير السابق للتجهيز) الذي ظل احترامي له قائم عما قدمه للوطن من تضحيات لم ينصفه التاريخ في صردها كلها لحد الآن، إلى أن فارق هذه الدنيا الفانية ، فألج "شارع مراكش" قلب وجدة حبيبتي، النابض بالذكريات (المتفرع عنه "درب الصابوني" المحفور في ذاكرة عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي للجمهورية الجزائرية ولن يتخلص منه إلى قيام الساعة) لأخرج حيث بناية البلدية بساعة برجها التي كلما استقام توقيتها أسبوعا (بأكثر تقدير) توقف إضرابا عن الحالة التي آلت إليها مدينة "زيري بن عطية" البالغة العمر ألف سنة ، لأجلس كما الناس في حديقة لا أدري لما سُمِّيت "البحر" متمعنا في بناية محكمة استناف مسترجعا تلك الأيام التي حضرتُ فيها محاكمات أصدقاء لي عرفت جلهم مناضلين أحرار يُعَلِّمُون جُهَّال تاريخهم الحقيقي ما معنى الحرية الفكرية المسؤولة المنبثقة عن القناعة الشخصية المعتمدة على المبادئ الإسلامية النقية الصافية صفاء أرواح المؤمنين الخائفين من رب العالمين المتطلعين لكي يسود الاحترام الحقيقي بين أفراد المجتمع واحترام شعور كل واحد يمشي على الأرض دون استثناء . متى نفذتُ ما سبق ، تأخذني إرادتي عن طواعية لما أطلقتُ عليها ذات يوم "مقهى البؤساء" المقابلة لمبنى المحكمة الابتدائية القديمة الغير بعيدة عن ولاية الأمن ، لاحتسي القهوة المهيأة من سنين طواها الزمن في سجله كما أراد خالقنا سبحانه وتعالي ، متخيلا نفس الصديق " بنيحيى العزاوي" الذي مهما فرقتنا الظروف فقد جمعتنا مواقف الرجال الذين قدموا للمغرب ما يعجز على ذكره اللسان داخل الجزائر الرسمية ،التي تركنا إحداها منقوشة على جباه وزراء حكومة بومدين ، بوتفليقة بينهم ، جملة لم ترتعش يدي اليمنى والقلم يخططها على قماش منديل ابيض أحضرته خصيصا للمناسبة من العزيزة "عين بني مطهر" : ستكون مسيرة خضراء رغم أنفكم وليس حمراء كما خططتم . لم يكن الصديق بنيحيى العزاوي حاضرا والهواري بومدين يقرأ الجملة الأخيرة بل كان في طريقه إلى "للا مغنية" التي هيأت كل الترتيبات الضرورية ليجتاز و"بلعيد أبو يوسف" "زوج بغال " بسلام ، ليستقبلهما عامل الإقليم/محافظ المحافظة/ آنذاك، محمد الدبي القدميري، بعد اتصالي به ليقوم معهما بما يليق وبطلين أديا واجبهما بما يرضي الوطن وأكثر . ... لم يستغرق مقامي بمدينة " للامغنية " بل تجاوزه اهتمامي الوصول للعاصمة بأقرب وقت ممكن ، فالتحقت بسيدي بلعباس المدينة ، ولي فيها أصدقاء احدهم استقبلني في بيته المشيد مباشرة فوق جامع، مئذنته في جزء منها ملتصقة بالحجرة المخصصة لنومي ، استبشرت بما أحاطني به المكان من هالة التعبد في أمان متضرعا إلى الرحمان أن يجعل من رحلتي هته نصرا لي وقضايا وطني العادلة . في صباح ثالث يوم زف لي صاحب البيت أن أخا بعد ساعة سيصطحبني معه في سيارته إلى العاصمة الجزائر بعد وقت سيقضيه برفقتك طبعا في مدينة وهران ، لم يكن لي من المتاع شيء يشغلني بجمعه ، ما ارتديه يكفيني ليستحمل جسدي برودة الجو ، أما الأوراق الرسمية فليس معي منها سوى بطاقة تشهد أنني مغربي الجنسية وأسمي الحقيقي هو مصطفى منيغ . جميل جدا أن يكون المرء غير مقيد ببرنامج له في تطبيقه اتصال مع مَنْ وضعه ، وأجمل منه أن يكون حرا في تكييف أي رغبة مع أي ظرف داخل محيط معين غير معروفة خباياه على الوجه الصحيح ، سوى أنه مرحلة وواجب تخطيها لأخرى ، فأخري ، فعاشرة إن تطلب الوصول كل ذاك العناء، مادام في الأخير يشكل ميزة تَفَوُّقٍ يرضاه الضمير ويتعلق به الوطن تأكيدا أن المنتمين إليه يحبونه فعلا . يتبع الأربعاء 25 شتمبر 2013