بقلم : انغير بوبكر لا اخفي صراحة إعجابي بالمنطق التحليلي والحجاجي للمثقف الإسلامي طارق رمضان الذي يعبر في نظري عن الفكر الإسلامي المستنير الذي يمتح من الاصالة الاسلامية دون ان ينفي الاسهام الحضاري الإنساني في بناء الحضارة الإنسانية ، طارق رمضان مناضل إسلامي يناضل بالحجة والحوار من اجل شرح الإسلام بمضمونه التحرري التغييري للغرب ضد النظرة الاسلامية المختزلة لبعض الدعاة الجهلة التي تختزل الاسلام في اقامة الحدود والتحريم وجلد المرأة وتنفر العالم من الاسلام وتعطي للكراهية والبغضاء مكانة واساس في العلاقات الانسانية بين المسلمين وغيرهم ، هدفي من هذا المقال هو تعريف القراء الكرام بمثقف اسلامي تستحق كتاباته وسجالاته حول الاسلام والغرب اهمية كبيرة من حيث انه يعطينا فكرة عن التخوف الكبير الذي يعيشه الغرب من الاسلام كما فهمه الغربيين من افواه بعض دعاتنا المنتشرين كالفطر في القنوات الاعلامية التي تفوح فيها روائح البترول والمذهبية المقيتة حتى بات الغرب ينظر الى المسلمين على انهم إرهابيين ومناهضي الحداثة والتقدم العلمي في الوقت الذي منهجيا لا يمكن ان يؤخذ بعض المسلمين بجريرة اخطاء ومواقف بعضهم الاخر، طارق رمضان مثقف يساجل على جبهتين على جبهة مناهضة الاسلاموفوبيا بالغرب وعلى جبهة مقارعة الاسلام الرجعي الذي يمثله الجهلة في اوطاننا من شيوخ القتل والتحريم وتزويج القاصرات , مواقف الدكتور رمضان هي أكثر من ان تلخص في مقال اوكتاب ولكن اخترنا منها بعض المواقف التي وردت في كتابه الاخير L'islam et le réveil arabe والذي تناول فيه التحولات السياسية والمجتمعية التي عرفتها المنطقة المغاربية والعربية شارحا بالدليل وبمنهجية علمية الاسباب التي ادت الى نشوء الاستنهاض المجتمعي في هذه الدول ورؤيته المستقبلية لشعوبنا بعد هذه التحولات العميقة التي شهدتها بلداننا ، الدكتور رمضان وقف في بداية تقديمه لكتابه على المفاهيم فرفض تسمية ما يحدث بالثورات لانها لم تغير الانظمة ولم يعرف بعد مصائرها واعتبر الذين اسموها بالثورات بأنهم رومانسيون حالمون ابعد ما يكونوا مدركين الحقائق على الارض لذلك يقول الدكتور رمضان في كتابه صفحة 17 وصفحة 19 :"a l'analyse ,il nous parait que le terme de « revoultion » est quelque peu excessif…..nous préférons l'usage du terme « soulèvement « pour qualifier le caractère commun des mouvements de masse dans les pays arabes. لكن هل هذه التحركات الشعبية التي عرفتها تونس والجزائر ومصر وسوريا واليمن ودول أخرى كانت عفوية وبدون توجيه وتخطيط خارجي ؟ ام ان ورائها تخطيط مسبق من جهات خارجية تسعى الى القطع مع الديكتاتورية في المنطقة واحلال انظمة ديموقراطية ؟ ولكن اليس الغرب هو الذي شجع هذه الانظمة التسلطية ووفر لها الغطاء السياسي والاستخباراتي ؟ هذه بعض الاسئلة التي حاول الدكتور طارق رمضان الإجابة عنها في كتابه ولقيت اجاباته وتحاليله ردود فعل متباينة حتى أن البعض اتهمه بالتحامل على الحركات الاحتجاجية في هذه البلدان بدعوى ادعائه أن هذه الاحتجاجات كانت بفعل فاعل وليست داخلية محضة ، اظن ان الدكتور رمضان أجاب على هذه الاشكاليات وهذه " الاتهامات " بطريقة تتطلب الذكاء والنسبية الفكرية لفهمها اي هي عصية على افهام الذين يستبقون الاتهام على التحليل والنظرة العميقة المتأنية فبخصوص استقلالية الحركات الاحتجاجية وانها صناعة داخلية محقة في مطالبها وتربة تطورها هي البؤس والفقر والاستبداد الذي تعيشه الشعوب المنتفضة يقول الدكتور طارق رمضان صفحة 10 " est –ce a dire , comme le pensent certains ,que ces mouvements sont manipulés et que tout ,au fond est aux mains de » l'occident » ,des Etats -unis et de l'Europe ? nous ne le pensons pas et nous discuterons cette hypothèse « لكن اذا كانت هذه الانتفاضات الشعبية وليدة للتحولات الداخلية اليست هناك عوامل خارجية مساعدة ؟ اليس هناك تناقض بين ان نقول لعقود طويلة بأن الغرب يساعد الديكتاتورية في اوطاننا وان نقول الان بأن الغرب سهل ودرب الشباب على التغيير السلمي في اوطاننا ؟ الدكتور رمضان يقول جوابا على ما بدا لنا تناقضا على ان التحليل السياسي للمصالح الغربية في اوطاننا تحليل ناقص ما لم يراع التحولات الاقتصادية الجديدة التي تعرفها المنطقة حيث بروز قوى دولية جديدة منافسة اقتصاديا للغرب تفرض تحولات كبرى على التوجهات السياسية الغربية التقليدية المناصرة للديكتاتورية في بلداننا يقول الدكتور طارق رمضان موضحا موقفه في الصفحة 11 " il apparait certes clairement que les Etats-Unis et l'Europe avaient décider de changer de politique dans les deux régions يقصد هنا شمال افريقيا والشرق" الاوسط " .soutenir inconditionnellement des dictateurs et des régimes corrompus ne pouvait plus être viable ni efficace dans la perspective , en sus de l »émergence de nouveau acteurs politiques et économique de poids tels que la chine , l'inde ,la Russie le brésil .une reforme s'imposait . » الدكتور طارق رمضان في الكتاب حذر من مغبة الافراط في التفاؤل بخصوص مصير هذه الانتفاضات الشعبية داعيا الى التركيز على التحليل المتعدد الابعاد الذي يضم الاقتصادي والسياسي والجيوستراتيجي فالقوى التي قادت هذه التحولات لم تكن تملك مفاصيل اقتصاد بلدانها وهذا هو عنصر ضعفها ، ففي مصر على سبيل المثال يملك الجيش المصري حوالي 60 في المئة من اقتصاد مصر وله علاقات وشراكات دولية مع الغرب والولايات المتحدةالامريكية فكيف يمكن للشباب المصري الثائر ان يصنع مصر جديدة وهو لا يملك الاقتصاد ؟ صحيح ان الغرب تفاجا بزخم التحولات التي عرفتها منطقتنا لكنه كان ينتظر ذلك وعمل من اجل ذلك والدليل ان جميع الشعارات التي حملها الشباب المنتفض كانت تهم فقط المطالب الداخلية فلم نسمع الشباب يدعو الى محاربة الامبريالية والتبعية الاقتصادية المتجسدة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولا سمعنا شعارات تنادي بتحرير فلسطين بل الشعارات محلية ومطالب داخلية وهذا راجع في جزء منه الى غياب التوجيه الايديولوجي المؤطر لهذه التحركات الشعبية فكان هذه نقطة قوتها من حيث قدرتها على جمع جميع اطياف المجتمع للمطالبة بالتغيير , لكن كانت نقطة ضعفها فيما بعد عندما تم اسقاط الديكتاتور في تونس ومصر وليبيا تاه المجتمع السياسي في تقاطبات عقيمة بين العلمنة والسلفية والاسلام السياسي فضاع الشعب والبلاد في هذه التجاذبات الداخلية وتراجعت مؤشرات التنمية واحتلت الفوضى واجهة الاحداث فاعطت لقوى الثورة المضادة مرتعا خصبا للنمو والتكاثر من جديد . كتاب الدكتور طارق رمضان الاسلام والنهوض العربي يفتح امامنا افاق تفكير رحبة حول التحولات التي تعرفها بلداننا ويسائل الاحداث والتفاصيل بنظرة علمية لا تخلو من ديكارتية محدثة تشك في النوايا الغربية وتتبنى التشكيك في اي شئ والدكتور محق في ذلك لان العالم مبني اليوم على المصالح والتسابق نحو اماكن انتاج الثروات ولا وجود لمنطق الاخلاق والانسانية في العلاقات الدولية الجديدة كما تروج الالة الاعلامية الغربية في حديثها مثلا عن اهداف التدخل الانساني الفرنسي في مالي او اهداف التدخل الامريكي في العراق قبل ذلك ,بعد قراءتنا للكتاب استخلصنا منه اربع خلاصات نتمنى ان تدقق في حوارنا المفتوح مع القراء : · الخلاصة الاولى : الغرب ساعد الشباب المنتفض في بلداننا على القيام بتحركات شعبية ووفر التمويل والتكوين في المعاهد الدولية الكبرى ولكن ليس حبا في شعوبنا ولكن لان الدور الصيني المتصاعد في المنطقة والاعتبارات الاقتصادية والجيواستراتيجية املت على الغرب وامريكا تشجيع الاطاحة بالديكتاتورية في المنطقة وبالتالي صدقت النبوة السياسية لبوش الابن منذ توليه الحكم في الولاية الاولى عندما قال بأن شرقا اوسطيا جديد سيتشكل وسيعطي بطبيعة الحال لاسرائيل موقعا متميزا هذا ما يقع اليوم هو استفراد اسرائيل بالقوة العسكرية والاستقرار السياسي في المنطقة بعدما تم اضعاف الجيش المصري وادخاله معترك السياسة بشكل مباشر في مواجهته للشعب المصري وتفتيت الجيش السوري وتشتيت قواه وجعل فوهات بنادقه تتجه نحو صدور ابناء جلدته من السوريين وليس اتجاه اسرائيل . · الخلاصة الثانية : ادعاء البعض منا ومن المفكرين الغربيين بأن الحركات الاسلامية هي التي نزلت الى شوارع المدن مطالبة بالتغيير امر خاطئ او على الاقل مبالغ فيه فالحركات الاسلامية على الاقل في مصر والمغرب وسوريا التحقت بالحراك الشبابي واستثمرته لصالحها _بعدما بدأ وتغلغل في المجتمع _ لانها كانت القوى السياسية الاكثر تنظيما في هذه المجتمعات ولم تكن الحركات الاسلامية هي المبادرة في المطالبة بالتغيير لذلك سرعان ما انقلب الشارع المنتفض ضد هذه القوى المستأثرة بالحكم عندما انقلبت على شعارات الشارع واصبحت تمارس هواية وغواية الحكم والتحكم ففي مصر مثلا سرعان ما انقلب الشباب على حركة الاخوان المسلمين التي لم تلتحق بالحراك الشبابي المصري الا بعدما تيقنت بجديته ونحوه منحى الحسم مع نظام مبارك لكن الشباب المصري خاب امله في حكم الاخوان المسلمين لانهم ركزوا على السجالات السياسية العقيمة ونسوا الشعب والشباب فسهل عليه استقطابه من اعدائه السابقين فوقع انقلاب الجيش على الاخوان ، في المغرب لم يدخل حزب العدالة والتنمية في معمعة الحراك المغربي الذي قادته حركة 20 فبراير لكن العدالة والتنمية احتلت المرتبة الاولى في الانتخابات المغربية لانها كانت القوة السياسية المنظمة والمؤهلة حسب الشعب المغربي للقضاء على الفساد والاستبداد ولكن خاب امل المغاربة في هذه الحكومة وعادت الازمة السياسية المغربية في الظهور مجددا شيئا فشيئا لان العدالة والتنمية لا يمثل تطلعات الشارع المغربي ولم يستجب لطموحاته. · الخلاصة الثالثة : شعوب شمال افريقيا والشرق الاوسط تريد العيش بحرية وكرامة عكس ما يروج عنها بانها شعوب استمرئت الفساد والقمع وتعايشت معه او عكس الاطروحة الاستعمارية التي تتهم هذه الشعوب بالتخلف الجيني وبانها لا يمكن ان تعيش الا في ظل بيئة ديكتاتورية هذه الاتهامات لشعوبنا كانت هي المسوغ الايديولوجي الذي استعملته ووظفته القوى الاستعمارية لاستعمار بلداننا اي العمل على استعمارنا من اجل اجتثاثتنا من الامية والجهل ولكن بخروج الاستعمار بقي الجهل وبقيت الامية واستنزفت ثرواثنا البرية والبحرية كان المفكر الفلسطيني المرحوم ادوارد سعيد من خيرة المفكرين الذيت صدوا بحزم لهذه الدعاوي الاستعمارية البديئة في كتابه الاستشراق وكتابه الثقافة والامبريالية ، الانتفاضات الشعبية التي عرفتها بلدان شمال افريقيا والشرق الاوسط تبرهن على ان الشعوب تريد الديموقراطية والتحرر ولكنها مكبلة بالقمع والتخلف والفهم الخاطئ للدين الاسلامي شعوبنا ترى الغرب نموذجا ولكن الغرب يريدنا حقلا خلفيا عبر دعمه للديكتاتوريات والاحقاد الطائفية ، الانتفاضات الشعبية في بلداننا اثبتت قدرة شبابنا على الاستخدام الامثل للتكنولوجيا وشبكات الاتصال الاجتماعي وهذا يدل على ان شبابنا طموح ومنفتح على العلم رغم كل السياسات المطبقة في بلداننا والتي تكرس الامية والجهل وتنشر الجريمة واليأس ، شعوبنا تحتاج فقط الى التوعية والتثقيف وستقول كلمتها في المستقبل . · الخلاصة الرابعة : مايهم بلداننا اليوم هو التفكير بالاطاحة بالاستبداد والديكتاتورية ونشر قيم التسامح والحداثة والتفكير العلمي وليس الانشغال بالتقاطبات الايديولوجية الحدية بين العلمانيين والاسلاميين ، شعوبنا تريد تنمية ديموقراطية وتعليم عادل ومتاح للجميع وسياسة اقتصادية منتجة ومستقلة وليس صراعا ايديولوجيا يمس المستويات الفوقية للفكر ولا يؤثر على البنيات الواقعية الملموسة , ثقافتنا السياسية تحتاج الى تغيير من الاتفاق ضد شئ ما الى الاتفاق على شئ ما فمن السهل ان نتفق ضد الاستعمار او ضد الفساد ولكن من الصعب ان نتفق على استراتيجيات وطنية لمواجهتهما ففكرنا السياسي مبني على الضدية والمعارضة اللفظية اكثر مما هو مبني على التحالف والعمل المشترك وعلى ثقافة الحد الادنى المشترك ، التحولات السياسية التي عرفتها بلداننا تتيح امامنا فرصة ذهبية لاسترجاع معنى السياسة والشان العام في النقاش العمومي بعدما تم تغييبه بفعل نخبوية السياسة واغتراب السياسيين عن طموحات المجتمع ، طريقنا نحو التحررمن الاستبداد هو التعليم والتعددية الثقافية والسياسية واحترام الحريات الانسانية بجميع مكوناتها واشراك المراة بقوة وايمان في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية تلكم خلاصتنا التي استنتجنها من قراءتنا للكتاب القيم للدكتور طارق رمضان . وختاما نختم بقول طارق رمضان صفحة 224 « la conscience musulmane contemporaine ne peut échapper a l'exercice de ce travail critique :toutes les expériences de l'orient et de l'occident, du sud et du nord, doivent y apporter leur contribution. il s'agit au delà des soulèvements contre les despotes, de dessiner les contours d'une vision porteuse de plus de justice, d'égalité, d'émancipation des femmes, de lutte contre la corruption et la pauvreté . définir, a partir de sa mémoire, de ses références , une idée de la dignité de l'homme « دمتم في رعاية الله