بقلم : أمين صبري يبدو أن تجمع اليسار الديمقراطي يمر في الآونة الأخيرة بطور قد يكون حاسما بالنسبة لاستمرار تجربته التاريخية يؤشر على وجود قرار سياسي يقضي بحله عمليا من طرف اتجاهات متنفذة في بعض مكوناته. فالبيان من أجل المشاركة في مسيرة الأحد 31 مارس 2013 بتاريخ 25 مارس 2013 بغض النظر عن مضمونه تحاشى أي ذكر لتجمع اليسار الديمقراطي ولا حتى لمكونات تجمع اليسار الديمقراطي فتم توقيعه باسم الأحزاب الأربعة مقدما بذلك دليلا أسطع وأوضح على ما نسوقه من فرضية حول وجود قرار يصفي نهائيا هذا التحالف.وقد سار القادة الأربع للمكونات الأربع للتجمع جنبا إلى جنب في المسيرة العمالية والشعبية المذكورة وراء لافتة لا ذكر فيها لتجمع اليسار الديمقراطي(انظر الصورة رفقته).وبذلك يكون آخر بيان يشير إلى الهيأة التنفيذية لتجمع اليسار مع أنه وقع في نفس الوقت باسم المكاتب السياسية لكل من الحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والكتابة الوطنية لكل من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والنهج الديمقراطي هو البيان التضامني مع جماهير سيدي بن على بتاريخ 29 دجنبر 2012. فما هو السر في هذا التحول؟ بداية نذكر أن تجمع اليسار الديمقراطي تأسس كتحالف يساري معارض يوم الأحد 6 يونيو من سنة 2004 بعد حوالي سنتين من النقاش والتنسيق والإعداد الجماعي وذلك خلال مهرجان جماهيري حاشد بقاعة محمد زفزاف بالدارالبيضاء من طرف 5 مكونات هي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والنهج الديمقراطي إضافة إلى جمعية الوفاء للديمقراطية وحزب اليسار الاشتراكي الموحد(اللذان اندمجا في إطار الحزب الاشتراكي الموحد). وقد تأسس تجمع اليسار على أساس ميثاق تأسيسي ولائحة تنظيمية وتم صياغة برنامج سنوي لسنة 2005 من طرف الملتقى الوطني للتجمع وساهم النهج الديمقراطي بحماس وصبر وإخلاص وتواضع في هذا كله لاقتناعه بأن بناء هذا التحالف من شأنه كلبنة أولى المساهمة في تطوير نضال شعبنا من أجل الديمقراطية والتحرر من الهيمنة الإمبريالية. وجاء في البرنامج المذكور ودليل العمل المرفق به عدة محاور أبرزها النضال من أجل دستور ديمقراطي،محاربة الفساد تحت شعار إيقاف النهب واسترجاع الأموال المنهوبة وإقرار عدم الإفلات من العقاب،ملف البطالة والتشغيل تحت شعار الشغل حق دستوري،ملف التعليم تحت شعار تعليم عمومي مجاني وجيد للجميع،دعم المقاومة بالعراق وفلسطين مساهمة في تحرير الإنسانية... وجاء في المادة الرابعة من اللائحة الداخلية أن "لكل تنظيم عضو في التجمع حق مغادرته متى شاء دون أن يعني ذلك فك التجمع وانتهائه" وفي المادة الخامسة انه "يحق لمكونات التجمع عقد تحالفات أو أشكال أكثر تقدما للتنسيق أو تحقق وحدة اندماجية بين طرفين أو أكثر من أطراف التجمع شريطة ألا يتناقض ذلك مع الأسس والتوجهات التي يقوم عليها التجمع".هكذا اندمجت "الوفاء للديمقراطية" مع "اليسار الاشتراكي الموحد" وكان من حقهما كما ساهم ا"لنهج الديمقراطي" في تشكيل تنسيق مع عدد من تيارات اليسار الجدري وكان من حقه ولم يكن ليضر هذا وذاك بالتجمع.وتشير المادة السادسة إلى أن "الهياة التنفيذية للتجمع تأخذ قراراتها بالإجماع". ذلك أن جميع الأطراف كانت على وعي تام بأنها تؤسس التجمع وهي مختلفة حول قضايا هامة على رأسها شكل النظام السياسي المراد بناؤه (وان كانت متفقة على أن يكون نظاما برلمانيا لا نظاما رئاسيا) ومختلفة حول قضية الصحراء ومختلفة حول قضية الانتخابات ونظرتها متفاوتة للعمل الجماهيري وفي مقدمته العمل النقابي ناهيك عن القضايا المرتبطة بالإطار المرجعي... وخلال أزيد من سنتين من العمل وفق منهجية تفعيل المشترك دون تجميد القضايا الخلافية ولكن دون النفخ فيها تم انجاز عدد من المبادرات وتم تأسيس 11 هيأة محلية تابعة للتجمع في مختلف مناطق المغرب. غير أن تشكيل تحالف اليسار الديمقراطي بين كل من الطليعة والاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني بخلفية المشاركة في الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007 كان بداية لتصريف التناقضات على نحو آخر حيث جره منطق التركيز على الانتخابات والرغبة في البروز والتموقع في المشهد السياسي كتحالف إلى إهمال وتهميش التجمع.وكأني بتماهي اسم التحالف(تحالف اليسار الديمقراطي) مع اسم التجمع(تجمع اليسار الديمقراطي) تعبير عن إرادة إقبار الثاني لمصلحة الأول.أجزم إذن أن اختيار هذه التسمية لم يكن أمرا بريئا وهكذا تم تجميد هياكل تجمع اليسار منذ ذلك الوقت إلى حين اندلاع حركة 20 فبراير حيث انعقد آخر اجتماع للهيأة التنفيذية الذي كان الهدف الأساسي منه إقناع قيادة النهج الديمقراطي بتبني ودفع الحركة إلى تبني شعار الملكية البرلمانية بدعوى الوضوح وأن الجماهير ستلتحق بكثافة إذا ما تبنت الحركة هذا الشعار. خلاصة القول هو أن التوجه الحالي نحو التصفية العملية والنهائية لتجمع اليسار تعكس رغبة جامحة لدى بعض الاتجاهات المتنفذة في بعض مكونات التجمع في عزل النهج الديمقراطي مقابل نسج تحالفات مع قوى ديمقراطية-اجتماعية خصوصا الاتحاد الاشتراكي،فكت ارتباطها باليسار رغم كونها لازالت تضم في صفوفها عددا من المناضلين المخلصين. إننا،نأسف حقا للمصير الذي انتهى إليه حزب القوات الشعبية ونعتقد أن اليسار الديمقراطي لا يجب أن ينخدع بانتقال هذا الحزب إلى موقع المعارضة البرلمانية والناتج من جهة عن رغبة المخزن في توفير نوع من المصداقية للبرلمان بواسطة معارضة لا تقتصر فقط على الأحزاب الإدارية وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة ومن جهة أخرى عن رفض المناضلين المخلصين داخل الحزب للخط السائد والذي أدى إلى تدجينه وتراجع جماهيريته. وقد سبق للكاتب الأول السابق للحزب السيد عبد الواحد الراضي أن أوضح معنى عودة حزبه للمعارضة والتي تعني بالنسبة إليه معارضة لحكومة محافظة وليس المعارضة بالمفهوم السابق التي كانت تعني معارضة نظام سياسي سلطوي. إن الاتجاه المتنفذ في الاتحاد الاشتراكي عصف بكل الرصيد التاريخي للحزب الذي صنعته أجيال من أولائك الذين حق تسميتهم "أبطال بلا مجد" وقد قطع أشواطا في الاندماج في الطبقات السائدة وفي دواليب المخزن لذا يجب محاربة جميع الأوهام حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الحزب في النضال من أجل الديمقراطية،ناهيك عن حزب التقدم والاشتراكية صاحب الفتوحات في الإذعان للأعتاب الشريفة،وسط الاتجاه الذي يراهن عليهما داخل تحالف اليسار الديمقراطي بل نجازف بالقول أن اليساريين المخلصين يجب أن يجشعوا المناضلين الحقيقيين في صفوف هذين الحزبين إلى مغادرتهما والالتحاق باليسار المناضل كل حسب قناعاته طبعا. وإننا متأكدون أن قواعد وعددا من الأطر القيادية في تحالف اليسار الديمقراطي لن تقبل بأي تقارب فبالأحرى تحالف مع حزب صوت بنعم على دستور 1996 ودستور 2011 ومارس منذ شهر مارس 1998 من موقع الحكومات المتتالية سياسة لا علاقة لها باليسار لا من قريب ولا من بعيد ويتزعمه الآن أحد رموز الشعبوية والبلطجة السياسية في بلادنا. إن البعض في تحالف اليسار الديمقراطي يجعل من شعاره حول الملكية البرلمانية مسألة حياة أو موت وشرطا لإقامة أي تحالف وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق.هذا ونعتقد أن بعض عناصره غير صادقة أصلا في هذا الشعار نفسه.ذلك أن هذا الشعار يتناقض بشكل صارخ مع بعض المذكرات حول دستور 2011 سلمت بإمارة المومنين للملك وأعطته صلاحية قيادة الجيش وصلاحيات أساسية أخرى.كما يتناقض هذا الشعار المقدس مع كون الائتلاف من أجل ملكية برلمانية الآن الذي تفكك وانتهى إلى الفشل التام ضم في صفوفه عددا من القوى مثل التوجه المتنفذ في الاتحاد المغربي للشغل الذي لم يترد في الدفاع عن مشروع دستور 2011 والتطبيل له بل واضطهاد التوجه النقابي الديمقراطي داخل هذه المركزية عقابا له على رفضه تزكية الدستور المخزني كما يتناقض مع تصريح لأحد قيادي التحالف بأن مقاطعة الدستور ليست موجهة ضد النظام ويتناقض مع معارضة البعض الآخر وبكل قوة التحاق حركة 20 فبراير بالأحياء الشعبية عندما خرجت ذات يوم أزيد من 100 ألف مواطن(ة) بمدينة الدارالبيضاء وحدها. إننا نستغرب لهذا النزوع الاستئصالي الذي يريد أن يجعل من جميع القوى المناضلة تتبنى الملكية كشرط لإقامة تحالف جبهوي معها.فهل من المعقول إذا كان هذا البعض صادقا في بناء الجبهة أن يطالب منظمات جماهيرية تقدمية ومكافحة مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أو التوجه النقابي الديمقراطي بالام ش أو الكدش والفصائل الطلابية وأجزاء من الحركة الأمازيغية الديمقراطية وحركة المعطلين ومنظمات المبدعين وغيرها من المنظمات المدنية متنوعة فكريا وسياسيا بطبيعتها بتبني شكل محدد للنظام السياسي كشرط للتحالف؟ إن التحالف يحتوي بطبيعته تناقضات بين مكوناته وكل القصة هي كيف نحل هذه التناقضات على نحو صحيح وديمقراطي لمصلحة تطوير نضال شعبنا وهذا أمر ممكن ونكتفي بالقول اختصارا أن الحل الديمقراطي للخلاف حول قضية شكل النظام هو التخلص من العلاقات المخزنية وبناء نظام ديمقراطي هذا إذا كنا نرغب في تجميع اكبر قوة شعبية ممكنة كشرط ضروري لتغيير موازين القوى لأن نهج أسلوب التوافق كاستراتجية مع المخزن من طرف القوى الوطنية كان وبالا على شعبنا ووطننا.كما يمكن إيجاد حلول لمسألة الخلاف حول الانتخابات كقضية تاكتيكية وغيرها من القضايا ولا يسع المجال بالتفصيل أكثر. خلاصة القول أننا متمسكون بتجمع اليسار الديمقراطي ونحن ضد تصفيته عمليا أو حله قانونيا أو تجميده وتهميشه ونجزم أن الرغبة في التخلص منه معاكسة تماما لواقع الأمور على الأرض والمتجسدة في تعطش القواعد المناضلة لمكونات التجمع للعمل الوحدوي المشترك دون اشتراطات من طرف على آخر وهذا ما أبرزته المواقف والحملات المشتركة لتجمع اليسار في عدة مناطق من بلادنا إبان مقاطعة الاستفتاء حو الدستور الأخير وهذا ما تشهد عليه الآن المبادرات الوحدوية الهامة لشبيبات التجمع.كل هذا اقتناعا منا رغم تواضع حصيلة وأداء التجمع أنه كان ولازال نواة سياسية لقطب سياسي-اجتماعي أي جبهة وطنية للنضال من اجل الديمقراطية وضد الليبرالية المتوحشة يجب تطويره وتوسيعه ليشمل قوى سياسية واجتماعية مناضلة أخرى وهذا سيشجع من دون شك ألاف المناضلات والمناضلين الديمقراطيين الذين أفرزتهم حركة 20 فبراير والذين صقلتهم الكفاحات المريرة في عدد من المنظمات الشعبية على تعزيز صفوف القوى الديمقراطية التقدمية وتحمل المسؤولية في معترك التغيير السياسي العام للمجتمع.