البحث عن علة نكوص أحزاب بعينها وقوة أحزاب أخرى بقوة المصوتين عليها ، هو بحث عن التشكيلة التغيرية للنمذجة الاجتماعية / السياسية المغربية ، وسبل بناء الدولة الديمقراطية . فجيل سياسيي ما بعد تاريخ الاستقلال وصل إلى الحمية الانتخابية ، واكتفى بمقاطعة الألوان والرموز ، ولم تسعفه حميته الصحية/السياسية حتي للتوجه إلى مكاتب التصويت وإبداء رأيه كناخب . إنها نوتة سلم الثقة الشعبية التي فقدت صدق ومصداقية اللعبة السياسية المغربية نتيجة ممارسات انتخابية فاسدة وخطابات لا تلوي عليها الجماهير إلا بالتكرار الخطابي الموسمي (دكاكين الأحزاب الانتخابية ). فالتجارب المتكررة علمت الناخب المغربي تجنب فساد السياسة والسياسيين وفجوات الركائز البنائية للنظام الانتخابي المغربي ذي النتائج المبلقنة. لكن العينة الضابطة الأخير المنتشية بالفوز التمددي- (خاصة بالمدن الكبرى )- لحزب العدالة والتنمية ،والتي أضحت تشكل النشاز الايجابي الواقعي في الأحزاب السياسية المغربية. فحزب العدالة والتنمية ارتكز على خطاب بديل - بلغة الشعب - جعل من الناخب الحكم الفصل بين الأيادي البيضاءوالفاسدة ، بين القدرة على اقتراح الحلول وبين المزايدة السياسية العفنة . هي ذي الحقيقة التي استطاع بها الحزب الإسلامي الاستفادة التامة منها، فالكتلة الناخبة الشعبية المهمشة والناقمة على أحزاب بعينها ضمنها الحزب بالاصطفاف بصفه . فاللعبة السياسية فطنها الإخوة في حزب المصباح من خلال تفكيك القضايا الاجتماعية بواقعية الظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية . إنه التغيير الذي ينهجه حزب العدالة والتنمية كاستراتيجة متئدة ومحكمة بامتداد الفعل السياسي المغربي المستقبلي (الانتخابات التشريعية القادمة ) . فالقبول باللعب ضمن قواعد النظام الرسمية ، وخلق الرمزية الطاهرة /الشفافة والنظيفة للحزب ،فضلا عن التنظيم المحكم لأجهزة الحزب الداخلية وانضباط مريديه بالطاعة والتعبئة المستدامة ، ودور الجناح الدعوي في تسويق القيم الفكرية للحزب ذات المرجعية الإسلامية، كل هذه العوامل وغيرها هي من بين المؤشرات الصانعة لنجاحات حزب المصباح في مسك قبضته على أهم الحواضر الانتخابية ، وهو حجم الاختراق الانتخابي الأول المشهود به لحزب العدالة والتنمية ، والفتح المبين لمعاقل كانت في الماضي القريب قواعد صامدة لأحزاب من الحركة الوطنية خاصة حزب الاستقلال " فاس " ، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " الرباط " (نماذج فقط ). الصدمة التي أعقبت ظهور النتائج الرسمية أربكت مجموعة الأحزاب السياسية والتحالفات الشكلية ، وأضحى التحالف بين شيطان اليوم والملائكة ممكنا غير ما مرة مادامت البراغماتية / النفعية تحكم سلوك أمناء وكتاب أحزابنا المغربية . الآن أعلن رسميا عن وظيفة الانتخابات من حيث الشعب له السيادة الكاملة في اختيار ممثليه من المنتخبين ، ولم يتم التشكيك في مصداقية العملية الانتخابية ل 4شتنبر 2015 . لكن الأمر الذي يتم التشكيك فيه من طرف خصوم حزب العدالة والتنمية ، هل بمقدور الحزب تدبير وتسيير الشأن المحلي والجهوي ؟ سؤال عريض التحليل ويركبه التخمين السلبي ، وستبدي لنا الأيام ما نجهله اليوم . نعم ،نقول بمقدور حزب يقود السلطة التنفيذية أن يدبر أمر التسيير المحلي والجهوي، وسبق للحزب أن جرب وخبر ذلك (في مكناس مثلا ) رغم اكراهات وعراقيل الخصوم السياسيين ،وسلطة الأمر والنهي . يمكن أن أصف بصدق نزق منهجية حزب العدالة والتنمية في التخطيط المنهجي لسياسته الداخلية العامة فالمقولة الشعبية " الواد لا يفيض عندهم إلا بمجموعة نقاط متالية ومركبة " ، فرغم اكتساحه لمعظم الحواضر المغربية وجهاتها ، فإنه آثر سياسيا ترك الجهات لمن يسانده في تحالفه ودخل غمار التدبير المحلي . لما أغلق الحزب نوافذه عن التدبير الجهوي "الجهوية المتقدمة " وفتح الباب أمام أطره الأوفياء لعلامة الحزب في اعتلاء كرسي التدبير المحلي ؟ إنها سياسة القرب المرتبطة بمشاكل المواطن وأولوياته ، إنها عملية تكوين اطر الحزب بالاحتكاك اليومي بالتسيير والتدبير اليومي للشأن المحلي ، إنها عملية تسويق العلامة الحصرية للحزب بمصداقية القرب وتدبير الأولويات التي تشغل المواطن البسيط في عيشه اليومي ، انه التخطيط الاستراتيجي المستقبلي / الاستباقي كتكهن منطقي يخدم الأجندة السياسية للحزب في الانتخابات التشريعية القادمة. لحد الآن تم توقفت خطة سياسة "الحزب المهيمن" في مهد الولادة بعد أحداث ما تم الاصطلاح عليه "الربيع العربي / حركة 20 فبراير" ،وانسل الفعل السياسي المغربي من وصلة الدولة العميقة الوفية لسلطة التمركز ورسم الخرائط السياسية المحينة سلفا ، إلى باحة الانفتاح ضمن خيوط لينة للعبة كراكيز تحرك من بعيد " القانون المنظم للانتخابات " وتكبح حركة الاكتساح والتمدد ولو قصرا بتحديد العتبة مسبقا ونسج مجالس مبلقنة . هنا يمكن أن لا نختلف في التصور وممكن الاختلاف في إصدار الأحكام المعممة . لكن الأمر الأمكر الذي لا نعرف نتائجه بالوفاء العددي هو أعداد المقاطعين للعملية الانتخابية برمتها ،أعداد العازفين عن التسجيل في اللوائح الانتخابية ، أعداد الصامتين طوعا أو كرها " حركة العدل والإحسان " من مساحة حرية الدولة الممنوحة ، أعداد من ألغيت أوراق تصويتهم . إنها القيمة المضافة الكاشفة عن لعبة تنتج الخاسر من الأحزاب والرابح منها ، والدولة تبقى دائما في وضعية رابح /رابح . فلو قمنا بعملية تجميعية لكل الأعداد الحقيقة بين المنخرطين والعازفين والمقاطعين ومن ألغيت أوراقهم التصويتية لتبين لنا أن نسبة المشاركة في التصويت أضعف بكثير مما أعلن عليه رسميا . ولفطنا أن القاسم المشرك الذي يحكم مجالسنا الجهوية والمحلية بالعتبة لا يعدو أن يكون عددا بعد الصفر والفاصلة كنسبة مائوية ضعيفة . فما العمل إذا في مجال إرساء الحريات الجماعية ؟ نقول بالحكامة ، نقول بالديمقراطية ، هي نفس التصورات التي ركبت الدولة عليها وأصبح خطابها يماثل خطاب المعارضة في الماضي القريب . فما العمل في مجال الوسط الشعبي المستهلك لكل وصفة انتخابية ؟ قولنا الشامل بالتحصين القانوني لأفعالنا السياسية ، في إعادة الثقة للشعب من العمليات الانتخابية والتي تم طبعها بالفساد في ما مضى ،قولنا الأعم في التربية السلوكية لمحاربة الفساد والفاسدين ،قولنا الأحق في احترام المواطن للقانون قبل المطالبة بتطبيقه ،قولنا في تخليق الحياة السياسية ومحاربة بعبع الفساد في معاقله بالمحاسبة والمساءلة الفاعلة ،فالدفع بمقولة "عفا الله عما سلف " ليس إلا قفزا وهميا عن آفة الفساد ، وإعادة إنتاج إنزال المال الوسخ إلى ساحة اللعبة السياسية . فيما القول بإحقاق الحق والعدل وتنظيف جيوب الفساد بالقصاص والمحاسبة هو من يوطن مركزية الفعل السياسي النظيف ويوظف سلطة الديمقراطية في بناء دولة الحق والقانون . فما العمل في مجال الأحزاب السياسية الوطنية ؟ هذه القضية هي المفصل الضابط بين القول القائم على الهيكلة والتجديد وتطبيق الديمقراطية الداخلية بدون "كولسة " ولا استبداد ، وبين الباطل في قيام أحزاب الانشطار بدون هوية ولا قاعدة جماهيرية وشوهتها تظهر في الانتخابات (عدد المصوتين للحزب 00) . فميلان كفة التصويت نحو أحزاب معينة ما هو إلا تحول اختزالي في الثقافة الانتخابية عند المواطن المغربي ، والتي نستوثق من صحتها بمنتهى الدفع إلى الأمام بتخليق الحياة السياسية المغربية وقطف رؤوس الفساد التي أينعت وحان موسم قطافها . فرؤية إضعاف الأحزاب السياسية كما تعبر عنه بعض الكتابات والتحاليل السياسية لا يخدم الدولة ولا "المخزن " ولا حتى الطبقات الشعبية ، لان الغضب الشعبي يمارس غير ما مرة على الأحزاب السياسية ذات الأغلبية في السلطة التنفيذية . ثم بالعقاب الجماعي بالعزوف عن التصويت لها إن لم من نفل التصويت لخصومها عنوة . من تم يمكن أن تكون رؤيتنا الشكلية تجانب رؤية الدولة في تدبير الاستحقاقات الانتخابية من منطلقها التأسيسي القانوني إلى الإفصاح عن النتائج ، لكننا لن نخرج من مبدأ المطالبة بإعادة الاعتبار للفعل السياسي ، ووضع المواطن موضع الثقة المتبادلة بجاذبية التغيير الايجابي والثورة السلمية ضد الفساد والمفسدين. ذ محسن الأكرمين / مكناس : [email protected]