لابد أن المباراة الرسمية/ الافتتاحية للملعب البلدي بمريرت بين الفريق المحلي و فريق وجدي يوم الاحد 15مارس 2015، بعد تغطية أرضيته بالعشب الاصطناعي، كانت فرصة للعديد من المشجعين كبارا و صغارا، نساء و رجالا ليحجوا بكثافة لتشجيع فريقهم من جهة، وهذا ليس بغريب على الجمهور المريرتي الذي يعشق اللعبة، والذي حج لرؤية عرض كروي فوق أرضية جديدة قد تشجع اللاعبين على مزيد من الإبداع و إبراز المواهب، و من جهة ثانية كانت المقابلة فرصة للبحث عن متنفس لقضاء وقت ممتع في شبه غياب أي متنفسات أخرى لكل من يريد تغيير روتين إيقاع الحياة البطيء بهذه المدينة المنسية، و يبقى هذا من حق هذا الجمهور ما دامت الفرجة الكروية تصنع بأموال تجمع من ضرائب تقتطع من قوتهم اليومي. لكن المثير هو انه و رغم أن المباراة مرت بأعجوبة في ظروف قد يصفها أصحاب تقارير سمفونية " العام زين" بكونها ظروفا جيدة، إلا انه بعد مساءلة الظروف الاجتماعية و النفسية التي أجريت فيها هذه المقابلة سنجد أنفسنا لا محال أمام موضوع جدي يستدعي التحليل و الرصد ، كمسألة ذات طابع جدي لا يجب أن تضيع وسط ركام الفهم المغلوط و الالتصاق الشعبوي بحماس الجماهير و تضخيم الذات لرسم صورة مغلوطة قد توهمنا، لنستيقظ ذات يوم على وقع كابوس اجتماعي يحول ملعبنا إلى ساحة قتال، وآنذاك سنأسف لأننا لم نأخذ العبر مما وقع هنا أو هناك خصوصا و أن الملعب مقبل على استقبال مقابلات القسم الوطني الأول. إن المتأمل لحماسة الجمهور الذي حج بكثافة سيشعر بحبور آسر، و سيشعر أن التغني بتحقيق التنمية شعار لا تتم أجرأته، لكون هذا الحماس رأسمال حولته دول إلى" كرنفالات احتفالية" مؤطَّرَة لها عوائدها على المستوى الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي و التربوي و النفسي .... و لكنه سيمتعض بواقع حال استقبال هذا الجمهور بطرق يغيب عنها الأساس الفلسفي في علاقتنا بمفهوم الإنسان و المؤطِّرِ لكل تعاملاتنا المحترمة لكرامته. طرق الاستقبال كانت ارتجالية بعيدا عن كل تنظيم محكم و مسبق تتوحد فيه جهود الجميع ليوفر الحماية للأطفال، و لبعض الأمهات المرافقات لأبنائهن، و لعشرات الطفلات في مقتبل العمر و اللائي لم يسلمن من تعنيف لفظي لابد أن يترك جروحا في نفوسهن البريئة و يبين لهن أن شعارات الثامن من مارس المتغنية بمقاربة نوعية ستحقق المساواة شعارات مناسباتية فقط. إنه غياب لفلسفة تؤطر الممارسة الرياضية على جميع الأصعدة باتجاه أكثر و عيا و تقدما يجنبنا كل تلك الاضطرابات التي قد يثيرها التدافع أو التزاحم أو الإجبار على الجلوس على مدرجات مكسوة بأتربة الأشغال، و بقايا الصباغات الحائطية، و سوء التعامل مع البعض، و ضعف الأداء من طرف الفريق المحلي الذي يكلف خزينة مريرت مبالغ مهمة.... كل هذا كان بإمكانه أن يحول هذه الجماهير إلى حشود مدمرة قد تتصرف بعيدا عن العقلانية و الانسلاخ اللاإرادي في حين غفلة منها من معايير العيش الجماعي، و يصبح بالتالي ذلك الوعي الشقي في الإنسان هو الموجه لمشاعر الحقد و التبرم و الرغبة في النقد... لابد أن تلك الحماسة التي أبان عنها شباب رائع في مقتبل العمر و الذي نسي كل همومه و آلامه، لأنه و رغم الفقر الذي يعاني منه اغلب هؤلاء نظرا للبنية الاقتصادية الهشة لمريرت، و رغم التهميش، و الفشل والهدر المدرسيين المفروضين على هذه الطفولة البريئة، و رغم كل هذا الذي ينتظم في حياة صعبة تحبط عزيمتهم و تئِد أحلامهم قبل الولادة.... أعطتنا (الحماسة) دروسا في الرغبة بالتغني بنغم الحياة في تناسٍ تام لظروف استقبالهم الحاطة من الكرامة في البوابة، و حجم التبخيس، و ظروفهم المعيشية....إنه الإقبال على الحياة بنَفَسِ الطفولة الذي يجعل من الأمل إكسيره الوحيد رغبة في عيشها رغم كل العوائق والعراقيل و الاكراهات، و لنا نحن الكبار أن نعتبر لمن كان يفهم معنى الوجود الانساني آنيا و مستقبلا . و لهذا وجب علينا التساؤل: - أين التوجيه و التأطير لهذا الشباب،في ظل أدوار مدرسة معطوبة و أسرة تتخبط في براثن الفقر و الأمية، و أين من يعطي العبرة لهم باحترام معنى الكرامة و التذكير الدائم بالقيم التي تجعلهم يزاوجون بين البعد الذاتي في التمسك بحق الفرجة من جهة، و بحق الآخرين من جهة أخرى و ذلك بتبني- و بقناعة راسخة- لسلوكات تتجنب حتى المساس بهم على مستوى مسامعهم و بالتالي تنقيح حتى الشعارات من كل ما قد يخدش الحياة في الأعراف الثقافية التي توجه سلوكاتنا في بعدها الانساني؟ - كيف يتم زراعة روح رياضية في نفوسهم، لكي تكون هذه المناسبات فرصة للتعلم من خلال التشجيع، و ليس فرصة لتعتمر نفسيتهم أحاسيس و مشاعر قد توقظ مواجعهم المجتمعية التي يحاولون نسيانها طيلة 90 دقيقة التي تصدح فيها حناجرهم بنغم الحياة، و الأمل الذي سيتحقق أو لا يتحقق؟ - لماذا هذا الارتجال و اعتماد مقاربة أمنية -من دون غيرها- لا تتناسب والشعارات التنموية التي نرددها، و التي نعتبر أن أساسها رأسمالنا الشبابي كعائد ديمغرافي بتحسين تربيته سنحسّن تعامله الواعي و الهادف مع جميع مجالاتنا العمومية و سنحسن بالتالي من جودة حياتنا؟ - أليس من سياسة لتوفير بنية تحتية تضمن لهؤلاء الشباب ممارسة هذه الهواية الآسرة للقلوب كبعد تنفيسي و بيداغوجي ينمي قدرة تحمل مشاعر الانتصار و الهزيمة و يؤهل لتدبير تلك التجاذبات الوجدانية التي تثيرها حماسة اللعبة؟ - هل هناك من شركاء لجعل الفعل الرياضي مسؤولية للجميع بالمدينة، وأين مبدأ التنمية المتجلي في تقسيم المسؤوليات من أجل التكامل، وهل هذا الانطواء والتدبير الانفرادي للعبة كفيل بصناعة فعل رياضي يخدم التنمية المحلية الفعلية لهذه المدينة و يحسن جودة الحياة بها؟ - و هل من مقاربة لجعل الجميع يحج على قدم من المساواة رجالا و نساء، فتيانا و فتيات، كبارا و صغارا للاستفادة من هذا العرض الرياضي ما دامت نفقاته تدفع من المال العام؟ لعله في درس العلوم الانسانية ما يذكرنا أن الانتماء لهذا الوسط الكروي، سيجعل الطفل يتخذ منه مرجعية لتقمص هوية تجعله يعطي تعريفا لنفسه و تعريفا للاخرين كذات أولا و كفرد اجتماعي ثانيا، و هذا الانتماء" الهوياتي" هو ما يفرض علينا تبني تربية صامتة في هذا المجال الرياضي الذي لا يمكن تجزيئه عن المجال العمومي، لخلق توازن ضروري لنضج هذه الشخصية المؤمنة بالمعايير الاجتماعية المجسدة للقيم الإنسانية والمتمسكة بروابط المجتمع التي تزيده تماسكا و لحمة، لنتجنب بالتالي السقوط بوعي أو بغير وعي في صناعة تلك الهوية "الميتودولوجية "لطفل او شاب مشجعٍ قد ينفجر في أي لحظة غضبا إثر سوء المعاملة وغياب التوجيه و سيكون الأوان قد فات على طرح هكذا تساؤلات و لا ينفع الندم آنذاك.