بقلم: عبد الرحيم العمراني. إن بلوغ مهرجان "تامونت" للثقافة الأمازيغية بتيغسالين دورته الخامسة لهو دليل على سعي حثيث إلى إظهار المنطقة في حلة غير التي تروج عنها بالرغم من أن أول دوراته كانت باهتة إلى حد ما، الا أنه شكل اللبنة الأولى لترسيخ تقليد ثقافي ما واظبت الجهات المنظمة له على تطويره، فكانت النسخة الثانية حسنة تنضاف إلى حساب ما راكمته الدورة السابقة من تجربة، حيث تم شيئا ما توسيع نطاق الإهتمام و تم جلب فنانين من مناطق أخرى. أما النسخة الثالثة فقد كانت متميزة الظهور و توالى التميز في النسخة الرابعة بتظافر جهود هيئات المجتمع المدني بالمنطقة و النضج الفكري المحمود للجنة المنظمة، فإذا كان ظهوره ملفت في أخر نسخة فهل سيحتفظ بنفس الحلة ؟ أم أنه سيلبس حلة جديدة أكثر استجابة لتطلعات الشباب و أكثر سبرا لأغوار الثقافة الأمازيغية و زخمها الغني ؟ أم أنه سيسقط في مغالطة "التعدد الهوياتي" كما سقطت فيه الجارة أيت اسحاق ؟ إن الحديث عن مهرجان تيغسالين هو حديث عن سيرورة من التحولات البنيوية تنظيميا و الثقافية التي رافقت هذا المهرجان، فمهرجان "تامونت" في نسخته الأولى ليس هو مهرجان "تامونت" في النسخة الثانية مثلا، و هذه حقيقة واضحة جدا، حيث أن المتتبع لنسخ المهرجان سيلاحظ بشكل ملموس مدى تطوره و مدى قابليته للاستجابة لخصوصيات المنطقة الثقافية و الهوياتية البانية لجوهر وجودها الرمزي، ومن الناحية الجغرافية فالمنطقة تتمتع بموقع استراتيجي سهل على العديد من السكان الإستقرار بهذه البلدة التي تغري الوافد على البقاء أطول مدة و لما لا الاستقرار فيها بحكم طبيعتها الرحبة. كل هذا يسعى إلى الإنتصار للإختلاف الثقافي و الغنى الذي يتميز به المشهد المغربي . أما الجانب التاريخي فلم ينصف المنطقة وإسهاماتها في بناء التاريخ المغربي الا أن هذا الإشكال يعزى ربما إلى افتقاد الباحثين المغاربة لآليات المعرفة التاريخية أو تجاهلهم للعرض التاريخي الموضوعي، وكان دخول بعض المؤرخين الفرنسين بمناهج جديدة و مناسبة للمرحلة فرصة للخوض في حقيقة التاريخ الرسمي وتصحيحه ، ويبقى التاريخ المتداول شفاهيا أكبر دليل على إقصاء ممنهج من طرف النظام الذي يستغل التاريخ لإعطاء مشروعية لوجوده. أن أي حراك ثقافي أو سياسي لا بد أن يستمد مادته من التاريخ و الثقافة أيضا، و يبقى على عاتق مهرجان "تامونت" ابراز هذه الخصوصيات التي أشرنا إليها سالفا فيما يخص الثقافة و التاريخ و الهوية التي يصطبغ بها كليهما. يستدعي الحديث عن مهرجان كمهرجان "تامونت" الحديث عن مُتَنَاولِه المعرفي الثقافي: لأن مجرد التوغل في عمق الثقافة الأمازيغية نجدها ثقافة ضاربة في التاريخ وأبان عبرها الإنسان الأمازيغي على تمسكه بأرضه و ثقافته فاخترع الأساطير فضل محافظا عليها كتفسير للطبيعة بعنفها و عطاءها. و تأمل الجبال و الجمال فنظم الشعر، و عاد من الحرب أو من زراعة أرضه فروح على نفسه بالرقص. مما لا شك فيه أن دراسة هذه المعارف الشعبية هي على عاتق المثقفين كل حسب مجاله و عوض أن يقتصر المهرجان على إظهار ملموس لصنف من الثقافة الأمازيغية كان لزاما عليه أيضا تسخير أقلام لخدمة المورث الذي يعاني من الموت البطيء. و تشجيع البحث العلمي الأكاديمي في هكذا مناسبات و منح الثقافة الأمازيغية سمة الديمومة و الخلود عبر تدوين ما يمكن تدوينه من أشعار و قصص و ألغاز أمازيغية، و انصاف التاريخ البعيد و القريب و بالتالي ندعو أن تكون أيام مهرجان "تامونت" مرفوقة بمحاضرات و ندوات ينشطها أساتذة أو طلبة مهتمين بالمجال. أما المتناول الفرجوي لمهرجان "تامونت": فأكيد أن الفرجة حاضرة في أغلب فقراته والمهرجان فرجوي بالدرجة الأولى، ليبقى السؤال بأي صيغة سيتم تقديم هذه الفرجة للجمهور ؟ هل بصيغة تتجاوز الفرجة المبتذلة إلى التعريف بكل نوع من الفنون التي تتضمنها فقرات المهرجان نموذج "تامديازت" أو "تايفارت" التي يعتمدها أحيدوس كمرتكز ضروري لتمام الرقصة المرفقة بالنقر على البندير، إضافة إلى "أفرادي" الذي يستعمل في الأغاني التي تستعين بالكمان و التي تتناول في الغالب مواضيع تتعلق بالعاطفة... وهكذا يتم تمكين المتلقي من الإطلاع على خصوصيات موروثه الثقافي لا إقرانه "بالنشاط " كما يحب البعض تسميته عبر مصطلحات قدحية " كشيخات الأطلس" وغيرها من التسميات النمطية التي تم الترويج لها منذ سنوات، وهذا صنيع الذين لم يتذوقوا عمق الثقافة الأمازيغية و جماليتها. كما لا ننسى المسرح والسينما لكونهما يصنعان الفرجة الهادفة والجادة بالإضافة إلى الأخذ بعين الإعتبار كون المنطقة لها "ريبيرتوار/أرشيف" متواضع راكمته تجارب محلية خصوصا في نوادي دار الشباب والمؤسسات التعليمية كما النسيج الجمعوي لاحقا، و التي استغلت العمق الثقافي الأمازيغي للمنطقة كمادة ضرورية للتعريف بها، فمن الأجدى إحياء هذا الماضي غير البعيد من جديد ليكون حاضرا في خشبة المهرجان و أمام شريحة واسعة من المجتمع، و بالتالي فمهرجان "تامونت" يجب عليه أن يحمل هموم الثقافة الأمازيغية و يحاول إخراجها من إطارها الشفهي الضيق إلى التدوين والتداول الفسيح، و من الفرجوية الصماء إلى الفرجوية الهادفة المثقفة الناطقة باسم الأرض و بلغتها و المخلدة لروح التاريخ العريق التي عرفته. مهرجان "تامونت" انفتاحه مؤخرا على أصناف فنية مختلفة تشكل ملامح الثقافة المغربية بصفة عامة إلا أن التطور الحاصل على الفنون قد وضع الفن الغنائي الأمازيغي في صنف الفنون الجديدة التي يقبل عليها الشباب الآن بحكم جماليته و روعة ألحانه فقد فرض نفسه على الساحة الفنية الوطنية رغم التجاهل الممنهج و الذي يمكن القول أنه امتداد للأغنية الملتزمة لناس الغيوان و جيل الجيلالة وإزنزارن، التي تمخضت عنه مجموعات اتخذت من المحلي مادة له و من التجديد الغربي نسقا متميزا لها، فظهرت مجموعات من قبيل: "صاغروا باند" و "أمناي باند" و "تاكراولا" وغيرها كثير... كلها ساهمت بشكل فعال في التعبير عن هموم الأمازيغ و ضلت وفية في طرحها لقضايا ثقافية عادلة تهم الإنسان الأمازيغي. لذا نتساءل لماذا مهرجان دائع الصيت كمهرجان "تامونت" يهمل مثل هذه المجموعات الشبابية التي تجذب شريحة كبيرة من الشباب بحكم انفتاحها و جرأة طرحها للقضايا الإنسانية. إن مهرجان أيت اسحاق مثلا برز بشكل ملحوظ بلوجستيكياته عالية الدقة وإمكانياته الكبيرة إلا أنه يجب أن يعاد النظر في الكثير من الأمور من قبيل الشعار الذي تم اعتماده والقائل ب"التعدد الهوياتي" وهو مغالطة كبيرة يرتكبها مهرجان يهتم بالثقافة الأمازيغية في الوقت الذي تذهب فيه كل الفعاليات الأمازيغية إلى وحدة هوية المغرب وتعدده الثقافي، و تكون هذه المغالطة التي وقع فيه مهرجان "تايمات" نتاج استغلال واضح لما هو أمازيغي و صنيع رؤية غير ملمة بالنقاش الدائر حول هوية المغرب الأصلية و جهل بمحددات هوية شعب ما، إذ ليس في المغرب من تعدد هوياتي وهذا خلاصة الابحاث الأركيولوجية و والتاريخية والأنتروبولوجية كما اللسانيات التي أدت إلى تبديد شكوك البعض في هذا المجال و الذين يسعون إلى تزوير الهوية المغربية. فنمودج اللغة الواسع كاف لدحض مساعي الحاشرين أنوفهم في هذا المجال كما يذهب إلى ذلك الدكتور محمد حنداين أن العلاقة الرابطة بين اللغة و التاريخ تتجلى في ما يسمى بالرموز الشاهدة التي لا يمكن حصرها في حركة - نقش – حروف، بل تتجاوز ذلك إلى دراسات لم تفك شفرتها غير السيميائيات التي تعتني بجميع أنساق التواصل على مستوى اللباس و الزربية و النقوش... بحيث يمكن تأويلها تأويلا لن يخرج على نطاق العلامة و تمظهرها داخل الفكر الإنساني و يستند إلى انتاج دلالاته انطلاقا من التسنين الثقافي فهي ليست بخارجة عنه، كما يشير إلى ذلك شارل ساندرس بورس، لذا فقدانتصرت العلوم للمنسي الثقافي باعتباره يخضع لنظرية "التأثير والتأثر" نظرا لاحتكاكه بثقافات انسانية أخرى أخذ منها كما قدم لها الكثير مع الاحتفاظ بالخصوصيات طبعا. ويبقى السؤال المطروح هو: ما القيمة المضافة التي جاءت بها هذه المهرجانات بخصوص الثقافة الأمازيغية ؟ إذ لا يعقل أن يستمر تقديم هذه الثقافة على شكل فولكلور يسوق بابتذال وكأنه لا ينتمي إلى هذه الأرض.