الطاعة فضيلة، الطاعة رذيلة، الطاعة استسلام، الطاعة وباء، وبين كل الطاعات تختفي كلمة " تمرد " . التمرد مَفسدة للتماسك، تحطيم للثوابت، إحساس بالوجود، حافز للاكتشاف، مدخل للتغيير والتجديد، هو الإثم الذي لا يغتفر، هو شق عصى الطاعة . التمرد مرغوب فيه ليكون للاختلاف وللتفرد والعظمة معنى، والطاعة واجب و وباء فلا أحد يتنازل ويفوت فرصته في فرض الطاعة على غيره حتى الأسياد المطاعون ملزمون بطاعة حراسهم ومواليهم حتى إعلامهم المأجور. كل شيء أنجزته البشرية كان مقترنا بقدر من الطاعة والتمرد وكأن الإنسان لما عرف معنى وجوده كان لابد أن يهتف في اللحظة الحاسمة من حياته : أنا متمرد أنا موجود. البشرية في تطورها مدينة لأشخاص واسعي الخيال تمردوا على الطبيعة فروضوها فأصبحت طيعة، تمردوا على الجهل فأصبح علما، وتمردوا على العبودية والتبعية فعرفنا معنى النظم الاجتماعية، وتمردوا على التمرد فأعلنونه ثورة من أجل الإنسان. التاريخ مدين لثورات حقيقية، ثورات حكم ونظم وتغيير سلس، تغيير تدريجي مثالي لا عنف فيه ولا صراع، ثورة من أجل العلم. وتغيير لا مفر منه تدافع، ودماء ثورة مادية من أجل الحياة. انتهت الثورات الغربية لما سقط الإقطاع ونظرية ظل الله في الأرض ورفع الثوار نظريتهم «اُشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس» فتوالى نظام البورجوازية والاشتراكية والرأسمالية. في الطاعة نجاة ومع الثورة خلاص من العبودية والاحتكار، ومع الثورة المضادة عبودية واحتكار، فالانقلاب الفاشي والنازي، علاقة الحاكم والمحكوم، علاقة الجندي الآمر للجندي المطيع في مؤسسات الثكنات الحربية. وتبقى الطاعة محتاجة للتمرد لشرحها في قاموس الثورة وعصيان المألوف، وفي السياق كان معنى لإخراج العصي والسيوف من أغمادهان فهدمت صوامع وبيع، وهشمت جماجم وأكتاف وسجنت همم . بين العصيان والطاعة كان شق عصى الطاعة، تمرد وثورة، جريمة الجرائم مخطوطة حسب الأهداف بلون الربيع لا بلون الورود على أوراق كتب علم الاجتماع.