ان الحديث عن اشكالية الرمز ينبع من ثقافة متعددة، تستمد مكانيزماتها من الواقع المعاش، كتعبير مجسد لاشكاليات عميقة تطرح على كل المجتمعات، في شكل ممارسات رمزية تنقل احساسات مختلفة يجمع بينها الدال والمدلول. لقد خضعت هذه الرموز والاشكال للكثير من الدراسات الانثربولوجية، خاصة عند ظهور المنهج البنيوي مع كلود ليفي ستراوس، مما افضى الى اعتبار الرمز والاشكال التعبيرية جانب مهم في تاريخ الشعوب؛ اذ تسعى من خلالها للتعبير عن وجود معين وكشف جانب مبهم، فكان اخرها مبادرة التنسقيتين: التنسيقية الوطنية للاساتذة المقصيين من الترقية والتنسيقية الوطنية لموظفي التربية الوطنية حاملي الشواهد العليا، عندما فطنت بعض العقول الفذة الى اقتراح خطوة نضالية غير مسبوقة في التاريخ، في تيمة رمزية تؤرخ لنضال الاساتذة حملة الشواهد العليا. انها مشروع نضالي قائم على ثلاثة ابعاد اتخذت من الاقدام الحافية وقطعة خبز ثم كتاب، سيرورة دلالية تستحضر في تمثلاتها واقع ينبض تحت وطأة الفساد بشتى الوانه. يرمز الكتاب في الثقافة المعرفية الى دور الفكر في تطوير بنيات المجتمع، كوعاء يحمل تجارب متعددة اثناء ممارسة فعل الحياة، لكن يبقى الكتاب ابكم اذا لم يخضع للممارسة الذهنية، بفضل اختيارات المعلم في البحث عن اشكال تواصلية تعبيرية تساهم في نقل المعارف والافكار، من ضفة المكتوب الى يابسة المفهوم، بغرض تطوير "ميتامعرفي" المجتمع بجميع الوسائل، وامام انتشار جدلية الوعي والتغيير، عملت يد خفية على النيل من الكتاب والمعلم معا، كما هو حال المجتمعات الثالثة في علاقتها بالفئة المتعلمة والمنظومة التربوية بصفة عامة، حين حكم عليها بتقشف مجحف يظهر بشكل بارز عند دلالة قطعة خبز في اليد اليسرى. نعم انها اليد اليسرى وما تمثله من دلالات في ثقافة المجتمعات الاسلامية، هكذا ترسم تلك القطعة واقع يعيش في خندق التفقير والتجويع وفق سياسة تعتبر المعلم والكتاب عدو لها، عندما حصل المعلم الاستاذ على الشرعية التاريخية في الفكر الجمعي بفعل نبل رسالته والتضحيات التي قدمها كقربان للنهوض باوضاع الانسان. اما الاقدام الحافية فإنها تستمد عناصرها الدلالية من لحظات تاريخية ترتبط بشكل كبير بواقع المغرب عبر التاريخ، الذي تميز بأزمات بيولوجية، جعلت المغاربة حفاة عراة، بفعل عوامل ظرفية واخرى بنيوية. وبالتالي تفصح هذه الخطوة النضالية عن لوحة فنية اجتماعية سياسية، تعكس بشكل حقيقي واقع المغرب واشكالية التعليم، ولنا في صفحات التاريخ ما يؤكد هذا الامر بجلاء، من العصور الوسطى الى الزمن الراهن، بحيث تم سجن الفكر النقدي بشتى الوسائل، والمثير في هذا السياق؛ ظهور فئات بين الفينة والاخرى تحمل مشعل التغيير، من خلال تكسير الجمود الفكري، و المطالبة بالحقوق مهما تطلب ذلك من تضحيات، مادام العلم والوعي عقدة نفسية تتربع على عقول انصار الجمود وهضم حقوق الانسان. انها الرغبة في حمل مسؤولية التنوير ونشر ثقافة الحق والواجب. تبقى مسيرة؛ الارجل الحافية، الخبز، الكتاب، نموذج نضالي منقطع النظير، سيكتب بمداد من شرف في سجل التنسيقية الوطنية للاساتذة المجازين المقصيين من الترقية، والتنسيقية الوطنية لحاملي الشواهد العليا لوزارة التربية الوطنية، وستظل شوارع الرباط تتذكر اصوات الشرفاء والشريفات من ابناء هذا الوطن الجريح، عندما رفعوا شعار الكرامة والحرية ثم العدالة. بقلم: محمد ابرهموش.