لقد ظل الأدب الأمازيغي على هامش الإهتمام الرسمي في عدة عصور مضت بسبب تعلق الأمة الإسلامية في المغرب بالإسلام دينا وبالعربية لغة. وقد ظل الشعب المغربي أو ما كان يسمى بالغرب الإسلامي، يدافع عن حوض الإسلام ويستشهد في سبيل نشره في الآفاق. ومن المعروف أن الأمازيغ قدموا خدمات جليلة في الميدان العلمي ، كما نظموا وألفوا في العديد من العصور والبيئات الاجتماعية التابعة لعصور خلت، كالمرابطين والموحدين والمرينييين كما في العهد السعدي والعهد العلوي الحديث. خلال تلك العصور، ظلت الأمازيغية لغة للتخاطب اليومي ، ومن ذلك نجد بعض الخلفاء كما عند الموحدين قد ألفوا بالأمازيغية، كما كانت خطبة يوم الجمعة وكذلك الأذان يتم باللغة الأمازيغية. لكن رغم ذلك كله لم يكن الاهتمام بالأمازيغية يصل درجة وضع برامج لتدريسها في المدرسة أو الجامعة. لقد ظلت الأمازيغية على هامش الاهتمام الرسمي للدول التي تعاقبت على حكم المغرب ، مما حال دون إجراء دراسة مفصلة عنها وعن آدابها. وتنقل كتب التاريخ أنه لما دخل الاستعمار الفرنسي والاسباني إلى المغرب كانت الإدارة المدنية والعسكرية تهتم بكل ما هو " ثقافي شعبي " لتكشف عن خبايا ومكامن القوة والضعف، من خلال جمع وتصنيف ودراسة كل ما هو ذو طابع شعبي من مأثورات وحكايات وأغاني وأهازيج وأمثال وحكم ومعتقدات وما يرتبط بالخيال،غير أن الهدف من ذلك هو الوقوف على مواطن الخلل بين هذه الجهة وتلك لتكريس الشتات والتفرقة. إن نمو الإحساس بالذات والرغبة في تحقيق الهوية المتميزة للأمازيغ أفرز اهتماما بكل مظاهر الثقافة الأمازيغية المادية منها والمعنوية، وكل ما لغوي وأدبي. فبدأ التركيز على الإنصات على الأدب الشفهي الذي كان واسع الانتشار في كل مناطق المغرب شمالا ووسطا وجنوبا، علما أن عدد الناطقين بالأمازيغية (كلغة أم) يتجاوز نصف سكان المغرب بكثير، ويمكن أن نسجل في هذا الصدد أن المدن وبعض القرى قد قضت على على النطق بالأمازيغية لدى آلاف من الأسر المنحدرة من قبائل صنهاجية أو زناتية أو مصمودية. لقد تم التسجيل الصوتي لمئات من النصوص الأدبية الشفهية الأمازيغية، كما تم إنقاد مئات من النصوص الأخرى بواسطة الاستنساخ والتدوين، إما بالحرف العربي أو الحرف اللاتيني في الغالب. غير أن هذا لا يعني إنقاذا للتراث الأمازيغي من الضياع، فقد ذهبت إلى غير رجعة آلاف النصوص المنظوم منها أوالمنثور بسبب تآمر الإنسان العربي عليها. والغريب في الأمر أن لا أحد تنتابه الحسرة على هذا الإرث الضخم الذي أنتجه إنسان عاش فوق هذه الأرض المعطاء، فسقاها بدمائه ضد المستعمر الأجنبي، وملأ سهولها وهضابها وغاباتها بأهازيج وألحان فنية بصور البلاغة والبيان، فلما ذهب ذهبت معه. بل أكثر من ذلك أن الكثير ممن يشتغلون على قضايا أدبية أولسانية أمازيغية، والمعول عليهم في رد الاعتبار للغة الأمازيغية بالاشتغال على قضاياها بجدية، نجد أغلبهم بعيد كل البعد عن المنطق العلمي الأكاديمي في الاشتغال على تلك القضايا التي تتطلب استحضار روح الانتماء بعيدا عن قضاء المصالح الشخصية. إن تقدم تكنولوجيا العصر ساعدت –إلى حد ما- على النبش واستغوار الماضي للعثور على بقايا وشظايا من تلك الحضارة الانسانية الماضية ، ولا زالت الأبحاث تكشف يوما بعد يوم عن جانب من التراث الأمازيغي الذي يعكس مدى عبقرية المنتج له، ومدى إحساسه المرهف بالحياة، ومدى قدرته أيضا على بناء وطنه في عزة وشموخ. إن هذا الأدب الشفهي الذي انفلت من جحيم الضياع، له من المواصفات الفنية ما يقتضي الاهتمام والدراسة، ذلك أنه أدب صادر عن أناس بسطاء في مظهرهم ومأكلهم ومشربهم ومسكنهم، فهو أدب يتسم بالبساطة لكنها بساطة ساحرة. فهو أدب صادر من الشعب إلى الشعب نجد فيه المدح والثناء والابتهال إلى الله وغيرها من الأغراض الأخرى... إن الأديب الشفهي في المجتمع الأمازيغي هو الخطيب الذي يكن له وسطه المجتمعي كل الاحترام والتقدير باعتباره الموجه ضمنيا للمجتمع إلى التعاون والتآزر ونبذ الخلافات والنزاعات، وهو المصلح لذات البين بين العشائر والأسر ، وهذا لا يعني أنه أدب ذو طابع قبلي ، وإنما نجده في مواقف عدة يسمو ويتجاوز حدود القبيلة والمجتمع الأمازيغي إلى آفاق أرحب ليعانق قضايا إنسانية في فلسطين والعراق وغيرهما... إن الأدب الأمازيغي ليس للفرجة والتسلية على النفوس المكدودة – وواهم كل الوهم من يعتقد ذلك – بل هو أدب له خصوصيات ومقومات فنية لا يكاد يختلف فيها عن غيره من آداب الشعوب الأخرى الشفوية والكتابية منها، إد نصادف فيه كل أنواع وأجناس الآداب المعروفة من قصة وأمثال وحكاية وشعر ومسرحية وغيرها... بقلم : جوهري حميد