صدر عن سلسلة عالم المعرفة(العدد 32، أبريل 2009) كتاب هام تحت عنوان"السلطوية في التربية العربية" ألفه يزيد عيسى السورطي . تناول الفصل الأول السلطوية في العملية التعليمية التعلمية.و نظرا لأهمية الجانب الإداري في الموضوع، اقترح تقديم خلاصات الفصل الثاني الذي يبسط فيه الباحث مظاهر السلطوية في الجانب الإداري للتربية، ويقف على أعراضها الكثيرة في الإشراف التربوي والإدارة التربوية، خاصة في سياق الربيع العربي التواق إلى الانعتاق من كل مظاهر الاستبداد و السلطوية. في مقدمة الكتاب، يؤكد السورطي إن التربية تعاني في الوطن العربي" أمراضا" مستعصية تتمثل في مشكلات كثيرة و تحديات كبيرة و أزمات حقيقية تعيق مسيرتها. وتعد السلطوية من أهمها لان معظم المشكلات و التحديات و الأزمات التربوية العربية ليست إلا من أعراض ذلك المرض أو من نتائجه. و ينتقد السورطي الدراسات العربية التي ركزت على السلطوية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، بحيث لم تنل السلطوية التربوية العناية الكافية من الدارسين العرب. و جاء كتابه المذكور لإلقاء بعض الضوء على مظاهر السلطوية في التربية العربية و نتائجها. و يؤكد الباحث أن السلطوية نقيض و عدو لدود للتربية، ما دامت التربية تسعى إلى تفجير طاقات الفرد و بناء شخصية الإنسان بشكل شامل و متوازن، في حين يهدف القهر و التسلط و الاضطهاد إلى قتل تلك الطاقات و إنتاج شخصية ضعيفة و مشوهة و مضطربة و غير متوازنة. و إذا كانت التربية تضع نصب الأعين إعداد الفرد المفكر و المبدع و المتفوق، فان الاستبداد يؤدي إلى تقويض مهارات الإنسان و شل قدراته و تعطيل طاقاته و الحد من إبداعه. من ثمة، يكون الوعي بالسلطوية في الميدان التربوي خطوة مهمة نحو التخلص منها و تحرير الفرد و المجتمع. السلطوية في الإشراف التربوي كثيرا ما يمارس الإشراف التربوي في عدد من المدارس العربية كعملية سلطوية مزاجية تفتيشية تهدف إلى تخويف المعلم وإحراجه وإظهار نقاط ضعفه، دون بذل جهد كبير لمساعدته على التغلب عليها. في هذه الحالة يؤكد السورطي يتحول المعلم إلى تلميذ ويصبح المشرف معلما تقليديا سلطويا يلقن ويعاقب من يشاء بطريقة عشوائية في أحيان كثيرة. والحال أن "جوهر" الإشراف التربوي هو إقامة تفاعل بين المعلم والمشرف يؤدي إلى تغيير إيجابي في سلوك المعلم. ومما يزيد من قلق المعلمين وخوفهم من المشرفين غلبة الذاتية والمزاج على كثير من تقاريرهم التقويمية، حيث توصل أحد الباحثين الذين درسوا أوضاع الإشراف التربوي في عدد من البلدان العربية إلى أن أكثرية التقارير الرسمية التي يعدها المشرفون التربويون حول المعلمين بعد زياراتهم لهم انطباعية وليست ملائمة من حيث دقتها وشموليتها لتكون أساسا لتطوير عملية التعليم، كما تفتقر إلى الموضوعية ويتم الإشراف التربوي بعيدا عن المبادئ التي يستند إليها الإشراف التربوي بمفهومه الحديث ومنها الديموقراطية والتعاون والشمولية والموضوعية. وتبين الدراسات المنجزة أن الفائدة التي يجنيها المعلمون من زيارات المشرفين محدودة. وسبب ذلك أن الاجتماع الذي يعقب الزيارة كثيرا ما يتميز بالسلبية والسطحية. فالمشرف يتسم بالمباشرة في تفاعله اللفظي مع المعلم. والحوار بين المشرف والمعلم يكاد يكون مغلقا، وكثيرا ما يتميز بالسلبية والسطحية، وكثيرا ما يتناول الاجتماع جزئيات السلوك الطافية على سطح الموقف التعلمي التعليمي من دون الخوض في أعماقه تحليلا وتقويما. وإجمالا، يتسم الإشراف التربوي بشكل عام بالسلبية والمباشرة والاستئثار بالحديث واللاودية والنقد وعدم الاستثمار، وأن المعلمين رأوا أن الإشراف يستبعد أي اعتبار لقيمة المعلم ونموه الشخصي ومشاعره. ويخلص السورطي إلى أن عجز الإشراف التربوي العربي بشكل عام عن تحقيق كل أهدافه يعود إلى أسباب كثيرة يقف على رأسها اعتماده على السلطوية المتمثلة في ضعف العلاقة بين المعلم والمشرف وقيامها على التحكم والخضوع بدلا من التعاون والتفاعل والثقة المتبادلة. السلطوية في الإدارة التربوية يحدد الباحث الهدف الرئيسي للإدارة التربوية في الارتقاء بالتعلم والتعليم.ويعمل الإداريون التربويون على تحقيق ذلك عبر أداء وظائف أبرزها إعداد الأهداف والسياسات وتطوير البرامج اللازمة لتحقيق تلك الأهداف والسياسات، والعمل على تخطيط وتنفيذ تلك البرامج وإدارة المصادر والأموال والمواد اللازمة لدعم المؤسسة وبرامجها ومتابعة كفاءة وفعالية عملية تحقيق الأهداف. وعليه، تكون الإدارة التربوية عملية منظمة تهدف إلى الاستخراج الأمثل للطاقات البشرية والمادية من أجل تحقيق أهداف المجتمع التربوية ... وتشير الدراسات إلى أن الإدارة التربوية في بعض بلدان الوطن العربي يغلب عليها طابع التسلط، وكثيرا ما يأخذ ذلك شكل المركزية الشديدة التي تعني الاتجاه نحو تركيز السلطة والرجوع إلى ديوان الوزارة في كل القرارات المنظمة للعمل. ويؤكد الباحث أن من كبرى المشكلات التي تواجه المدارس العربية هي "مشكلة المركزية الإدارية المتطرفة التي تجعل من الهيئات المدرسية أدوات لتنفيذ تعليمات وأوامر الجهاز المركزي". كما تشير إحدى الدراسات إلى ضعف القدرات الإدارية لدى مديري المدارس ومعاونيهم، وعدم توافر الجو الذي يؤدي إلى السلوك السوي عن طريق مشاركة المتعلم في اتخاذ القرارات والنزعة التسلطية في الأساليب الإدارية، وهيمنة المركزية والبيروقراطية على الإدارة.