عرفت مظاهرات 22 ماي الجاري تعاطياً جديداً /قديماً من لدُن قوات الأمن مع مظاهرات الشارع المغربي (20 فبراير) أظهرت فيه هذه القوات نوعا من "الحنين" إلى زمن "الزّرْواطة والهْراوة"، وهو زمنٌ ظن المغاربة أنه قد تم القطع معه، إلى الأبد، كأسلوب للتعامل مع احتجاجات الشارع المغربي، السلمية... وما يشي بهذا "الانقلاب" في زاوية التعاطي مع الاحتجاجات هو أن كل الوقفات التي نُظِّمت في مختلف المدن المغربية، بدعوة من حركة 20 فبراير ومَن يدورون في فلَكها، قوبلت بنفس "الصرامة" وبنفس النيّة المبيَّتة في "قمع" المتظاهرين، بل والتنكيل بهم، مهما تكنْ مطالبُهم "عادلة" وشعاراتُهم "سلمية".. ففي تطوان (شمال المغرب) تدخّلت القوات العمومية بطريقة فيها "إفراط" في العنف ضد المتظاهرين، مما أدى إلى إصابات متفاوتة الخطورة وإلى اعتقالات. وفي وطنجة (القريبة) حاولت قوات الأمن، جاهدة، تفريق المظاهرة الاحتجاجية التي دعت إليها التنسيقية المحلية لدعم حركة 20 فبراير في ساحة "بني مكادة"، مستعملة خراطيم المياه لتفريق حشود المتظاهرين، الذين أصرّوا على الاحتجاج وعلى ترديد شعاراتهم ذات الطابع الاجتماعي. وفي الرباط العاصمة (وسط)، تعرّضت المسيرة الاحتجاجية ل"القمع" من طرف قوات الأمن، التي قامت بتطويق "حي العكاري"، الذي كان من المقرر أن يكون نقطة انطلاق المسيرة وب"إغلاق" كل الأزقة والشوارع المؤدية إلى الحي المذكور ومنعت المتظاهرين من الالتحاق به. وقد تم اعتماد نفس "الأسلوب" في فضّ مظاهرات الدارالبيضاء، حيث كانت السلطات الأمنية قد وزّعت، يوماً قبل موعد المظاهرات، منشوراً على بعض "زعماء" 20 فبراير، الداعية إلى هذه الاحتجاجات، في خطوة "استباقية" لم تُفلح في منع المتظاهرين من الخروج إلى بعض شوارع "كازابلانكا" لترديد مطالبهم، ليُقابَلوا بتدخل وُصِف بال"عنيف"... وهكذا شمل "أسلوب" العنف والقمع كل مظاهرات 22 ماي في جميع مدن المملكة التي نُزّمت فيها مسيرات احتجاجية، من طنجة (شمالا) إلى وجدة (شرقا) إلى الرباطوالبيضاء (وسطا) إلى فاس، وصولا إلى تزنيت فأكادير (جنوباً)، كان "النهجُ" واحداً وموحداً... وإذا كان الجميع قد صُدِموا لبعض "نماذج" هذه التدخلات، التي بلغت حدوداً قصوى من الشراسة والبطش والاعتداء على حقوق الإنسان في التظاهر والاحتجاج، وفق ضوابط القانون، فإن "الفيديو" الذي سُمِّي "بوليسي همجي بطنجة"، والذي تم تداوُله بشكل واسع في المنتديات ومجموعات التواصل على الأنترنِت، يبقى (إذا ثبت أنه غيرُ "مخدوم") أكثرَ هذه النماذج قسوةً ومغالاة في الشطط في استخدام العنف والتنكيل في حق المتظاهرين... ويُظهر الشريط رجلَ أمن، بزي رسمي، ينهال بعصاه على شخص صيَّره الضرب "زاحفاً" لا يقوى حتى على الوقوف على رجليْه.. ومع ذلك، استمر رجل الأمن في توجيه ضرباته إلى أطراف "ضحيته" السفلية، على الخصوص، في منظرٍ أقلُّ ما يمكن القولُ عنه إنه صادمٌ، حقيقةً، في مغربٍ كنا نظن أنه قد انتهى من هذه "الأساليب" العتيقة ومن هذه "المقاربات" الأمنية، المتطرّفة، التي لن تخدمَ، في شيء، المسار الذي اختارَه المغرب لنفسه نهجاً جعله يحوز، وبامتياز، وصفَ "الاستثناء" في خريطة الدول العربية... وإذ ليس المجالُ ولا الظرفُ مواتيّيْن ل"استباق" تفسيراتٍ ولا لاختلاق "تنظيرات" فضفاضة وغيرِ محدَّدة الملامح حول دواعي هذا "النكوص" عن خيار التعامل الرزين والهادئ لقوات الأمن مع المظاهرات التي جابت، على مر الشهور والسنوات، مختلف المدن المغربية، فإن جملة من الأسئلة "الحارقة" تتسارع إلى الذهن، مُلِحّة، مستفِزّةً ومقلقة: لماذا هذا "التحول" الآن، وبشكل شامل وبلا مقدمات؟ لماذا لا نعمل على تمتين سقف الحريات العامة المكتسَبة، بدل "ضربها" في الصميم؟ كيف لا نبحث عن أرضية مشترَكة يُدلي فيها الجميع بدلوهم في سبيل السير بهذا البلد نحو الأفضل؟ من يريدون "معاكسة" توجُّهات ملك البلاد ومنطقِ الأمور ويُصرّون على العودة بنا، قسراً، إلى "مقاربة" أبانت عن فشلها التام في "معالجة" مطالب الشارع؟ لماذا نقدّم لأعداء هذا الوطن ول"المتربِّصين" به "هدية" إضافية رأينا كيف سارع "المحللون الجهابذة" إلى "شحذ" ألسنتهم السليطة و"الطويلة" أكثرَ من اللازم ل"جَلْد" المغرب، خصوصاً في "الفضائحية" المعلومة، التي صار "وقودُها" الوحيد ما يظهر في جغرافيا الوطن العربي المسكين من فِتَن وقلاقل؟!...