عندما نرى ونسمع عن الطريقة التي تُمارس بها الديمقراطية في دول لا تبعد عنا إلا بكيلومترات قليلة ' وكيف تُمارس شعوبها الرقابة على الكيفية التي تُدار بها شؤونها العامة . نبدو' نحن المغاربة ' وكأننا نعيش في العصور الوسطى ' و يبدو لنا أن هذا الحق الذي تمتلكه الشعوب الغربية مستحيل المنال' بفعل ما يعرفه بلدنا من تراكم وتجدٌر للممارسات الفاسدة زمنيا و حتى ثقافيا' من طرف المكلفين بتدبير الشأن العام' حتى أصبح المواطن يقبلها ويخضع لها في أغلب الأحيان . فكيف يقبل العقل المغربي السائد ' أن يُقال وزير فرنسي من منصبه' فقط لأنه كان يشتري سيكارا في اليوم من ميزانية وزارته... نعم ' لم يتطلب الأمر سوى أن تنشر إحدى الجرائد الفرنسية هذا الخبر' حتى يسقط الوزير كريستيان بلان ' و تُقال وزيرة الخارجية الفرنسية كريستيان آليوماري' بعد اكتشاف علاقة الصداقة التي تربطها بمحيط الرئيس التونسي المخلوع . هناك' في فرنسا' يعتبرون أن هذا النوع من السلوكات تُدنٌس الديمقراطية' ومن الضروري التفريق بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة . وهنا' في المغرب' نتنافس في الانتخابات ونستعمل كل الوسائل المشروعة والامشروعة بما في ذلك شراء الذمم للحصول على مقعد' ليس من أجل خدمة الوطن والمواطنين' ولكن' وفي الأغلب الأعم' من أجل الترقي الإجتماعي' وتأمين مستقبل الأولاد والأقارب. هناك' احترام الصحافة يفرض على الحكومة الوقوف عند كل خبر أو حدث يمس أداءها' ليس بهذف قمع الصحفيين ' بل من أجل التوضيح و التقويم . وهنا' إما نتجاهل الأمر أو نعتقل الصحفي أو نعرٌض جريدته للإفلاس. هناك نستطيع التمييز بين أداء اليمين و أداء اليسار أو الخضر . وهنا لا نتمكن من ذلك' فأغلب من يحصل على السلطة و النفوذ' أيٌا كان مستواها ' يصبح مقتنعا بحقه في الترقي الاجتماعي و التباهي بالإمتيازات المشروعة وغير المشروعة التي توفرها له مهمته المرحلة التاريخية التي نعيشها اليوم تفرض على المغرب الإنتقال الفعلي إلى الديمقراطية' وإلى دولة الحق و القانون وإلى إصلاحات دستورية تقوم على ملكية برلمانية يكون فيها الملك فوق الطبقات و الأحزاب' حكما بين السلطات الثلاث القائمة على الفصل الحقيقي والمتوازن بين السلطة القضائية ' التشريعية و التنفيذية ... إصلاح سياسي شامل قائم على مفهوم الإنابة الديمقراطية التي تحتكم إلى صناديق الاقتراع الحر لإفراز حكومة قوية ملتزمة بصراع البرامج. وإذا كانت البداية هي تغيير الدستور فإن ذلك لا يعني أن كل شيء سيتغير' فهل سيعرف المغرب ذلك التحول السلس الذي يتمناه كل المغاربة؟ وهل ستنجز كل المهام المطروحة في اتجاه إسقاط الحكومة وتجميد البرلمان بغرفتيه؟ وخلق آليات المراقبة و المحاسبة للقضاء على كل مظاهر الفساد و الرشوة والمحسوبية؟ هل سننتقل إلى دولة العدالة الإجتماعية بالقضاء على اقتصاد الريع و الإمتيازات و تقليص الهوة بين الفقراء والأغنياء؟ وهل سيتمتع المغاربة بحقهم في المواطنة الحقة والعيش الكريم؟ إننا اليوم في البداية فعلا ' بفضل حركة شباب 20 فبراير ' وبفضل وعي ملك المغرب بالظرفية' وبفعل ما يعرفه العالم العربي من صحوة تاريخية' أعادت لنا جميعا ذلك الإحساس بالنخوة العربية وأثبتت حفاظ الشعوب العربية على الوجدان المشترك و القومية العربية التواقة إلى الوحدة.