عرف القرن الماضي و هذا القرن مجموعة من الأشياء و من الكلمات لها دلالات ذات شعاع عالمي وعمق سياسي وبعد فلسفي في حياة الإنسانية ولها فعاليتها اتجاه الرشاشة و المدافع، رغم أنها لم تكن كذلك في القرون الماضية. من هذه الأشياء نجد الحذاء و من الكلمات نجد كلمةو. لقد أصبح للحذاء دور آخر، يختلف عن دوره العادي و المرتبط بالحفاظ على قدم الإنسان من مما تحمله الأرض من مخاطر، دور للتعبير القوي عن الرفض المفعم بالسخط و الممزوج بالكراهية حينما يرفع في وجه أحد. ففي القرن الماضي رفع رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي نيكيتا خرتشوف فردة حذائه اليمنى ليضرب بها على المنصة الرسمية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960، كتعبير عن سخطه و كراهيته للمعسكر الغربي و في مقدمته أمريكا، أثناء مناقشة أزمة خليج الخنازير، و التي كانت تستهدف الثورة الكوبية. فلولا حذاء نكيتا خرتشوف لتحول العالم إلى رماد على خلفية هذه الأزمة ، التي دفعت القطبين الكبيرين سنة 1960 من القرن الماضي إلى التلويح بحرب نووية . فهذا التصرف الغريب من لدن الزعيم السفياتي في رأي البعض أعطى رسالة واضحة للأمريكان وحلفاءهم ، وهي إشارة قوية دفعتهم إلى التراجع عن حصار كوبا و عن عملية الحرب ضدها . وهكذا أنقذ حذاء خرتشوف البشرية من مصير كان مجهول العواقب . و أصبح هذا الحذاء محط اهتمام من لدن الفلاسفة و الباحثين، و منهم أندهيل أستاذ علم النفس و الاتصال الذي ألف كتابا حول حذاء خرتشوف. ومن حذاء خرتشوف إلى صنادل ميليندا ماركوس التي بلغت 3000 فردة حذاء من أغلى الماركات العالمية و التي كشفت بالدليل ما وصل إليه زوجها الرئيس الفلبيني السابق ماركوس من فساد ونهب لثروات الشعب ، ولتطيح أحذية ميليندا بسلطان زوجها، وتفوز مرشحة اليسار آنذاك كورا زون أكينو بالسلطة، ملقية بميليندا حافية القدمين في سجن مانيلا. و كان قبقاب أم علي زوجة السلطان المملوكي أيبك التي تحولت من أحذية عادية إلى أداة اغتيال أنهت حكم شجرة الدر قبل أن تنهي حياتها في مشهد ثأري لن ينساه التاريخ. وإلى فردة الحذاء الزجاجي لسندريلا التي تحولت به من خادمة إلى أميرة. و مرورا بخفي حُنين الذي صار أشهر من نار على علم. ويأتي في أوائل هذا القرن حذاء الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي رمى به الرئيس الأمريكي الأسبق بوش . كلها أحذية سطرت أسماء منتعليها في التاريخ الإنساني. و ينبعث الحذاء في انتفاضة الياسمين التونسية و الانتفاضة المصرية، و ظهر عاليا بقوة في انتفاضة الشعب الليبي و في انتفاضة الشعب اليمني.فالحداء أصبح حيث رفع تعبيرا عن السخط و الكراهية للنظام المستبد .ويعود متقدما الثورة الليبية كإشارة لقطع العلاقة مع النظام الليبي . ويرحل الحذاء إلى الجزيرة العربية ليرفع ضد الأنظمة الدكتاتورية. ولن يعود الحذاء إلى مهمته قبل القضاء على كل الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج, إنه شكل آلية للتعبير أقوى من البيانات و التلفظ اللغوي أو المموضع .إن التعبير عن موقف الرفض برفع الحذاء في و جه من ينصبون أنفسهم على الشعوب أو على العالم لم يكن إلا من إبداع الغضب الشعبي و ليس من إبداع العقول البرجوازية المتعفنة.و أصبح الحذاء كلما انتقل من القدم إلى اليد كلما قرب موعد رحيل الظالم.و إلى جانب الحذاء كلمات دخلت القاموس السياسي من باب الانتفاضات الشعبية ككلمة ارحلdégage وهي كلمة صنعتها الحناجر المنتفضة و الغاضبة.وأصبحت ترعب الأنظمة المستبدة لأنها لم تكن تستعمل إلا للكلاب، وهي كلمة أصبحت لها الحمولة السياسية و الثقافية،و أصبح لها بعد اجتماعي و نفسي. و تأتي كلمة البطلجية لتعبر عن القاعدة الخلفية التي تعتمدها الأنظمة العربية لترهيب شعوبها و لتزوير إرادتها. و لكل نظام بلطجيته لكن قاسمهم المشترك هو الجرائم و الاتجار في الممنوعات و التصويت في الانتخابات مكان الأموات والرحل و المقاطعون .هذه الكلمات ستجعل علماء أللسنيات في العالم مراجعة دلالة الكلمات و قواعد التواصل و الاتصال اللفظي .