اليوم ،السبت. دفعني الحنين الى اجواء "هارلم"الليلية الى الخروج من منزلي الدافئ،لارتمي في احضان هذه المدينة الفاتنة. احب "هارلم"ليلا، تبدو هادئة، ضجيجها يحتجب في فضاءاته الخاصة، امشي، اتامل وارد التحية احيانا. شباب وشابات يمتطون دراجاتهم ،يختفون في لحظة. الى اين، ما هي وجهتي الليلة؟ ''نادي السالسا''لم اعد احبذ هذا المكان، خصوصا بعد ان منع التدخين هناك، اصبح مدخنا بامتياز،فقط يوم السبت. ''ستيلز''،صخب كثير وازدحام يجعلك تحن الى هدوء المنزل،انا لا اريد ذلك اللحظة. ''ييلتيز''،طبعا المكان الوحيد الذي يسمح فيه التدخين. ازدحام، صخب، اناس كثيرون لم اعتد رؤيتهم هنا. الجميع يدخن،الكل يضحك، ضباب كثيف بفعل السجائر، لوحات معلقة على امتداد المكان. اخترت مكان في الزاوية. جلست، اشعلت سيجارة، بدات اتامل اللوحات، لم افهم شيئا، كيف افهم وانا لا ارى شيئا، مكعبات الوان مملة امتزجت ببعضها كرها، انهيت لحظة التأمل تلك وعدت الى سيجارتي. الى جانبي، هولاندي يضحك باستمرار، شعره المشعكك يضفي عليه صفة الفنان المتمرد، هو في عقده السادس اضن، يدخن ثم يشير بيديه الى لوحة من اللوحات. سألته: ما الحدث؟ قال: هو عرض لابداعات ذاك الرسام الواقف هناك، هو صديقي نعرف بعضنا منذ مدة، نختلف فقط في الانتماء، نمطي في الرسم يختلف. قلت: اريد ان افهم لماذا لا تباع هذه اللوحات بملايين الدولارات، مثل لوحات بيكاسو فكلاهما لا يفهم، اتحدث عن نفسي ،هذه اللوحات لم تعجبني اطلاقا. هنا نطق شاب يجلس قربنا: تقصد ''الكوبيسم''،الفن التكعيبي؟ قلت: اظن ذلك، ما يحيرني هو الغموض الذي يكتنف اللوحات تلك، وجوه وأنوف طويلة، الوان مملة، لماذا تباع بالملايين، اظنها تستمد قيمتها من ثقافة ال''السنوبيسم''ليس من جودتها، لا اقول الاغنياء ولكن الارستقراطيون يحبون التميز،يدفعون مبالغ خيالية ليحوزوا اشياء لا يملكها الاخرون. الفن الاصيل هو ذاك الذي يحبه البسطاء،يفهمونه. هنا تحول الشاب من مكانه ليجالسنا على نفس الطاولة. انا احب لوحات "رمبراند"و"فان غوغ" ،مثلا ال الاوطوبورطريت ل"فان غوغ"، جميل يجعلك تتأمل نضرته،قسمات وجهه لتتمتع بذلك الخيال المحيط باللوحة ككل، ال"الناخت فاخت''ل ''ريمبراند''،لوحة رائعة ، لوحات بسيطة لكنها رائعة،''شكسبير'' لم يكن يخاطب بالرموز ،ينطلق من غرائز العامة، يسمو بخيالهم الى مناطق اعلى.الفن الذي يحتاج الى شرح ليس فنا،اللوحة كالمرأة اما ان تعشقها للوهلة الاولى اولا، ليس هناك مجال للوقت. الفن الذي يخاطب بالرموز ليس فنا،والافاي معنى لشخص بانف مكعب. سؤالي لكما باعتباركما مدعوين لهذا المعرض: هل تفهمون شيئا في هذه اللوحات؟ احسست ان الكهل الهولاندي يتنصل من معرفته لصاحب اللوحات، اجاب: صراحة لا تعجبني هذه اللوحات، لماذا لا تسأله شخصيا، لعله يجلي عنك الغموض لتتبين لك ولنا ايضا جمالية اللوحة، اسأله عن اللوحة تلك فانا لا افهم فيها شيئا. من هو اذن؟ ذلك البدين هناك انتظرت اى ان مر بجانبي، سألته: تلك اللوحة هناك، ما المعنى؟ أجابني بسرعة كانه يتهرب مني، تلك اللوحة تجسيد ل"زاندفورت" هه "زاندفورت" الشاطئ الجميل. سألته: هل تظن انها ستباع يوما بالملايين انصرف دون ان يجيب عدت الى سيجارتي ماذا قال؟ سالني الهولندي الكهل تلك تجسيد ل"زاندفورت" أجبته متاكد هو من قال ذلك ضحك بسخرية وقال: اذا كانت تلك "زاندفورت" ، فانني لن اذهب هناك ابدا. ضحكنا من الاعماق....