أقدمت الحكومة المغربية من مدة قصيرة, على تعليق نشاط قناة الجزيرة بالمغرب وسحب اعتماد الصحفيين الذين لم يكن قد سحب منهم الاعتماد من ذي قبل, وأصدرت أمرا بإزاحة يافطة القناة من أمام مبناها بأحد أرقى أحياء الرباط, لتضع حدا بذلك لسنين من التجاذب والمؤاخذات, وصلت في بعض منها حد ردهات المحاكم. هناك, لهذا القرار الأخير, قراءات مختلفة ومتباينة وفي بعض منها متحمسة, أو ذات نبرة توحي بموقف رد الفعل أكثر منه للفعل: °- هناك أولا الواقعة في حد ذاتها, واقعة قرار الحكومة, ممثلة بوزارة الاتصال, بتعليق نشاط المكتب وسحب ما بقي من اعتمادات صحفية, على اعتبار أن ثمة صحفيان كانا يمارسان دونما تجديد لاعتمادهم...أعني أنهم اكتفوا بالممارسة من الباطن, بعيدا عن الأضواء. الخطاب الباني لهذا الموقف جاء في بلاغ لوزارة الاتصال تقول فيه بأن هذا القرار أتى بعد أن "تم رصد حالات عديدة انحرفت فيها القناة المذكورة عن قواعد العمل الصحفي الجاد والمسؤول". ويقول أيضا بأنه بعد جرد شامل وتقييمي دقيق للتقارير والبرامج الإخبارية التي تناولت الشأن المغربي على قناة الجزيرة، لوحظ "أنه ترتب عن هذه المعالجة الإعلامية غير المسؤولة، إضرار كبير بصورة المغرب، ومساس صريح بمصالحه العليا، وفي مقدمتها قضية وحدته الترابية، التي تحظى بإجماع وطني راسخ لدى كل فئات الشعب المغربي". ويتابع البلاغ بأن ثمة "تماديا مقصودا في الإساءة إلى المغرب، وتصعيدا ملحوظا زاد حجمه طيلة الفترة الأخيرة، مع إصرار واضح على تقديم صورة عن بلادنا، تتسم بكل الشوائب والمظاهر السلبية، في سعي محموم لتبخيس جهود المغرب في كافة المجالات الإنمائية، والتشويش على مشاريعه وأوراشه الإصلاحية الكبرى، والإنتقاص المتعمد من مكتسباته وإنجازاته، في مجال تكريس الديمقراطية وتثبيت حقوق الإنسان". هذا هو الموقف الأول, وهو واضح من طريقة صياغة البلاغ, ومن حدة نبرته أيضا. - الموقف الثاني, جاء من القناة نفسها, في صيغ استنكارية مباشرة, تم بثها بنشرات أخبارها الرئيسية والموجزة وبالبنض العريض, وببرامج خاصة تمت إذاعتها لهذا الغرض بالمباشر الحي, ومع ضيوف من كل الأطياف, بالمغرب وبما سواه, كلها منددة أو غاضبة أو شاتمة أو ما سوى ذلك... ومتضمنة كذلك لمواقف منددة صادرة عن منظمات دولية أو إقليمية للدفاع عن حقوق الإنسان أو حقوق الرأي والتعبير أو ما سواها. - الموقف الثالث أتى من أبناء طينتنا, هنا بالمغرب, بين مندد بموقف الحكومة على أساس من هذه الخلفية أو تلك, وبين متبن لذات الموقف بالبناء على هذا الاعتبار أو ذاك. وهذا أمر يمكن للمرء أن يفهمه ويتفهمه بحكم تجاذب مواقف المغاربة من القناة. ولئن كنا لا نرى مصلحة لنا مباشرة في تبني هذا الطرح أو رفض ذاك, إلا أن المرء لا يستطيع حقيقة أن يخفي أسفه وتذمره من القرار, من طريقة إخراجه, من توقيته كما من الأسباب المقدمة لتبريره وتسويغه: + الأسف والحسرة من قرار سحب الاعتماد من صحفيين متمرسين, أكفاء, مكونين, مهنيين, أبناء حرفة, ومعظمهم مغاربة فضلا عن كل هذا وذلك. + الأسف وعدم الرضى من التوقيت, سيما وأنه أتى في مرحلة لربما المغرب في حاجة إلى أكثر من منبر للترويج لقضاياه الكبرى, سيما بقناة لها جمهور واسع, وأعتقد أنها أثبتت أن لها بعض من القول/الفصل في العديد من القضايا الكبرى في العالم. + ثالثا, لسنا متأكدين من أن القرار قد خضع لدراسة متأنية بمقياس الخسارة والربح, بقدر ما نزعم أنه أتى كرد فعل على حالات سلبية محددة, أو جراء تراكم كانت القناة بظله مكمن عدم استحسان, أو عدم رضى من لدن هذه الجهة أو تلك. + ورابعا نحن متأسفين لأن القرار, وإن كان مجرد تعليق لنشاط القناة, فهو لم يترك الباب مفتوحا كما يقال لتدارك القادم, سيما وأن القناة قد تعمد إلى التصعيد وهي التي تشتغل في بيئة ميزتها الأساس الثأر والفدية والبادي أظلم. لكل هذه الاعتبارات, نتصور أن القرار لم يكن مبنيا ولا مدروسا ولا محسوبا بدقة, حتى وإن كانت المسوغات المقدمة معقولة, وإلى حد ما متفهمة في خلفياتها...ولربما موضوعية بمقياس "المصلحة الوطنية".