تحت شعار "50 عاما من الاستقلال - 50 عاما من الأمل" تُقام حاليا في نواكشوط الدورة الخامسة من الأسبوع الوطني للفيلم. ويتناول عدد من الأفلام مسيرة استقلال موريتانيا، غير أن الجزء الأكبر منها يغوص في هموم المجتمع المعاصر. افترشوا تربة فضاء متسع في الهواء الطلق، وجلسوا في الخيام يشاهدون عن بعد. راحوا يتطلعون إلى شاشة السينما حيث تمرر أمامهم همومهم و مشاغلهم و مسيرة حياتهم المعقدة. تابع الموريتانيون بكل اهتمام عروض الأفلام التي احتضنتها الدورة الخامسة من الأسبوع الوطني للفيلم في موريتانيا والتي شاركت فيها 60 فيلما، من ضمنها 48 فيلما محلياً. وتستضيف هذه الدورة 25 سينمائياً من مختلف البلدان العربية والأفريقية والأوروبية. وتقدم الأفلام المعروضة بانوراما من المواضيع المتصلة شديد الاتصال بالواقع الموريتاني، تعكس الكبت المجتمعي والفقر، كما تتناول المعاناة التي لازمت تحقيق الاستقلال وبناء مدينة نواكشوط كعاصمة للقبائل الموريتانية التي تتناثر في جميع أرجاء البلاد. ولئن كانت العاصمة الموريتانية نواكشوط خالية من قاعات السينما، فقد استطاع أسبوع الفيلم الوطني رغم محدودية إمكانياته وغياب الدعم من وزارة الثقافة الموريتانية أن يجتذب إليه جمهورا جاء يكتشف بداية متعثرة ومتواضعة لإنتاج سينمائي موريتاني قد يكون له شأن كبير في السنوات القادمة. "مشاعر أخرى" شابة موريتانية تواجه الإقصاء العائلي، وتعاني من غياب ثقافة الحوار والانفتاح. يرفض أخوها المتعصب أن تشاركهم نقاشاتهم المنزلية فتجد ضالتها في علاقة عاطفية مع شاب موريتاني تنقاد معه للمنزل، فتقيم معه علاقة جنسية تفقدها بكارتها، لتواجه بعدها مصيرها في المجتمع بعد أن تنكر لها الشاب ورفض الزواج منها. هذا ملخص لفيلم"مشاعر أخرى" للمخرجة الموريتانية الشابة لاله كابر، وهو فيلم يصور ثقافة الأبوة التي لا تزال تسيطر بشكل كبير على الأسرة الموريتانية. الإقصاء يدفع الفتيات إلى التمرد، فينتهي بهن المطاف في أوساط منحرفة. تقول لاله كابر متحدثة عن فيلمها لدويتشه فيله: "أردت من خلال هذه التجربة السينمائية الصغيرة أن أعبر عما تعاني منه كل فتاة موريتانية من عقلية ذكورية، كما أردت أن أدعو إلى نوع من الانفتاح، وإلى أن يتفهم الأهل الفتيات المراهقات حتى لا يقعن في المحظور". أثار فيلم "مشاعر أخرى" للمخرجة والصحفية الشابة لاله كابر جدلاً كبيراً نظراً لتركيزه على الكبت الاجتماعي الممارس ضد الفتيات. ورغم أن الفيلم كسر حاجز الصمت الذي تعود عليه السينمائيون الموريتانيون، وخاصة الشابات منهم، فقد قوبل بتصفيق حار أثناء عرضه أمام الجمهور، وهو ما أسعد المخرجة لالة كابر التي أكدت لدويتشه فيله أنها ستواصل مسيرتها في التطرق لهموم المرأة الموريتانية البالغة الحساسية. وتضيف قائلة: "حتى وإن كنت قد واجهت بعض الضغوط الاجتماعية بسبب هذا الفيلم فأنا مؤمنة بأن مسيرة تحرر المرأة الموريتانية مازالت طويلة، وأن السينما قد تكون منفذا لتغيير بعض العقليات التي مازلت تصنف الفتاة في مرتبة دونية " الخيانة الزوجية في فيلم "الودعة" أما "الودعة" فهو الفيلم الثاني الذي أثار إعجاب المتفرجين وأحرج العائلات، وهو من إخراج الإعلامية الشابة عزيزة منت الطالب. وتدور أحداث الفيلم حول أسرة تستقبل فتاة من الريف، غير أن الفتاة تغوي مضيفها، وتدفعه إلى الطلاق من زوجته والتزوج بها. عن فيلمها تقول المخرجة لدويتشه فيله: "مشكلة الخيانة تخلق الكثير من المشاكل الأسرية في موريتانيا، وقد أردت لفت نظر الجميع إلى خطورة ارتكاب الخيانة عموما، والخيانة الزوجية خصوصا، لأن في ذلك مساسا بكرامة المرأة و مشاعرها". ولم ينحصر الدفاع عن حقوق المرأة على المخرجات الموريتانيات، بل امتد ليشمل مخرجين شبان يؤمنون بأن حقوق المرأة الموريتانية مهضومة. أحد هؤلاء هو المخرج الشاب المبتدا محمد الأمين ولد غالي الذي عرض في المهرجان فيلما قصيرا بعنوان "القرار". وتتمحور أحداث الفيلم حول مشكلة اجتماعية تعاني منها عدة شرائح من المجتمع، وهي ظاهرة الزواج العرفي. ويؤكد المخرج الشاب محمد الأمين ولد غالي في حديثه مع دويتشه فيله: "لقد طرحت رؤيتي للزواج العرفي الذي كثيرا ما يظلم الفتاة و الفتى على حد السواء". ويضيف المخرج بأنه حاول أيضاً أن يقدم الحلول "التي يمكن اتخاذها أمام هذه الظاهرة المستشرية في المجتمع الموريتاني". الفقر حاضر بقوة أما بقية أفلام الدورة الخامسة من الأسبوع الوطني للفيلم في نواكشوط فقد تناولت قضايا سياسية تتعلق ببناء المدينة الحديثة ومسيرة استقلال موريتانيا وما صحبها من هزات وأزمات تاريخية. كما كان الحديث عن الفقر حاضرا بقوة في أفلام المهرجان من خلال فيلم "كولاب" الذي يتحدث عن شاب موريتاني يوزع وقته بين نبش أكوام القمامة الملقاة وبين الدراسة. وتظهر في الفيلم الفوارق الاجتماعية الكبيرة بين قلة من العائلات الموريتانية الميسورة والفاحشة الغنى، وأخرى في الدرجة صفر من الفقر لا تستطيع توفير أدنى ضرورات العيش. وتشهد نسخة هذا العام من الأسبوع الوطني للفيلم مسابقتين، الأولى تحت عنوان "هل تتكلم لغة الصورة؟" وهي مسابقة خاصة بالمبتدئين، ويشارك فيها تسعة مخرجين شبان تم اختيار أفلامهم من بين 52 فيلما؛ أما المسابقة الثانية فتتنافس فيها عشرة أفلام موريتانية للحصول على جائزة أحسن فيلم وثائقي موريتاني. وأياً كانت الأفلام الفائزة بجوائز هذه الدورة، فإن معظم المخرجين الشبان والمختصين في السينما ومنظمي المهرجان يؤكدون على أن الهدف هو مواصلة الحوار والتبادل الثقافي والنقاش البناء واستقطاب تجارب سينمائية مختلفة لجعل السينما الموريتانية قادرة على تخطي الجانب المحلى والخروج بالأسبوع الوطني للفيلم إلى آفاق دولية. دويتشه فيله