من المفترض أن يكون شهر الصيام كما شرعه الدين شهراً لتهدئة النفوس، زيادة الألفة بين البشر، الابتعاد عن العصبية والانفعال وكل ما يؤدي إلى المشاحنة والبغضاء، ولكن عند كثير من الأشخاص في مجتمعاتنا يكون الأمر عكسياً؛ فيزداد لديهم في شهر رمضان معدل التوتر والعصبية وما ينجم عنها من خلافات وأحياناً مشاجرات خصوصاً في الفترة التي تسبق الإفطار. هذا ما تشير إليه بعض الدراسات والتقارير التي أجريت في بعض مجتمعاتنا العربية، ذلك من خلال (معدل عدد الإصابات والقضايا الجنائية الناجمة عن مشاجرات في شهر رمضان)، حيث لوحظ للأسف زيادة في هذا المعدل وخصوصاً في الأيام الأولى من شهر رمضان وفي الفترة التي تسبق الإفطار. أسباب العصبية والانفعال في رمضان:
نقص الماء خلال الصيام: تشير دراسات أمريكية وبريطانية إلى دور الماء في عمل الدماغ، حيث يشكل الماء 75% من الدماغ، وإن نقص الماء الشديد الذي يمكن ان يحصل لدى البعض خلال الصيام قد يكون مسؤولاً عن اضطراب وظائف الخلايا الدماغية، زيادة العصبية والانفعال والتوتر، ضعف التركيز، وأحياناً الهلوسة في الحالات الشديدة. وأشارت الدراسات إلى أن الدماغ يفرز مواد كرد فعل على نقص الماء الحاصل، ويبدو أن هذه المواد لها دور في زيادة التوتر والعصبية. نقص الغلوكوز خلال الصيام: أُثبت علمياً أن الدماغ بعكس غيره من الأنسجة يعتمد بشكل تام على الغلوكوز في حصوله على الطاقة، وأي نقص في غلوكوز الدم سينعكس أولاً على الدماغ. وتشير إحدى الدراسات اليابانية إلى الارتباط بين نقص الغلوكوز في الدم و تزايد حالات العصبية والانفعال. الانقطاع عن التدخين: إن الانقطاع المفاجئ عن التدخين في رمضان (خصوصاً لدى الأشخاص المدخنين بكثرة) يؤدي إلى أعراض تسمى أعراض الانسحاب( مثل الأعراض النفسية كالاكتئاب، الأعراض العصبية كالتوتر العصبي والانفعال). وقد بينت دراسات عدة العلاقة بين الانقطاع المفاجئ عن التدخين وزيادة أعراض التوتر والعصبية في رمضان، حيث ُوجد أن النسبة الأعلى من الذين يعانون من العصبية في رمضان كانوا من الأشخاص المدخنين. الانقطاع عن المنبهات: – يشكل الانقطاع المفاجئ عن تناول المنبهات كالقهوة والشاي عند بعض الأشخاص المدمنين عليها عاملاً مؤثراً في زيادة حالة التوتر والعصبية لديهم في رمضان. – قد بحثت إحدى الدراسات في العلاقة بين النقص المفاجئ لنسبة الكافيين في الدم خلال الصيام وشدة العصبية عند بعض الأشخاص الذين يكثرون عادة من تناول المنبهات من خلال جهاز يقيس معدل التحفيز السلبي للدماغ (حيث يتم تركيبه على رأس الشخص ويبقى معه طوال الوقت) فعندما يتعرض المريض لموقف يثير العصبية، فإن الجهاز يقيس شدة التحفيز السلبي أي شدة العصبية، ويتم ربطها مع نسبة الكافئين الموجودة في الدم. الخلاصة كانت وجود ارتباط عكسي بين شدة العصبية ونسبة الكافئين في الدم، أي أنه كلما كانت نسبة الكافئين في الدم أقل كلما كانت شدة العصبية أكثر. اضطراب عادات النوم في رمضان: تشير الدراسات إلى أن اضطراب عادات النوم في رمضان لدى بعض الأشخاص يؤثر على الساعة البيولوجية الطبيعية لدى الإنسان، وهذا يؤثر سلباً على المزاج والحالة النفسية فيصبح لديهم حالة من التوتر والعصبية. نصائح للتغلب على العصبية في رمضان: إدراك جوهر الصوم: الصوم فرصة لضبط النفس وتعويدها على السكينة والهدوء وحب الآخرين واستيعابهم و ليس العكس والذي قد يحدث نتيجة ردود الافعال المتشنجة و العصبية التي قد تؤدي لإفساد الصوم والغاية المرجوة منه. التنفس بعمق: كلما شعرت بالتوتر حاول أن تتنفس بعمق وتسترخي، فقد وجدت الدراسات أن التنفس العميق والاسترخاء المباشر لهما دور كبير في التخفيف من الأفكار والمشاعر السلبية وحالة التوتر والعصبية. ممارسة تمارين اليوجا: أثبتت دراسات على مستوى العالم أنها من أنجح طرق العلاج النفسي، حيث تقوم بإعطاء راحة للجسد، هدوء في النفس وتأمل فكري وروحي، وكل ذلك يخفف كثيراً من حالة التوتر والعصبية لدى الإنسان ويصبح أكثر إيجابية مع الآخرين. ممارسة التمارين الرياضية: تساهم الرياضة (حسب أحدث الدراسات) في تخفيف التوتر وتعزيز النوم الصحي. الحصول على قسط كاف من النوم: فقد وُجد أن النوم الكافي له دور في تعزيز عمل الدماغ والتخفيف من التوتر والعصبية. اتباع نظام غذائي صحي: حيث وجدت دراسة أن النظام الغذائي الصحي والمتوازن، وكذلك الالتزام بمواعيد الوجبات يقللان من حالة التوتر والعصبية. الحصول على مقدار كافي من الماء: – تختلف الكمية الواجب شربها من الماء حسب العمر والجنس والوزن، ولكن عموماً تتراوح بين 5 – 10 أكواب من الماء، ويتم تناولها ابتداء من فترة الإفطار حتى فترة السحور وليس دفعة واحدة لتجنب حصول الشبع أو الإدرار. – ضرورة تناول الفواكه والخضار لاحتوائها على نسبة جيدة من الماء. الحصول على مقدار كاف من السكريات: – من خلال تناول الأطعمة والمشروبات المحتوية على السكريات التي لا ترفع سكر الدم بشكل سريع ومفاجئ (كالتمر والفواكه والعصائر) وليس الحلويات. – يتم تناول هذه السكريات على فترات منذ الإفطار حتى السحور. كما ينصح العلماء بتناول السكريات المتحللة ببطء (كالرز والبرغل والذرة) على وجبة السحور. بعض النصائح للمدخنين: 1- التخفيف التدريجي من التدخين قبل رمضان للتقليل من أثر أعراض الانسحاب خلال رمضان. 2- الابتعاد عن التدخين السلبي (كالجلوس مع أشخاص مدخنين) 3- عندما تشعر بالحاجة إلى التدخين، استعِض عنه بالعديد من الأنفاس العميقة البطيئة المتبوعة بشرب الماء. نصائح لمن يتناولون المنبهات: 1- التخفيف التدريجي من المنبهات قبل رمضان. 2- عدم تناول المنبهات وخصوصاً القهوة قبل النوم مباشرة. 3- محاولة استبدال المنبهات بمشروبات أخرى كشاي الأعشاب والشاي الأخضر المفيدة للصحة.